< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/10/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرَّمة(1)

قوله: (كتاب المكاسب

قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا}، نزلت في تجارة الحجّ، وقال: {وابتغوا من فضل الله})

قد تواترت الأخبار بالحثّ على طلب الرِّزق والكسب الحلال، وبالأخصّ بطريق التِّجارة، بل من المعلوم أنَّه يستحب لكلّ مكتسب أن ينوي بكسبه الاستعفاف عن النَّاس والتوسعة على العيال، وإغاثة المحتاجين، ونحو ذلك.

وقد وردت الآيات الشَّريفة أيضاً بالحثّ على طلب الرّزق والكسب الحلال:

منها: الآية الشَّريفة التي ذكرها الماتن (رحمه الله): {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}.

قال صاحب مجمع البيان في تفسير الآية الشَّريفة: (قيل: كانوا يتأثّمون بالتِّجارة في الحجّ فرفع الله بهذه اللفظة الإثم عمَّن يتّجر في الحجّ -عن ابن عباس ومجاهد والحسن وعطاء- وفي هذا تصريح بالإذن في التِّجارة، وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السَّلام)...)(1)، ولكنَّ هذه الرِّواية ضعيفة بالإرسال، كما أنَّ قول ابن عباس ومجاهد والحسن وعطاء غير حجَّة.

ومن جملة الآيات الشَّريفة قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}، وقوله: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ، وقوله تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}.

وأمَّا الرِّوايات الواردة بذلك فسنذكر -إن شاء الله تعالى- جملة منها تبعاً لِذكر المصنِّف (رحمه الله) لها.

قوله: (وعن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال لقوم -لما سمعوا قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، فكفّوا عن الطَّلب، وأقبلوا على العبادة-: مَنْ فَعَل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطَّلب)

روى الكليني والشَّيخ (رحمه الله) عن عليّ بن عبد العزيز (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم، قلتُ: جعلتِ فداك! أقبل على العبادة، وترك التِّجارة، فقال: ويحه! أمَّا علم أنَّ تارك الطَّلب لا يستجاب له (دعوة) ، إنَّ قوماً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمَّا نزلت {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كُفِينا، فبلغ ذلك النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله! تكفَّل الله لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنَّه مَنْ فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب)(2)، وهي ضعيفة بطريق الكليني والشَّيخ بمحمَّد بن علي أبي سمينة، وبجهالة عليّ بن عبد العزيز.

ورواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن هارون بن حمزة مثله، (وقال: إنِّي لأبغض الرَّجل فاغراً فاه إلى ربّه، فيقول: ارزقني ويترك الطَّلب)(3)؛ وفغر فاه -كمنع ونصر-: فتحه.

وإسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى هارون بن حمزة وإن كان معتبراً إلَّا أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة عليّ بن عبد العزيز.

وقد روى في تفسير نور الثقلين عن أبي ذرّ الغفاري (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنِّي لأعلم آيةً لو أخذ بها النَّاس لكفتهم {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، فما زال يقولها ويعيدها)(4)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

________

(1) مجمع البيان: ج2/ ص39.

(2) الوسائل باب5 من أبواب مقدمات التجارة ح7.

(3) الوسائل باب5 من أبواب مقدمات التجارة ح8.

(4) نور الثقلين: ج5/ ص356، ح44.

 

والظَّاهر أنَّ الآية الشَّريفة لا تنافي الحثّ على طلب الرِّزق والسَّعي إليه، وبذل الجهد في تحصيله، فلا يفهم منها الجلوس في البيت للعبادة وترك الأسباب الظَّاهرية، بحيث ينزل عليه الرِّزق من السَّماء، فيصعد على السَّطح فيأخذه، بل لا بدّ من السَّعي وتهيئة الأسباب.

نعم، إذا سدَّت عليه الطُّرق، وأُغلِقت الأبواب أمامه، فإنَّ الله عزَّوجل سوف يجعل له مخرجاً من حيث لا يحتسب، أي من حيث لا يتوقّع.

وقد رُوي عن عليّ عليه السلام (أنَّه قال لأبي ذرّ: والله! لو كانت السَّماوات والأرضون رَتْقاً على عبد، ثمَّ اتَّقى الله، لجعل الله له منهما مخرجًا، لا يؤنسك إلَّا الحقّ ولا يوحشك إلَّا الباطل)، وهذه الرِّواية وإن كانت ضعيفة، إلَّا أنَّها مؤيِّدة لِما قلناه.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo