< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(8)

ويرد عليه: أنَّ الرِّوايات المتواترة التي استُدلّ بها على إثبات التخيير، على اختلاف كيفيَّة دلالتها، لا إشارة في شيء منها إلى اشتراط الفقيه، فضلًا عن الظُّهور.

بل في بعض الرِّوايات ما يدلّ على عدم اعتبار الفقيه، مثل صحيحة عبد الملك المتقدِّمة عن أبي جعفر -عليه السَّلام- (قال: قال: مثلك يهلك ولم يصلِّ فريضةً فرضها الله، قال: قلتُ: كيف أصنع؟ قال: صلُّوا جماعةً، يعني صلاة الجمعة)([1] ).

وجه الدلالة: أنَّ هذه الصَّحيحة وردت عن أبي جعفر الإمام الباقر -عليه السَّلام- قبل نصب الفقيه، لأنَّ أدلَّة النَّصب جاءت من الإمام الصَّادق -عليه السَّلام- في رواية ابن حنظلة المعبَّر عنها عند الأعلام بالمقبولة، لتلقِّي الأصحاب إياها بالقبول، وإن كانت عندنا ضعيفة، لعدم وثاقة ابن حنظلة؛ وقد ورد فيها: (ينظران مَنْ كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فَلْيرضوا به حكمًا، فإنّي قد جعلته عليكم حاكمًا، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفَّ بحكم الله، وعليه ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله)([2] ).

وفي صحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم (قال: قال أبو عبد الله -عليه السَّلام- جعفر بن محمد الصَّادق -عليه السَّلام- إياكم أن يحاكم بعضكم بعضًا إلى أهل الجور، ولكنِ انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم شيئًا من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيًا، فتحاكموا إليه)([3] ).

وجاءت أدلَّة النَّصب أيضًا من إمام الزَّمان عجل الله تعالى فرجه الشَّريف، كما في رواية إسحاق بن يعقوب (قال: سألتُ محمَّد بن عثمان العمري أن يُوصِل لي كتابًا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزَّمان -عليه السَّلام-: أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك -إلى أن قال:- وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله)([4] وهي ضعيفة سندًا ودلالةً.

أمَّا سندًا:

وأمَّا دلالةً: فلأنَّ الرَّواة، وإن كان المراد منهم الفقهاء، إلَّا أنَّه لا يخلو من إجمال، إذ الرُّجوع إليهم: هل هو في حكم الحوادث ليدلّ على حجيَّة الفتوى، أو حسمها، ليدلّ على نصب الفقهاء ونفوذ قضائهم.

وعليه، فالدَّلالة مجملة، وغير ظاهرة في النَّصب.

وأمَّا دعوى تقدَّم النَّصف، وأنَّه كان ثابتًا في زمن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ففي غير محلِّه.

نعم، في مرسلة الفقيه (قال رسول الله -صلّى الله عليه وآله-: اللّهمّ ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله! ومَنْ خلفاؤك؟ قال: الّذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسنّتي)([5] ).

ولكنها أوَّلًا: ضعيفة بالإرسال.

وثانيًا: لا دلالة فيها على النَّصب.

وعليه، فالتخيير الثابت في النصوص حاصل قبل النَّصب.

أضف إلى كلِّ ذلك: أنَّ العمدة في أدلَّة النَّصب هي صحيحة أبي خديجة، ورواية ابن حنظلة، وهما قاصرتان عن شمول النَّصب لإقامة الجمعة، بل لا يفهم منهما إلَّا النَّصب للقضاء، ولو سُلِّم العموم لإقامة الجمعة لكان مقتضاها هو الوجوب التعييني، كما في النائب الخاصّ.

وأمَّا تنزيله كلمات القائلين بالتخيير على ذلك، حيث قال: (وعبارات الأصحاب ناطقة بذلك)، ففي غير محلِّه، إذ ليس في التذكرة واللمعة، وهنا - الدروس-، والمختلف، إلَّا فعل الفقهاء، قال المصنِّف -قدِّس سرُّه- هنا: (وفي الغيبة تجمع الفقهاء مع الأمن...).

ومرادهم بالمتفقهة من الفقهاء، أو أنَّ الفقهاء أَوْلى من غيرهم.

ومهما يكن، فما ذكره المحقِّق الثاني -قدِّس سرُّه- ليس تامًّا، والله العالم.

القول الخامس: وهو القول بالتحريم في زمن الغيبة، وهذا القول صريح ابن إدريس وسلَّار، وظاهر السَّيد المرتضى في أجوبة المسائل، والطبرسي والتوني، ونسبه جماعة إلى العلَّامة في المنتهى، والشَّهيد في الذِّكرى، واختاره صريحًا الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام (رحمهم الله جميعًا).

ومهما يكن، فقد يستدلّ للقول بالحرمة ببعض الأدلَّة:

منها: الإجماع على اشتراط صحَّة الجمعة بحضور الإمام -عليه السَّلام- أو نائبه الخاصّ.

وفيه: أنَّ هذا الإجماع في غير محلِّه، إذ كيف يتحقق هذا الإجماع مع ذهاب المعظم إلى الجواز، وأنَّ المكلَّف مخيَّر بين إقامتها وبين صلاة الظُّهر من يوم الجمعة، وذهاب البعض إلى الوجوب التعييني.

وثانيًا: على فرض ذلك، فهو إجماع منقول بخبر الواحد، وهو غير حجَّة.

نعم، لوِ ادَّعوا الإجماع على اشتراط الوجوب التعييني بحضور الإمام -عليه السَّلام- أو نائبه الخاصّ، لصحَّ منهم ذلك.

وأمَّا دعوى الإجماع على عدم الجواز فليست بتامَّة.

ومنها: أنَّ صلاة الجمعة عبادة يتوقَّف جوازها على التوظيف، ولم يثبت، لِقصور العمومات والإطلاقات الواردة في الباب عن إثبات شرعيَّة إقامتها بغير الإمام -عليه السَّلام-، أو نائبه الخاصّ.

ويرد عليهم: أنَّ كلَّ ما ذكرناه من الأدلَّة للقول بالتخيير يدلّ على الجواز، بل قلنا: إنَّ إقامتها مستحبّة بدون حضور الإمام -عليه السَّلام- أو نائبه الخاص، ولا حاجة لإعادة ذكر هذه الأدلَّة، فراجع ما ذكرناه من الأدلَّة للقول الأوَّل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo