< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(7)

أقول: من ذهب إلى اختصاص البطلان بالعامد استدلّ بهذا الحديث -حديث الرفع.

ولكن الإنصاف: أنَّه لا يصحّ الاستدلال بحديث الرفع، لا لما قِيل: من أنَّ النسبة بينه وبين ما دلّ على قاطعيَّة الالتفات هي العموم من وجه كما عن صاحب الجواهر.

ويترتَّب على ذلك: أنَّه في مورد الاجتماع يرجع إلى ما تقتضيه قاعدة شرطيَّة الاستقبال حال الصَّلاة، أي إطلاق ما دلَّ على شرطيَّة الاستقبال، لكون مرجعاً عند التعارض، لأنَّ حديث الرفع حاكم على عمومات أدلة التكليف، أوإطلاقاتها، فلا تلاحظ النسبة بينها، بل يقدم عليها وإن كانت أعمّ من وجه.

ولا لما قيل - كما عن صاحب الحدائق (قدس سره) وغيره- من أنَّ المتبادر من الحديث هو رفع المؤاخذة، وهو لا ينافي البطلان، إذ لا يخفى أنَّ المراد منه، كما ذكرنا في مبحث علم الأصول، هو رفع جميع الآثار الشّرعية الثابتة لذوات ما تعلق به النسيان والخطأ والاضطرار وباقي الفقرات، من حيث هي بمقتضى عموم أدلّتها، لولا هذا الحديث ممَّا يكون وضعه على المكلّفين فيه كلفة ومشقَّة عليهم، روفعه فيه منَّة وتوسعة عليهم.

وعليه، فيكون بطلان الصَّلاة بالاستدبار سهواً، وإلى محض اليمين والشمال من أظهر الآثار التي ينفيها هذا الحديث.

ولا يصحّ الاستدلال بهذا الحديث الشريف هنا لِما ذكرناه في أكثر من مناسبة من عدم جريانه في باب الأجزاء والموانع، لتثبت به صحّة المأتي به.

وذلك لأنَّ المأمور به إنَّما هو الكلّي والطَّبيعي الجامع بين الأفراد الطوليَّة والعرضيَّة المحدودة فيما بين الحدَّين.

وما تعلَّق به النسيان إنَّما هو فرد من ذلك الجامع ممَّا تعلّق به النسيان مثلاً، غير ما تعلَّق به الأمر، ولا بدّ من تعلّق الرفع بعين ما تعلّق به الوضع.

ولهذا السبب لا يكون الحديث الشريف متكفِّلاً لتصحيح الباقي، فلا يكون الإتيان بالناقص مجزياً، إلَّا إذا استوعب النسيان تمام الوقت.

والخلاصة: أنَّ مقتضى إطلاق ما دلّ على قاطعيَّة الالتفات هو البطلان في هذه الصُّور الأربع.

نعم، ذكرنا في مبحث القبلة عند قول المصنِّف (قدس سره): (وإن كان إلى عين اليمين أو اليسار استأنف، ولو كان قد فرغ أعاد في الوقت، لا خارجه، ولو كان مستدبراً فالأقرب المساواة): إذا كان منحرفاً إلى اليمين أو اليسار، أو مستدبراً، فإنَّ كان في الأثناء استأنف، وإن كان بعد الفراغ، وفي الوقت، أعاد، وإن علم خارج الوقت فلا إعادة عليه.

وذكرنا جملة من الرِّوايات، منها صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إذا صلَّيت -وأنت على غير القبلة- واستبان لك أنَّك صلّيت وأنت على غير القبلة، وأنت في وقت، فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد)([1] ).

وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة، فراجع ما ذكرناه هناك(2)، فإنَّه مهم.

ثمَّ إنَّه لا فرق بين الالتفات سهواً أو إكراهاً أو اضطراراً، لأنهم جميعاً من باب واحد، والله العالم.

 

قوله: (والكلام بحرفَيْن عمداً)

قال المصنِّف (قدس سره) في الذِّكرى: (يحرم تعمُّد الكلام بما ليس من الصَّلاة، ولا من القرآن والأذكار والدُّعاء المباح؛ وحدُّه حرفان فصاعداً، بإجماع الأصحاب، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): إنَّما صلاتنا هذه تكبير وتسبيح وقرآن، وليس فيها شيء من كلام الناس؛ والكلام جنس لما يُتكلّم به، فيقع على الكلمة، والكلمة صادقة على الحرفين فصاعداً، وقوله: وليس فيها شيء من كلام النَّاس، خبر يراد به النَّهي، لاستحالة عدم المطابقة في خبر الله ورسوله...).

وفي المدارك: (أجمع الأصحاب على بطلان الصَّلاة بتعمد الكلام بما ليس بقرآن ولا ذكر ولا دعاء...).

وفي الحدائق: (ولا خلاف في ذلك بين الأصحاب (رحمهم الله)، وقد نقل اتِّفاقهم على ذلك جمع، منهم الفاضلان والشَّهيدان، وغيرهم...).

وفي الجواهر: (ومنها الكلام بما ليس بدعاء وذكر وقرآن، إجماعاً بقسمَيْه، بل المنقول منه كاد يكون متواتراً، كالنصوص...).

أقول: هناك تسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، على بطلان الصَّلاة بالتكلُّم بما ليس دعاءً ولا ذِكراً ولا قرآناً، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.

ومع ذلك يدلّ عليه النصوص الكثيرة:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم (قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن الرَّجل يأخذه الرُّعاف والقيء في الصَّلاة، كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه، ويعود في صلاته، وإن تكلَّم فَلْيعد صلاته وليس عليه وضوء)([2] ).

ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حيث ورد في ذَيْلها: (وإن لم يقدر على ماء حتَّى ينصرف بوجهه أو يتكلَّم فقد قطع صلاته)([3] ).

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إن تكلَّمت أو صرفت وجهك عن القِبلة، فأعِد الصَّلاة)([4] )، ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني الواقع في إسناد الصَّدوق إلى أبي بصير.

 

ومنها: صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: ابنِ على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمداً ، وإن تكلمت ناسياً فلا شيء عليك)([5] )، وكذا غيرها من الروايات الكثيرة.

[بقيت رواية منافية لما سبق، وهي رواية محمَّد عن أخيه أبي جرير، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (قال: قال: إنَّ الرَّجل إذا كان في الصَّلاة فدعاه الوالد فَلْيُسبِّح، فإذا دعته الوالدة فَلْيقل: لبيكِ)([6] ).

وهي بالإضافة إلى ضعف سندها، لا تقاوم التسالم والروايات المتواترة].

(2) مسالك النفوس إلى مدارك الدروس،الصَّلاة ،ج3 ، ص161.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo