< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(١٥)

الفعل الكثير في الصلاة.

وبالجملة، أنّ الأفعال الواقعة في الصلاة:

منها: ما يجتمع مع أفعال الصَّلاة، كالخياطة والحياكة حال تلبسه بالقراءة، وهذا القسم يقال له عرفاً: إنه يصلي ويشتغل بالخياطة.

ومنها: ما يأتي به فيما بين الأفعال، وهذا ممّا يفصّل أهل العرف بين قليله وكثيره، فلا يرى قليله الذي لا يعتدّ به موجباً لخروجه عن كونه مشغولاً بالصَّلاة، بخلاف كثيره.

والقدر المتيقن الذي يمكن دعوى استفادة مبطليته على الإطلاق إنما هو الفعل المعتدّ به الواقع في الأثناء الذي لا يصدق معه الموالاة بين الأجزاء، أو الذي يكون ماحياً لصورة الصَّلاة وإن كان قليلاً.

وأما لو أتى بفعلٍ كثيرٍ حال تشاغله بأفعال الصَّلاة، كالخياطة والحياكة ونحوهما، فمقتضى الأصل في هذه الأمثلة ونحوها: عدم البطلان، ما لم يختلّ بها شيء من الشرائط المعتبرة في الصلاة من الاستقبال والاستقرار، ونحوها.

ثمّ لا يخفى أنّ جماعة من الأعلام (رحمهم الله) - منهم ابن إدريس (رحمه الله)- قالوا: باختصاص مبطلية الفعل الكثير بالعمد، وكذلك العلّامة (رحمه الله) حيث قيّد بطلان الصلاة بالفعل الكثير بما إذا فعله عامداً، ناسباً له إلى قول أهل العلم كافّة.

والمصنف (رحمه الله) هنا -أي في الدروس-: نسب عدم البطلان بالفعل الكثير سهواً مطلقاً إلى المشهور.

وقال الشهيد الثاني (رحمه الله) في الروضة -بعد أن عدّد منافيات الصَّلاة التي منها الفعل الكثير الذي فسّره بما يخرج فاعله عن كونه مصلياً-: «واعلم أنّ هذه المذكورات أجمع إنما تنافي الصَّلاة مع تعمدها عند المصنف مطلقا ، وبعضها إجماعاً، وإنما لم يقيد هنا اكتفاءً باشتراطه تركها، فإن ذلك يقتضي التكليف به، المتوقف على الذكر، لأن الناسي غير مكلف ابتداءً.

نعم، الفعل الكثير ربما توقف المصنف (رحمه الله) في تقييده بالعمد، لأنه أطلقه في البيان، ونسب التقييد في الذكرى إلى الأصحاب، وفي الدروس إلى المشهور، وفي الرسالة الألفية جعله من قسم المنافي مطلقا.

ولا يخلو إطلاقه هنا من دلالة على القيد، إلحاقاً له بالباقي.

نعم، لو استلزم الفعل الكثير ناسياً انمحاء صورة الصَّلاة رأساً توجه البطلان أيضاً، لكن الأصحاب أطلقوا الحكم، وقالوا: إنّ الفعل الكثير ناسياً لا يبطل الصَّلاة»[[1] ].

أقول: إن كان وجه البطلان في الفعل الكثير: هو ذهاب الموالاة مع بقاء اسم الصلاة فالتفصيل حينئذٍ بين العمد والسهو في محله، بل لا مناص فيه، إذ المصحح لها مع السهو هو حديث: «لا تعاد الصَّلاة إلا من خمسة»، بل حتى لو قلنا: بأنّ الدليل على بطلان الصَّلاة بالفعل هو الإجماع فإنه دليل لبيّ، يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو حال العمد.

وأما إن كان الوجه في البطلان في الفعل الكثير هو انمحاء صورة الصَّلاة، بحيث صحّ سلب اسم الصَّلاة عنها مطلقاً فلا معنى للتفصيل حينئذٍ، بل تبطل الصَّلاة في الصورتين معاً -أي سواء كان عمداً أو سهواً- وكيف تصح بالفعل الكثير سهواً مع عدم صدق اسم الصَّلاة عليها إذا لم يأتِ بالمأمور به، والإجزاء إنما يتحقق إذا انطبق المأتي به على المأمور به؟!

ولعل من ذهب إلى التفصيل بين العمد والسهو لم يُرِد هذه الصورة، بل أراد صورة ما لو كان الوجه في البطلان هو ذهاب الموالاة مع يقاء اسم الصلاة عليها، وبذلك يجمع بين كلمات الأعلام.

وممّا ذكرنا يتضح لك أيضاً: ما ذكره غير واحدٍ من الأعلام من جعل السكوت الطويل في الصلاة من المبطلات من أنه إنْ أدّى إلى انمحاء صورة الصلاة، بحيث لا يصدق عليها اسم الصلاة في جميع الأحوال، فحينئذٍ تبطل سواء كان عمداً أو سهواً، لعدم ما يحصل به الامتثال.

وأما إنْ كان السكوت الطويل يؤدّي إلى الإخلال بالموالاة فقط مع بقاء صدق اسم الصَّلاة عليها فالتفصيل حينئذٍ بين العمد والسهو يكون في محله.

وأما الأخبار المستفيضة، بل لا يبعد تواترها، الواردة في السؤال عن الأفعال الجزئية في أثناء الصَّلاة، كقتل القمّل والبقّ والبرغوث، ونفخ موضع السجود، ونحوها، حيث وقع الجواب فيها بالصحّة، فلا بدّ من تنزيلها على ما ذكرناه من بقاء اسم الصَّلاة عليها مع عدم فوات الموالاة، سواء أكانت من الأفعال القليلة -كما هو مورد أكثرها-، أم من الأفعال الكثيرة:

منها: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يريد الحاجة وهو في الصَّلاة، قال: فقال: يومي برأسه ويشير بيده، والمرأة إذا أرادت الحاجة تصفق»[[2] ].

ومنها: صحيحة الحلبي «أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصَّلاة؟ فقال: يومي برأسه ويشير بيده ويسبح والمرأة إذا أرادت الحاجة، وهي تصلي، فتصفق بيديها»[[3] ].

ومنها: موثقة عمار بن موسى «أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسمع صوتاً بالباب وهو في الصَّلاة، فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه، فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو، فقال: لا بأس به؛ وعن الرجل والمرأة يكونان في الصَّلاة فيريدان شيئاً أيجوز لهما أن يقولا: سبحان الله؟ قال: نعم، ويوميان إلى ما يريدان، والمرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها وهي في الصَّلاة»[[4] ].

ومنها: رواية أبي الوليد « قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله ناجية أبو حبيب، فقال له: جعلني الله فداك! إن لي رحى أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل فأعرف من الرحى أن الغلام قد نام، فأضرب الحائط لأوقظه، فقال: نعم أنت في طاعة الله عز وجل تطلب رزقه»[[5] ]، وهذه الرواية ضعيفة بجهالة أبي الوليد، لاشتراكه بين عدة أشخاص.

ومنها: حسنة عبد الله بن المغيرة عنه (عليه السلام) «أنه قال: لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى أو بحصى يأخذه بيده فيعد به»[[6] ].

ومنها: موثقة يونس بن يعقوب قال: «رأيت أبا عبد الله عليه السلام يسوّي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين»[[7] ].

أما باقي الروايات فتأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo