< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(11)

والذي يهوِّن الخطب: أنَّها ضعيفة السَّند.

أقول: الأقوى أن يستدلّ للصحَّة بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (في رجلٍ صلَّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم -وهو يرى أنَّه قد أتمّ الصَّلاة- وتكلَّم، ثمَّ ذكر أنَّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: يتمّ ما بقي من صلاته، ولا شيء عليه)([1] )، وكذا غيرها من الرِّوايات، وسيأتي المزيد من الكلام -إن شاء الله تعالى- في مبحث الخلل.

 

قوله: (أمَّا لو أحدث، أو استدبر، فالأشبه: الإعادة، وكذا لو فعل فعلاً كثيراً).

أمَّا الفعل الكثير سهواً فسيأتي حكمه -إن شاء الله تعالى- عند قوله: (والفعل الكثير عادةً لا القليل...).

وأمَّا لو أحدث سهواً: فقد عرفت أنَّه كالعامد.

وأمَّا الاستدبار سهواً: فقد ذكرنا أنَّه يعيد في الوقت، دون خارجه.

 

قوله: (والمشهور: أنَّهما لا يبطلان سهواً).

أي: المشهور أنَّ الاستدبار، والفعل الكثير، سهواً لا يبطلان.

وقد أشرنا إلى أنَّ حكم الفعل الكثير سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا الاستدبار: فقد تعرَّضنا له بالتفصيل عند قول الماتن: (والالتفات دبراً)، فراجع.

 

قوله: (والقهقهة لا التبسُّم).

المعروف بين الأعلام: أنَّ تعمُّد القهقهة مبطِل للصَّلاة، قال صاحب المدارك (قدس سره): (وقد أجمع العلماء كافّةً على أنَّ تعمُّد القهقهة مبطِل للصَّلاة، حكاه المصنِّف (قدس سره) في المعتبر، والعلَّامة في المنتهى...)، وفي الجواهر: (فإنَّ تعمُّدَها مبطِل، بلا خلاف أجده فيه نصّاً وفتوًى، بل في المعتبر والمنتهى والتذكرة والذِّكرى، وعن غيرها، الإجماع عليه ...).

أقول: يقع الكلام في أربعة أمور:

الأوَّل: في حكم تعمد القهقهة في الصَّلاة.

الثاني: فيما لو اضطرَّ إليها.

الثالث: فيما لو كان سهواً، أي: سها عن كونه في الصَّلاة فتقهقه عمداً.

الرابع: في معنى القهقهة.

أمَّا الأمر الأوَّل: فيظهر أنَّ هناك تسالماً بين الأعلام على البطلان فيما لو تعمَّد القهقهة، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.

ويدلّ على ذلك -مضافاً للتسالم -: عدَّة من الأخبار:

منها: حسنة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: القهقهة لا تنقض الوضوء، وتنقض الصلاة)([2] ).

ومنها: موثَّقة سماعة (قال: سألتُه عن الضحك، هل يقطع الصَّلاة؟ قال: أمَّا التبسُّم فلا يقطع الصَّلاة، وأمَّا القهقهة فهي تقطع الصَّلاة)([3] )، ومضمرات سماعة مقبولة، كما عرفت في أكثر من مناسبة.

ومنها: صحيحة ابن أبي عمير عن رهط (سمعوه يقول: إنَّ التبسُّم في الصَّلاة لا ينقض الصَّلاة، ولا ينقض الوضوء، إنَّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة)([4] ).

ولا يضر الإرسال فيها ولا الإضمار، إذ يطمئنّ بوجود الثقة في الرهط؛ مع العلم بأنَّ غالب مشايخ ابن أبي عمير ثقات؛ وكما أنَّه يطمئنّ بأنّ المسؤول هو الإمام (عليه السَّلام)، لا سيَّما أنَّ أغلب مشايخه يروون عن الإمام (عليه السَّلام)، مع عدم معهوديَّة رواية جماعة عن شخص غير الإمام (عليه السَّلام)، مع عدم تسميته باسمه.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في السَّند.

ومنها: مرسلة الفقيه (قال: قال الصَّادق (عليه السَّلام) : لا يقطع التبسُّم الصَّلاة، وتقطعها القهقهة، ولا تنقض الوضوء)([5] )، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها: ما في حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) (أنَّه قال: لا يقطع الصَّلاة التبسُّم وتقطعها القهقهة ...)([6] )، ولكنَّه ضعيف بالقاسم بن يحيى، وجدّه الحسن بن راشد، فإنَّهما غير موثَّقين.

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّ الصَّلاة تبطل بالقهقهة ولو اضطراراً إليها، لا سيَّما، وأنَّ الغالب صورة الاضطرار.

قال في الجواهر: (أما القهقهة اضطراراً ولو بتقصير في المقدمات، فيقوى البطلان بها بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات، بل لعلَّه هو الفرد الكثير الذي وقع السُّؤال عند في النصوص؛ بل قد يظهر من كلِّ من نسب الخلاف فيه إلى الشافعيَّة الإجماع عليه، بل كأنَّه يلوح من التذكرة، حيث قال: القهقهة تُبطِل الصَّلاة إجماعاً منَّا، وعليه أكثر العلماء، سواء غلب عليه أم لا؛ فما في ظاهر جمل العلم والعمل من الخلاف في ذلك، حيث قال: ولا يقهقه ولا يبصق إلَّا أن يغلبه، لا ريب في ضعفه...).

أقول: ما ذكره الأعلام في محلِّه، لأنَّ الغالب في الضّحك حدوثه من التعجُّب للنفس، من غير أن يسبقه عزم وإرادة حتَّى يكون فعلاًً اختياريّاً، فحدوثه من حيث هو في الغالب قهري، واتصافه بالاختياريَّة والعمل والسَّهو إنَّما هو بلحاظ قدرته على المنع وحبس النفس عنه، والتفاته إلى وقوعه في الصَّلاة أو غفلته عنه، فالفرد الذي لا يملك معه من حفظ النفس من أوضح المصاديق التي ينسبق الذِّهن إلى إرادته من الأخبار.

وممَّا ذكرنا يتضح لك ما عن الأردبيلي من نفي البعد عن إلحاقه بالسَّهو لحديث رفع الاضطرار.

ووجه عدم صحة ما ذكره: هو ما ذكرناه فيما لو أكره أو اضطرّ للكلام أثناء الصَّلاة، من أنَّ المأمور به غير مضطرّ إليه، والفرد المضطرّ إليه ليس بمأمور به، فراجع، ولسنا بحاجة للإعادة .

وأمَّا تصحيح الصَّلاة لو تقهقه عمداً، بحيث لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة، ففي غير محلّه، لأنَّ مورده الناسي والسَّاهي والجاهل القاصر، دون المضطرّ ونحوه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo