< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(6)

= ثمَّ إنَّ النسبة بين حسنة الحلبي وصحيحة زرارة هي العموم والخصوص من وجه، لأنَّ مفهوم حسنة الحلبي عدم بطلان الصَّلاة إذا لم يكن الالتفات فاحشاً، وإن كان بكلِّه.

ومفهوم صحيحة زرارة عدم بطلان الصَّلاة إذا لم يكن بكله وإن كان فاحشاً، فمنطوق كلٍّ منهما يتعارض مع مفهوم الأخرى، فالالتفات بكلّ البدن إلى ما بين يمين القبلة وشمالها لا يكون فاحشاً، فتكون الصَّلاة بذلك باطلة، بمقتضى منطوق صحيحة زرارة، ولكنَّها صحيحة بمفهوم حسنة الحلبي.

كما أنَّ الالتفات بالوجه خاصةً إلى الخلف إذا أمكن، أو إلى محض اليمين والشَّمال، يكون فاحشاً، مع أنَّه ليس بكلِّه، فمقتضى منطوق حسنة الحلبي بطلان الصَّلاة، ولكنَّها صحيحة بحسب مفهوم صحيحة زرارة.

والنتيجة: أنَّه في صورة الالتفات بكلِّ البدن إلى خلف، وإلى محض اليمين واليسار، تبطل الصَّلاة في حال العمد، بلا إشكال ، لِصدق الالتفات بكلِّ البدن، والالتفات الفاحش.

وأمَّا الالتفات بكلِّ البدن عمداً إلى ما بين اليمين والشِّمال، والالتفات بالوجه خاصَّة عمداً إلى الخلف إذا أمكن، وإلى محض اليمين والشَّمال، فهو مورد المعارضة.

وبعد التساقط يرجع إلى العموم الفوقاني، وهو ما دلَّ على بطلان الصَّلاة بمطلق الالتفات .

إذا عرفت ذلك، فنقول: عندنا خمس صور من صور الالتفات العمدي باطلة، والسَّادسة صحيحة.

أمَّا الخمس فهي:

الأُولى: ما لوِ التفت بكلِّ البدن إلى الخلف، وهي القدر المتيقَّن عند جميع الأعلام.

الثانية: ما لوِ التفت بكلِّ البدن إلى محض اليمين والشِّمال، وهو مذهب أغلب الأعلام.

الثالثة: ما لوِ التفت بكلِّ البدن إلى ما بين اليمين والشِّمال، ذهب إليه جماعة كثيرة من الأعلام.

الرابعة: ما لوِ التفت بالوجه خاصَّة إلى الخلف -إذا أمكن- ذهب إليه أغلب الأعلام.

الخامسة: ما لوِ التفت بالوجه خاصَّة إلى محض اليمين والشَّمال، فالمشهور بين الأعلام أنه مكروه .

ولكن عرفت أنَّ الأقوى هو البطلان لِصدق الالتفات الفاحش عليه.

وأمَّا الصورة السَّادسة -وهو ما لو التفت بالوجه خاصة إلى ما بين اليمين والشِّمال-: فهي صحيحة بالاتِّفاق، لِعدم صدق الالتفات الفاحش عليها، ولا الالتفات بكلِّ البدن.

نعم، هو مكروه، والله العالم.

هذا تمام الكلام في الالتفات العمدي.

وأمَّا السَّهوي منه: فعن جماعة من الأعلام اختصاص مبطليَّة الالتفات بصورة العمد، بل عن المصنِّف (قدس سره) في البيان -في مسألة من نقص ركعة فما زاد، في باب السهو-: نسبته إلى ظاهر الأكثر، فقال: ظاهر أكثر الأصحاب عدم بطلان الصَّلاة بالاستدبار سهواً، بل ذكر هنا -أي في الدروس- أنَّ المشهور عدم البطلان بالاستدبار سهواً، ولكنَّه اختار القول بالبطلان.

وبالمقابل: ذهب كثير من الأعلام من المتقدّمين والمتأخِّرين إلى عدم الاختصاص بالعمد.

وفي المدارك: (أما لو وقع سهواً، فإن كان يسيراً، لا يبلغ حدّ اليمين واليسار، لم يضر، وإن بلغه وأتى بشيء من الأفعال أعاده في الوقت، وإلَّا فلا إعادة).

أقول: عندنا أيضاً ستّ صور:

الأُولى: ما لوِ التفت بالوجه خاصَّة إلى ما بين اليمين والشِّمال، وهي واضحة، بل الصِّحّة فيها أَولى من المسألة السَّابقة.

الثانية: ما لوِ التفت بالبدن سهواً إلى ما بين اليمين والشمال، وهي أيضاً صحيحة، كما ذكرنا في مبحث القبلة، في درس الخامس والثلاثين.

وذلك لصحيحة معاوية بن عمَّار (أنَّه سأل الصَّادق (عليه السَّلام) عن الرَّجل يقوم في الصَّلاة، ثمَّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنَّه قدِ انحرف يميناً أو شمالاً، فقال له: قد مضت، وما بين المشرق والمغرب قبلة)([1] ).

وموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال في رجل صلَّى على غير القبلة، فيعلم -وهو في الصَّلاة - قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال: إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فَلْيحوِّل وجهه إلى القبلة ساعةَ يعلم، وإن كان متوجِّهاً إلى دُبُر القبلة فَلْيقطع الصَّلاة، ثمَّ يحوِّل وجهه إلى القبلة، ثمَّ يفتتح الصَّلاة)([2] )، فراجع ما ذكرناه في كيفيَّة الاستدلال بها.

وأمَّا باقي الصور الأربع، فقدِ استدل للقول بالبطلان بإطلاق ما دلَّ على قاطعيَّة الالتفات، فإنَّه يشمل العامد والسَّاهي .

قال المصنف (قدس سره) في الذكرى : (ويجوز أن يستدلّ على بطلان الصَّلاة بالاستدبار مطلقاً بما رواه زرارة عن الباقر (عليه السَّلام)، قال: قال: الالتفات يقطع الصَّلاة إذا كان بكله؛ فإنَّه يشمل العامد والناسي، إلَّا أن يعارَض بحديث الرَّفع عن الناسي، فيجمع بينهما، بحمله على العامد).

________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo