< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/06/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(12)

الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّ القهقهة سهواً -أي حصولها أثناء الصَّلاة من غير أن يلتفت أنه في الصَّلاة- لا تبطل الصَّلاة، وقدِ ادَّعى جماعة الإجماع على ذلك.

وفي الجواهر: (لكن في المعتبر والتذكرة والذِّكرى وجامع المقاصد وعن كشف الالتباس والغريَّة وإرشاد الجعفريَّة والرَّوض والمقاصد العليَّة والنجيبيَّة والمفاتيح: الإجماع على عدم البطلان بالسَّهو...).

أقول - مع قطع النَّظر عن الإجماعات المسفيضة، وعن كون المسألة متسالم عليها-: يمكن أن يقال: إنَّ النصوص الدَّالة على البطلان بالقهقهة مهملة من هذه الجهة، ولا ظهور لها في الإطلاق الأحوالي.

واستفادة حال القهر والاضطرار منها ليس من باب أصالة الإطلاق حتَّى يتطرق الإشكال بأنَّه لا إطلاق فيها، بل من باب كونه القدر المتيقَّن من النصوص.

ولو نوقش في ذلك -بأنَّ لها إطلاق أحوالي- فالتقييد بغير حال السهو للتسالم بين الأعلام.

مضافاً إلى أنَّ حديث "لا تعاد الصَّلاة" يصحِّح الصَّلاة لو وقع ذلك سهواً، فيكون حاكماً على تلك الإطلاقات.

الأمر الرَّابع: في معنى القهقهة.

فعن الصِّحاح: (القهقهة في الضّحك معروف، وهو أن يقول: قه قه)، وفي مجمع البحرين: (من باب ضَرْب: ضحك، وقال في ضحكه "قه" بالسُّكون ، فإذا كرَّر قيل: قه قه).

وعن المقابيس : (أنَّها الإغراق في الضّحك)، وعن شمس العلوم : (أنَّها المبالغة فيه)، وعن العين وتهذيب اللغة: (قهقه الضاحك: إذا مدّ ورجع).

وقال في الروض- بعد أن نقل كلام أهل اللغة، وأنَّه الترجيع في الضّحك-: (والمراد هنا مطلق الضّحك، كما صرَّح به المصنِّف في غير هذا الكتاب).

وقال في الرَّوضة في تفسير القهقهة: (هو الضّحك المشتمل على الصَّوت وإن لم يكن فيه ترجيع وشدَّة...).

ثمَّ إنَّه قد يقال: إنَّ ظاهر مقابلة القهقهة في الرِّوايات للتبسُّم -في جواب السُّؤال عن الضّحك في موثَّقة سماعة- أنَّ ما عدا التبسُّم قهقهة، لأنَّ الظَّاهر من الموثَّقة كونه في مقام بيان حكم تمام أفراد الضّحك، إذِ احتمال عدم إرادة بيان حكم جميع الأفراد في الجواب في غاية البعد.

وبما أنَّ التبسم معلوم لأنَّه هو الذي لا صوت فيه، ولذا فسره الجوهري بأنَّه دون الضّحك، فيكون المراد من القهقهة حينئذٍ مطلقاً الضّحك، سواء أكان فيه ترجيع وشدَّة أم لا.

لا يُقال: إنَّ مقتضى مقابلة التبسُّم للقهقهة أنَّ المراد منه ما عدا القهقهة، فيشمل الضُّحك الذي فيه صوت، مع عدم الترجيع والشَّدّة.

فإنَّه يقال: إنَّ التبسُّم معروف، كما تقدَّم، بخلاف القهقهة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ مقابلة القهقهة بالتبسُّم لا تقتضي إلحاق الضّحك الذي فيه صوت بلا شدَّة ولا ترجيع بالقهقهة.

ووضوح عدم كونه عرفاً من أفراد التبسُّم ليس إلَّا كوضوح عدم كونه من أفراد القهقهة.

وعليه، فمقتضى الأصل عدم قاطعيَّة الضّحك الذي فيه صوت بلا شدَّة ولا ترجيع، لعدم شمول الرِّوايات له.

والقول: بأنَّه يبعد عدم إرادة بيان حكم جميع أفراد الضّحك في الجواب، مجرد استبعاد، إذ لعلَّ الإمام (عليه السَّلام) اكتفى عن بيان حكم هذا الفرد ببيان حكم التبسُّم؛ لا سيَّما وأنَّ صاحب القاموس فسَّر التبسُّم بأنَّه أقلّ الضّحك وأحسنه، فيكون الضّحك المشتمل على الصّوت -بلا شدّة ولا ترجيع- قريباً من معنى التبسُّم.

ومما ذكرنا يتضح حكم ما لو منع نفسه عن إظهار الضّحك، وإنِ امتلأ جوفه ضحكاً، بحيث احمرّ وجهه وارتعش، فإنَّ مقتضى الأصل عدم كونه قاطعاً للصَّلاة.

بل الإنصاف: أنَّه غير مبطل حتَّى لو قلنا بظهور الأخبار في أنَّ الضُّحك الذي ليس بتبسُّم مبطل للصَّلاة مطلقاً، سواء تحقّق به مفهوم القهقهة أم لا، إذ الظَّاهر عدم تحقّق مفهوم الضّحك عرفاً على مَنْ منع نفسه عن إظهار الضُّحك وإنِ امتلأ جوفه ضحكاً، فحاله حال من امتلأ جوفه من الرِّيح، ومنعه عن الخروج، حتَّى تغيَّر لونه وارتعش، فكما لا يصدق المحدث قبل خروج الناقض فكذلك لا يصدق الضَّاحك قبل خروج الصَّوت، والله العالم بحقائق أحكامه.

    

قوله: (والبكاء للدنيا لا للآخرة).

المعروف بين الأعلام أنَّ البكاء لشيء من أمور الدُّنيا -من فَقْد ميِّتٍ أو تلفِ مالٍ- مبطل للصَّلاة مع التعمُّد.

وفي المدارك: (هذا الحكم ذَكَره الشَّيخ (رحمه الله)، وجمع من الأصحاب، وظاهرهم أنَّه مجمع عليه)، وفي الحدائق: (وهذا الحكم ذكره الشَّيخ، ومن تأخَّر عنه، وظاهره عدم الخلاف فيه)، وفي الجواهر: (على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل لم أجد فيه خلافاً، كما اعترف به بعضهم، بل لا خلاف فيه في المحكي من شرح نجيب الدّين العاملي...).

أقول: إن كان هناك تسالم على المسألة -كما يظهر من عبارة صاحب الجواهر (رحمه الله)- فقد خرجت حينئذٍ عن الإجماع المصطلح عليه.

وإن لم يكن هناك تسالم -كما لعلَّه الأقوى، لأنَّ صاحب الحدائق (رحمه الله) ذَكَر أنَّ هذا الحكم ذَكَره الشَّيخ (رحمه الله) ومن تأخَّر عنه، ومعنى ذلك أنَّه لم يكن معروفاً قبله، فكيف تحقّق التسالم، ويكون الإجماع حينئذٍ منقولاً بخبر الواحد ، وهو غير حجة- فقدِ استُدلّ للمسألة بأمرَيْن:

الأوَّل: بأنَّه فِعْل خارج عن الصَّلاة، فيكون قاطعاً، كالكلام ، أي إنَّه ملحق بالفعل الكثير.

وقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى حكم البكاء من مسائل الفعل الكثير، حيث قال: (الرَّابعة: قد يكون الفعل الكثير مبطلاً وغير مبطل، باعتبار القصد وعدمه، كالبكاء، فإنَّه إن كان لذِكْر الجنَّة أو النَّار لا يبطل، وإن كان لأمور الدُّنيا، كذكر ميِّت له، أبطل...).

وفيه: ما لا يخفى، فإنَّ عنوان البكاء بنفسه معدود من مبطلات الصَّلاة وإن لم يكن فعلاً كثيراً.

وعليه، فإلحاقه بالفعل الكثير، وكلام الآدمي من حيث البطلان، في غير محلِّه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo