< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(5)

أقول: ما ذكره الشَّهيد الثاني (قدِّس سره) في الرَّوضة، وكذا في المسالك، في تفسير عبارة المحقِّق (قدِّس سره) من كونه بكلِّه، إن أُريد به كلّه حقيقةً، بحيث يتحقّق معه صدق اسم الاستدبار فهو ممتنع في الوجه ، ولا أقل أنَّه بعيد جدًّا.

والظَّاهر أنَّ المقصود صرف وجهه إلى ما ورائه، بتحريف أعالي جسده، على وجه يتمكّن معه من التوجّه إلى خلفه.

ومهما يكن، فالصُّور المتصوّرة في المقام كثيرة، والمهمّ منها اثنتا عشرة صورة، لأنَّ الالتفات إمَّا أن يكون عمداً أو سهواً، وعلى كلٍّ منهما إمَّا أن يقع بالبدن كلاًّ ، أو بالوجه خاصّةً، وعلى كلٍّ منهما فإمَّا إلى الخلف، أو إلى محض اليمين واليسار، أو إلى ما بينهما.

وقبل الشُّروع في تفاصيل هذه الصّور فنقول: إنَّ الرِّوايات الواردة في المقام مختلفة:

منها: ما دلَّ على أنَّ الالتفات مطلقاً موجب للبطلان، كصحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: سألته عن الرَّجل يلتفت في صلاته، قال: لا، ولا ينقض أصابعه)([1] ).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (أنَّه قال له: استقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإنَّ الله -عزَّوجل- يقول لنبيه في الفريضة: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...)([2] ).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إنَّ تكلَّمت، أو صرفت وجهك عن القبلة، فأعد الصَّلاة)([3] )، ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (قدِّس سره) إلى أبي بصير عليِّ بن أبي حمزة البطائني، وهو ضعيف.

ومنها: ما دلَّ على عدم بطلان الصَّلاة بالالتفات مطلقاً، كصحيحة عبد الملك (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الالتفات في الصَّلاة أيقطع الصَّلاة؟ فقال: لا، وما أحبّ أن يفعل)([4] ).

ومنها: ما دلَّ على بطلان الصَّلاة إذا كان فاحشاً، كحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) -في حديث - (قال: قال : إذا التفتَ في صلاةٍ مكتوبةٍ من غير فراغ فأعد الصَّلاة، إذا كان الالتفات فاحشاً، وإن كنت قد تشهدت فلا تُعِد)([5] ).

ورواية الخِصال بإسناده عن عليٍّ (عليه السَّلام) -في حيدث الأربعمائة - (قال: الالتفات الفاحش يقطع الصَّلاة، وينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ بالصَّلاة بالأذان والإقامة والتكبير)([6] )، وهي ضعيفة بالقاسم بن يحيى، وجدِّه الحسن بن راشد، فإنَّهما غير موثَّقين.

ومنها: ما دلّ على بطلان الصَّلاة إذا كان الالتفات بكلِّه -أي كلّ البدن- كصحيحة زرارة (أنَّه سمع أبا جعفر (عليه السَّلام) يقول: الالتفات يقطع الصَّلاة إذا كان بكله)([7] ).

ومنها: ما يدلّ على البطلان إذا كان الالتفات إلى خلفه، كما في رواية ابن إدريس (قدِّس سره) في آخر السَّرائر، نقلاً من كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرِّضا (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن الرَّجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة، والتفتَ إلى خلفه، فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلَّى، ولا يعتد به، وإن كانت نافلةً لا يقطع ذلك صلاته، ولكن لا يعود)([8] )، وهي ضعيفة بالإرسال، لعدم ذكر ابن إدريس (قدِّس سره) طريقه إلى جامع البزنطي.

ورواها الحميري أيضاً في قرب الإسناد([9] ) عن عبد الله بن الحسن، عن جدٍّه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام)، ولكنه أيضاً ضعيف بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

وفي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن الرَّجل يكون في صلاته، يظنّ أنَّ ثوبه قد انخرق، أو أصابه شيء، هل يصلح له أن ينظر فيه، أو يمسه؟ قال: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخّره فلا يلتفت فإنَّه لا يصلح)([10] ).

إذا عرفت ذلك، فأقول: أمَّا صحيحة عبد الملك الدَّالة على عدم بطلان الصَّلاة بالالتفات مطلقاً، فلابدَّ من التصرُّف في دلالتها، بحملها على الالتفات غير الفاحش، ونحو ذلك .

وأمَّا رواية السَّرائر، وكذا رواية عليّ بن جعفر في قرب الإسناد، الدَّلاتان على البطلان مع الالتفات إلى الخلف، فأيضاً لا تصلحان للاستدلال، لضعفهما سنداً، كما تقدَّم.

وأمَّا صحيحة عليّ بن جعفر -التي ذكرناها أخيراً- فلا تدلّ على أنَّ الالتفات كان إلى الخلف، إذ الغالب عدم توقّف الفحص والتفتيش عن حال مؤخَّر ثوبه على الالتفات المنافي للاستقبال، إذ الغالب أنَّ النَّظر فيه يحصل بصرف مؤخَّر ثوبه إلى طرفه الذي يمكنه النظر إليه، لا بصرف وجهه إلى مؤخَّره، على وجه يخرجه عن حال الاستقبال.

ومن هنا يقوى في النَّظر إرادة الكراهة من النَّهي، لاسيَّما وأنَّه لا يصلح ظاهره في الكراهة.

وعليه، فيبقى عندنا الرِّوايات الدَّالة على البطلان بالالتفات مطلقاً، وحسنة الحلبي الدَّالة على البطلان إذا كان الالفتات فاحشاً.

وصحيحة زرارة الدَّالة على البطلان إذا كان الالتفات بكلِّه، أيّ كلّ البدن.

وأمَّا احتمال رجوع الضمير (بكله) إلى الالتفات لا إلى البدن، بمعنى أنَّ الالتفات يقطع الصَّلاة إذا كان بكلّ الالتفات، أي الالتفات الفاحش، فهو خلاف الظّاهر جدًّا.

وأمَّا القول بأنَّه كيف يعود الضمير (بكلِّه) إلى البدن، أو المصلِّي، مع أنَّه لم يسبق له ذكر في الصحيحة؟

فجوابه: أنَّ سياق الكلام يدلّ عليه، كما في قوله تعالى : { فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ...}، فإنَّ الضمير في (ما ترك) يعود إلى الميّت أو الموصِي، مع أنَّه لم يسبق له ذكر، وإنّما سياق الكلام يدلّ عليه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo