< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(10)

قول الماتن: (مع البلوغ، والعقل، والحضر، والحريَّة، والذكورة، والصّحّة من العمى، والمرض، والإقعاد، والشَّيخوخة المانعة).

[الشرح] قال صاحب المدارك -قدِّس سرُّه-: (أمَّا اعتبار التكليف بمعنى البلوغ والعقل في هذه الصَّلاة، بل وفي غيرها من الصَّلوات، فمذهب العلماء كافَّةً، فلا يجب على المجنون، ولا الصَّبي وإن كان مميزاً؛ نعم، تصحّ من المميِّز تمريناً، وتجزيه عن الظُّهر...).

وفي الذِّكرى: (فلا تجب على الصَّبي، لعدم التكليف، ولا تنعقد به وإن كان مميزاً...).

أقول: من تجب عليه الجمعة، بحيث يجب عليه السَّعي إليها، لا بدّ أن يتوفَّر فيه عدَّة شروط:

منها: البلوغ، وهو إجماعي، بل هناك تسالم عليه، بل لعلَه من ضروريات المذهب، أو الدِّين.

وعليه، فغير البالغ لا تجب عليه.

نعم، تصحّ من المميِّز بناءً على الصَّحيح من شرعيَّة عباداته، وتجزيه على الظهر، وليست تمرينيَّةً، كما عن المصنِّف -قدِّس سرُّه- في الذكرى وصاحب المدارك -قدِّس سرُّه-، وغيرهما من الأعلام، وبينا في بعض المناسبات كيفيَّة شرعيَّة عباداته، وذكرنا الدَّليل عليه، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- حكم ما لو بلغ الصَّبي بعد فعل الظُّهر، عند قول المصنِّف الآتي: (أمَّا الصَّبي لو بلغ بعد فعل الظُّهر لم تجزئه، ووجبت الجمعة).

ومنها: العقل، بلا خلاف فيه، بل لعلَّه من ضروريَّات الدِّين، فلا تجب على المجنون المستمرّ جنونه إلى فواتها.

قال المصنِّف -قدِّس سرُّه- في الذكرى: (ولو كان جنونه إدواراً، مفيقاً حالة الإقامة، وجبت إنِ استمرت الإفاقة إلى آخرها، وإلَّا سقطت، ولو زال جنونه ووقتها باقٍ وجبت)، وهو جيِّد.

ويدل أيضاً على اشتراط البلوغ والعقل الرِّوايات الآتيَّة -إن شاء الله تعالى-.

ومنها: الحضر والحريَّة والذُّكورة،والصّحّة من العمى والمرض والإقعاد والشّيخوخة المانعة.

ويدلّ على هذه الأمور جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر -عليه السَّلام- ( إنَّما فرض الله عزَّوجل على النَّاس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاةً، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ في جماعة وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصَّغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأة، والمريض، والأعمى، ومَنْ كان على رأس فرسخين)([1] ).

ومنها: مرسلة الفقيه (قال: وخطب أمير المؤمنين -عليه السَّلام- في الجمعة، فقال: الحمد لله الولي الحميد -إلى أن قال:- والجمعة واجبة على كلِّ مؤمن إلَّا على الصَّبي، والمريض، والمجنون، والشَّيخ الكبير، والأعمى، والمسافر، والمرأة، والعبد المملوك، ومن كان على رأس فرسخين)([2] ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها: صحيحة أبي بصير ومحمَّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد الله -عليه السَّلام- (قال: إنَّ الله عزَّوجل فرض في كلِّ سبعة أيام خمساً وثلاثين صلاةً، منها صلاة واجبة على كلِّ مسلم أن يشهدها، إلَّا خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة، والصَّبي)([3] ).

ومنها: صحيحة منصور عن أبي عبد الله عليه السَّلام -في حديث- (قال: الجمعة واجبة على كلِّ أحد، لا يعذر النَّاس فيها إلَّا خمسة: المرأة، والمملوك، والمسافر والمريض، والصَّبي)([4] ).

ومنها: مرسلة الشَّهيد الثاني -قدِّس سرُّه- في رسالة الجمعة (قال: قال النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) الجمعة حقّ واجب على كلِّ مسلم، إلَّا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبيّ، أو مريض)([5] وهي ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها من الرِّوايات التي لا ضرر في النقيصة فيها، والزيادة في المستثنى، بعد تحكيم منطوق بعضها على مفهوم الآخر، وإمكان تداخل بعضها في بعض.

أضف إلى ذلك: أنَّه لا خلاف في جميعها، ففي المعتبر والمتنهى والتذكرة الإجماع على اشتراط الذكورة، قال في التذكرة: (الذُّكورة شرط، فلا تجب على المرأة إجماعاً...).

أقول: مقتضى شرطيَّة الذُّكورة سقوط الوجوب عن الخنثى لو قيل بأنها طبيعة ثالثة، لكنّ الوارد في الرِّوايات استثناء المرأة عن عموم كلِّ مؤمن أو مسلم.

وعليه، فالخنثى يجب عليها ذلك بمقتضى العموم.

ولكنَّك عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ الخنثى ليست طبيعة ثالثة، بل هي إمَّا ذكر أو أنثى، فإمَّا مكلَّفة بأحكام الرِّجال أو أحكام النِّساء، وهذا العلم الإجمالي يقتضي الاحتياط بفعل كلِّ ما يحتمل وجوبه على الرِّجال والنِّساء، وبتَرْك كلّ ما يحتمل حرمته على الرّجال والنِّساء؛ ولا وجه للرُّجوع إلى أصل البراءة.

وإن شئت فقل: إنَّ مقتضى هذا العلم الإجمالي هو تنجيز جميع التكاليف، سواء المتوجِّهة للرِّجال، والمتوجِّهة للنِّساء في حقِّها، فيجب عليها امتثالها.

وفي مقامنا هذا يجب على الخنثى الاحتياط بالجمع بين الجمعة والظهر، لو قيل بعدم صحّة الجمعة من المرأة.

ولو قيل: بصحَة الجمعة منها، كما هو الصَّحيح، حيث ذكر الأعلام أنَّ المرأة إذا تكلَّفت الحضور، وصلَّت الجمعة، صحَّت وأجزأها عن الظُّهر، فلا يجب على الخنثى الاحتياط، بل تكتفي بفعل الجمعة، والله العالم.

وأمَّا الحرية: فعليها إجماع العلماء، قال العلَّامة -قدِّس سرُّه- في التذكرة: (الحريَّة شرط في الوجوب، فلا تجب على العبد عند علمائنا أجمع، وبه قال عامَّة العلماء...).

وقال المصنِّف -قدِّس سرُّه- في الذِّكرى: (الأمر الخامس: الحريَّة، فلا تجب على العبد بإجماعنا...)، وكذا غيرها من الأعلام.

هذا، وذكر جماعة من الأعلام أنَّ المبعَّض لا تسقط عنه الجمعة، لعدم صِدْق العبد عليه، فيبقى مندرجاً تحت العمومات.

ومن ثَمَّ ذهب الشَّيخ -قدِّس سرُّه- في المبسوط إلى الوجوب على المبعَّض إذا هاياه المولى، فاتفقت الجمعة في نوبته، قال صاحب المدارك: (وهو حسن).

أقول: لا يوجد فيه شيء من الحسن، وذلك لأنَّ الوارد في الرِّوايات استثناء العبد.

وعليه، فيصبح العام -وهو الوجوب على كلِّ مؤمن أو مسلم بعد التخصيص- هو المؤمن غير العبد، أو المسلم غير العبد، والمبعَّض لم يحرَز أنَّه غير عبد، بل هو مشكوك، ولا يصحّ التمسُّك

بالعام حينئذٍ، لأنَّه من التمسُّك بالعام في الشُّبهة المصداقيَّة، وبعد الرُّجوع إلى الأصول العمليَّة يكون مقتضى الأصل هو البرءاة، فلا تجب على المبعَّض، والله العالم.

وأما الحضر: فهو مجمع عليه أيضاً، قال المصنِّف -قدِّس سرُّه- في الذكرى: (الرابع، الحضر، فلا تجب على المسافر- لما سبق- عندنا وعند أكثر العلماء، وأوجبها عليه النَّخَعِي والزُّهْري...).

وفي المدارك: (وأمَّا اعتبار الحضر -والمراد منه ما قابل السَّفر الشَّرعي، فيدخل فيه المقيم، وكثير السَّفر، والعاصي، وناوي الإقامة-: فمجمع عليه بين العلماء أيضاً، حكاه في التذكرة...).

أقول: الموجود في الرِّوايات هو عنوان المسافر، فيدخل فيه العاصي في سفره، إذ لا مدخليَّة لكون السَّفر في طاعة الله، أو في معصيته، في صدق هذا العنوان.

نعم، ورد من الشَّارع المقدَّس أنَّ السَّفر إذا كان سفرَ معصيةٍ يجب فيه التمام؛ ولكنَّ هذا حكم بغير الموضوع، وهو عنوان المسافر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo