< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(1)

قال الماتن الشَّهيد الأوَّل (قدِّس سرُّه): (تجب صلاة الجمعة ركعتين بدلاً من الظُّهر، بشرط الإمام أو نائبه)

قبل الشُّروع في الاستدلال نقول: وردت روايات كثيرة متواترة جدّاً في فضل يوم الجمعة وليلته:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال -في حديث- إنَّ الله اختار من كلِّ شيء شيئاً، فاختار من الأيام يوم الجمعة)(1).

ومنها: موثَّقة أبي بصير (قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) يقول: ما طلعت الشَّمس بيوم أفضل من يوم الجمعة)(2)، والرِّواية موثَّقة، لأنَّ الحسين بن المختار القلانسي الوارد في السَّند وثَّقه الشَّيخ المفيد (رحمه الله)، وعليّ بن حسن بن فضَّال.

ومنها: رواية البزنطي عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السَّلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ يوم الجمعة سيِّد الأيام، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السَّيئات، ويرفع فيه الدَّرجات، ويستجيب فيه الدَّعوات، وتُكشَف فيه الكُربات، وتُقضَ فيه الحوائج العِظام، وهو يوم المزيد لله فيه عتقاً وطلقاً من النَّار، ما دعا به أحد من النَّاس، وعرف حقَّه وحرمته، إلَّا كان حقّاً لله عزَّوجل أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النَّار، فإنَّ مات في يومه أو ليلته مات شهيداً، وبُعث آمناً، وما استخفّ أحد بحرمته وشيّع حقّه إلَّا كان حقّاً على الله عزَّوجل أن يصليه نار جنَّهم، إلَّا أن يتوب)(3)، وهي ضعيفة بسهل بن زياد، وروها الشَّيخ (رحمه الله) في التهذيب عن الكليني بنفس هذا السَّند.

ورواها في المصباح عن البزنطي، ولم يذكر أنَّه رواها عنه من جامعه أو من نوادره، وطريقه إلى جامعه صحيح، وإلى نوارده ضعيف، وبما أنَّه لم يُعلم من أين رواها، فيُحكم على الرِّواية بأنَّها ضعيفة، كما أنَّ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) رواها في المُقنع مرسلاً.

ومنها: معتبرة جابر عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: سُئِل عن يوم الجمعة وليلتها، فقال: ليلتها ليلة غراء، ويومها يوم أزهر، وليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه الشَّمس أكثر معافى من النَّار منه، ومن مات يوم الجُمعة عارفاً بحقِّ هذا البيت كتب الله له براءةً من النَّار وبراءةً من عذاب القبر، ومن مات ليلة الجمعة أعتق من النَّار)(4).

ومنها: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: قال له رجل: كيف سمت الجمعة؟ قال: لأنَّ الله عزَّوجل جمع فيها خلقه لولاية محمَّد ووصيِّه في الميثاق، فسمَّاه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه)(5)، وهي ضعيفة، لاشتراك محمَّد بن موسى بين عدَّة اشخاص، أغلبهم مجهول الحال.

ومنها: مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (عليه السَّلام) وأبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: ما طلعت الشَّمس بيوم أفضل من يوم الجمعة، وإنَّ كلام الطَّير فيه إذا لقى بعضها بعضاً: سلام سلام، يوم صالح)(6)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في قول الله عزَّوجل : {وشاهد ومشهود} (قال: الشَّاهد يوم الجمعة)(7).

قال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: {وشاهد ومشهود}: (فيه أقوال: أحدها: إنَّ الشَّاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، عن ابن عباس و قتادة، وروي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السَّلام)، ورُوي ذلك عن النّبي (صلى الله عليه وآله) وسمّي يوم الجمعة شاهداً لأنَّه يشهد على كلّ عامل بما عمل فيه، وفي الحديث: ما طلعت الشَّمس على يوم، ولا غربت على يوم، أفضل منه، وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله بخير إلَّا استحباب له، ولا استعاذ من شرّ إلّا أعاذه منه،‌ ويوم عرفة مشهود يشهد النَّاس فيه موسم الحج و تشهده الملائكة؛ و ثانيها: أنَّ الشَّاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة، عن إبراهيم؛ وثالثها: أنَّ الشَّاهد محمَّد (صلى الله عليه وآله) ، والمشهود يوم القيامة، عن ابن عباس في رواية أخرى، وسعيد بن المسيب، و هو المروي عن الحسن بن علي (عليه السَّلام)- لى أن قال:- ورابعها: أنَّ الشَّاهد يوم عرفة، والمشهود يوم القيامة وعن أبي الدّرداء عن النّبي (صلى الله عليه وآله) قال: أكثروا الصَّلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنَّه يوم مشهود تشهده الملائكة، و إنَّ أحداً لا يصلِّي عليَّ إلَّا عُرِضت عليَّ صلاته حتَّى يفرغ منها، قال: فقلت: وبعد الموت؟ فقال: إنَّ الله حَّرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فنبي الله حيّ يرزق؛‌ وخامسها: إنَّ الشَّاهد الملك يشهد على بني آدم، والمشهود يوم القيامة، عن عكرمة، وتلا هاتين الآيتين‌ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَ شَهِيدٌ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}...).

وفيه: أنَّ هذا التفسير عن غير المعصوم ليس بحجَّة، والرِّوايات التي ذكرها مرسلة ضعيفة.

ومنها: رواية زيد بن عليّ عن آبائه عن فاطمة (عليها السَّلام) (قال: سمعتُ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: إنَّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله عزَّوجل فيها خيراً إلَّا أعطاه إياه، قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! أيّة ساعة هي؟ قال: إذا تدلَّى نصف عين الشَّمس للغروب، قال: فكانت فاطمة تقول لغلامها: اِصعد على الظراب، فإذا رأيت نصف عين الشَّمس قد تدلَّى للغروب فأعلمني حتَّى أدعو)(8)، وهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص.

والظراب: ما نتأ من الحجارة، والجبل المنبسط.

ومنها: صحيحة عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود (قال: قلتُ للرِّضا (عليه السَّلام): يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)! ما تقول في الحديث الذي يرويه النَّاس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أنَّه قال: إنَّ الله -تبارك وتعالى- ينزل في كلِّ ليلة جمعة إلى السَّماء الدُّنيا، فقال (عليه السَّلام): لعن الله المحرفين للكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، إنّما قال: إنَّ الله -تبارك وتعالى- ينزل ملكاً إلى السَّماء الدُّنيا كلَّ ليلة في الثُلُث الأخير، وليلة الجمعة في أوَّل الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، ويا طالب الشّر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السَّماء) (9)، والرِّواية صحيحة، لأنَّ عليّ بن الحسين السَّعدآبادي الواقع في طريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسني، وإن لم يوثَّق بالخصوص، إلَّا أنَّه من مشايخ ابن قُولُوَيْه المباشرين، ومشايخه المباشرين ثقات، كما عرفت.

ومنها: صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: قال: السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والأثنين لأعدائنا، والثلاثاء لبني أميّة، والأربعاء يوم شرب الدَّواء، والخميس تقضى فيه الحوائج، والجمعة للتنظيف والتطيّب، وهو عيد للمسلمين، وهو أفضل من الفطر والأضحى، ويوم غدير خم أفضل الأعياد، وهو الثامن عشر من ذي الحجة، ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة، وتقوم القيامة يوم الجمعة، وما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصَّلاة على محمد وآله)(10).

وقد ذكرنا سابقاً أنَّ قول ابن أبي عمير: (عن غير واحد) لا يضرّ في المقام، لأننا نطمئنّ بوجود الثقة في واحد منهم على الأقل، والله العالم، إلى غير ذلك ممَّا ورد في هذا اليوم وليلته في فضله وشرحه.

_________________________

(1و2و3و4و5و6و7) الوسائل باب21 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1و2و4و6و7و8و10.

(8) الوسائل باب41 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح5.

(9) الوسائل باب44 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1.

(10) الوسائل باب40 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح18.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo