< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(9)

التأوُّه والأنين.

وأمَّا التأوُّه والأنين: فإن لم يشتمل شيء منهما على حرفين فلا إشكال في عدم بطلان الصَّلاة بهما.

وأمَّا إذا اشتمل شيء منهما على حرفين فظاهر جماعة من الأعلام، منهم الشَّيخ (قدِّس سرُّه) في الخلاف، والعلامة (قدِّس سرُّه) في التذكرة، والمصنف (قدِّس سرُّه) هنا، وفي الذكرى، هو البطلان بهما، لِصدق الكلام عليهما.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ الصَّلاة لا تبطل بهما، لأنَّهما لا يعدان كلاماً عند العرف، وإنَّما هذه أصوات لا تُعدّ حروفاً عند العرف، وإن شابهت الحروف في الصُّورة.

وأمَّا رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن عليٍّ (عليه السَّلام) (أنَّه قال: من أنَّ في صلاته فقد تكلَّم)[1] ، ورواها الشَّيخ الصَّدوق (قدِّس سرُّه) مرسلة[2] .

فهي أوَّلاً: ضعيفة بعدم وثاقة طلحة، كما أنَّها ضعيفة في الفقيه بالإرسال.

وثانياً: أنَّها محمولة على إرادة التنزيل مبالغة في الكراهة، ويزيدها ضعفاً أنَّ الأصحاب أعرضوا عنها.

نعم، لا ينبغي الإشكال في البطلان بحكاية صوت التنحنح والنفخ والتأوه، ونحوها، مثلا (أح) و(يف)، و(أوه)، ضرورة كونها ألفاظاً موضوعةً للدلالة على الأصوات المزبورة .

ثمَّ إنَّه بنبغي التنبيه على أمر، وحاصله: أنَّه لو قال في الصَّلاة: آه من ذنوبي، أو آه من نار جهنم، أو آه من ألمي ووجعي، أو آه من فقري وفاقتي، فهل تبطل الصَّلاة بذلك أم لا؟

فنقول: إن صدرت هذه الأمور في مقام الشكاية إلى الله تعالى لم تبطل وإن كانت من أمر دنيوي ، لأنَّها تدخل في المناجاة مع الله سبحانه وتعالى.

وقد ورد في صحيحة عليّ بن مهزيار (قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الرَّجل يتكلَّم في صلاة الفريضة بكلِّ شيءٍ بناجي به ربَّه، قال: نعم)([3] )، وهي تشمل بعمومها كلّ كلام ومناجاة مع الله تعالى بأيّ لفظ كان، وإن لم تصدر هذه الأمور في مقام الشِّكاية إلى الله تعالى، بحيث لا يصدق عليها المناجاة، ولم تكن في ضمن دعاء من الأدعية، فهي تكون مبطلة، والله العالم.

هذا كلّه في كلام الآدميين، وأمَّا الذِّكر والدُّعاء والقرآن والمناجاة فلا ريب في جوازها في جميع أحوال الصَّلاة، سواء أكان المقصود منها لتقرب فقط أم قصد بها إيقاظ غيره، أو تنبيه على أمر، أو غير ذلك من المقاصد.

أمَّا إذا كان المقصود منها التقرُّب فقط، فيدلّ عليه -مضافاً إلى عدم دخول هذه الأمور في الكلام المنهي عنه، لانصراف أدلَّة النهي إلى ما كان من سنخ كلام الآدمي الذي لا ينبطق على هذه الأمور- جملة من الروايات:

منها: صحيحة بن مَهْزيار المتقدِّمة .

ومنها: صحيحة الحلبي (قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): كلّ ما ذكرت الله عزَّوجل به، والنَّبي (صلى الله عليه وآله)، فهو من الصَّلاة)([4] ).

ومنها: مرسلة حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: كلّ ما كلمتَ الله به في صلاةِ الفريضةِ فلا بأس)([5] )، وهي ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا إذا قصد بها تنبيه غيره على أمر، أو إيقاظه، أو غير ذلك من المقاصد، فهو على أقسام، إذ تارةً يأتي بالذِّكر أو القرآن، ويكون المستعمل فيه هو الذِّكر، أو القرآن الذي أنزله جبرئيل (عليه السَّلام) على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويكون قصد التنبيه، أو إيقاظ غيره، من اللوازم، كرفع الصَّوت، ونحو ذلك، فلا إشكال في الجواز.

وعليه، تنزَّل الرِّوايات الواردة في المقام، كما في ذيل موثقة عمَّار المتقدِّمة (وعن الرَّجل والمرأة يكونان في الصَّلاة، فيريدان شيئاً، أيجوز لهما أن يقولا: سبحان الله، قال: نعم، ويؤميان إلى ما يريدان؛ والمرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها، وهي في الصَّلاة)([6] ).

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن الرَّجل يكون في صلاته، فيستأذن إنسان على الباب، فيسبِّح ويرفع صوته، ويسمِع جاريته فتأتيه، فيريها بيده أنَّ على الباب إنسانًا فيسبِّح ويرفع صوته، هل يقطع ذلك صلاته، وما عليه؟ قال: لا بأس، لا يقطع بذلك صلاته)([7] ).

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ، حيث ورد فيها: (إنّ عليّاً (عليه السَّلام) كان في صلاة الصُّبح، فقرأ ابن الكوّا -وهو خلفه-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ}، فأنصت عليٌّ (عليه السَّلام) تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمّ عاد في قراءته، ثمّ أعاد ابن الكوَّا الآية، فأنصت عليّ (عليه السَّلام) أيضاً ثم قرأ، فأعاد ابن الكوَّا، فأنصت عليٌّ (عليه السَّلام)، ثمَّ قال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}، ثمَّ أتمّ السُّورة، ثمَّ ركع)([8] ).

وتارةً أخرى: يقصد بالذِّكر التنبيه من دون قصد الذِّكر أصلاً، بأن استعمله في التنبيه، والدَّلالة على الإيقاظ.

وبالجملة، فيكون المراد استعمال لفظ الذِّكر في المقصد، وهو التنبيه، وكذا استعمال القرآن في التنبيه، من دون قصد حكاية القرآن المنزل على قلب النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، فلا إشكال حينئذٍ في كونه مبطلاً، إذ لا ينطبق عليه عنوان الذِّكر، أو الدُّعاء، أو قراءة القرآن، أو المنافاة.

وممَّا ذكرنا يتضح لك ما ذكره المصنّف (قدس سره) في الذّكرى، حيث قال: (ولو قصد مجرد الإفهام، ففيه وجهان: البطلان، والصحّة، بناءً على أنَّ القرآن يخرج عن اسمه بمجرد القصد، أم لا).

وقد عرفت أنَّه لا وجه للصحّة.

وقد ذكرنا سابقاً في مبحث القراءة أنَّ قراءة القرآن متقوِّمة بقصد حكاية القرآن الذي أنزله جبرائيل (عليه السَّلام) على قلب النّبيّ (صلى الله عليه وآله).

وتارةً ثالثة: يقصد الأمرين معاً في عرض واحد، أي بأن استعمل لفظ الذِّكر في معنى الذِّكر والتنبيه، وكذا القرآن استعمله في الحكاية والتنبيه، بناءً على جواز استعمال للفظ في أكثر من معنًى.

والإنصاف: أنَّه مبطل أيضاً، لأنَّ استعماله في الأمر الأوَّل -وهو معنى الذكر أو قصد حكاية القرآن- وإن لم يكن مبطلاً إلَّا أنَّ استعماله في الأمر الثاني -وهو التنبيه، وإيقاظ غيره، ونحو ذلك- يكون مبطلاً.

والذي يهوِّن الخطب أنَّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى غير جائز، كما ذكرنا في محله.

هذا كلّه في الكلام العمدي.

__________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo