< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سَجْدةُ التِّلَاْوَةِ(4)

*الأمر الخامس:* المعروف بين الأعلام أنَّ محلّ السُّجود إنَّما هو بعد الفراغ من آية السَّجدة، وفي الحدائق: *(ظاهرهم الاتِّفاق عليه...)،* وفي مفتاح الكرامة: *(صرَّح جمهور علمائنا بأنَّ مواضع السُّجود في الأربع آخر الآية...).*

وعن المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر: *(أنَّ موضعها في حم السَّجدة عند قوله تعالى: ﴿{واسجدوا لله }﴾، حاكياً له عن الشَّيخ في الخلاف).*

وأنكر بعض الأعلام هذه النسبة إلى الشَّيخ (رحمه الله)، بل ظاهر الشَّيخ (رحمه الله) في الخِلاف -كباقي الأعلام- هو أنَّ محلَّ السُّجود بعد الفراغ من الآية.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: *(موضع السُّجود عند التلفُّظ به في جميع الآيات، والفراغ من الآية فعلى هذا يسجد في (فصِّلت) عند ﴿{تعبدون}﴾، وهو الذي ذَكَره في الخِلاف والمبسوط، واحتجّ عليه بالإجماع، وقال: قضيَّة الأمر الفور، ونقل في المعتبر عن الخلاف أنَّه عند قوله تعالى: ﴿{واسجدوا لله}﴾، واختاره مذهباً، وليس كلام الشَّيخ صريحاً فيه، ولا ظاهر، بل ظاهره ما قلناه، لأنَّه ذكر في أوَّل المسألة إن موضع السُّجود في حم عند قوله: ﴿{واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}﴾، ثمَّ قال: وأيضاً قوله: ﴿{واسجدوا لله الذي خلقهن }﴾ أمر، والأمر يقتضي الفور عندنا، وذلك يقتضي السُّجود عقيب الآية، ومن المعلوم أنَّ آخر الآية ﴿{تعبدون}﴾، ولأنَّ تخلّل السُّجود في أثناء الآية يؤدِّي إلى الوقوف على المشروط دون الشَّرط، وإلى ابتداء القارئ بقوله: ﴿{إن كنتم إياه تعبدون}﴾، وهو مستهجن عند القراء، ولأنَّه لا خلاف فيه بين المسلمين، إنَّما الخلاف في تأثير السُّجود إلى ﴿{يسأمون}﴾، فإنَّ ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون إليه، والأوَّل هو المشهور عند الباقين؛ فإذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به؛ فإنِ احتجّ بالفور قلنا: هذا القدر لا يخلّ بالفور، وإلَّا لزم وجوب السُّجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر، وحذف ما بعده من اللفظ، ولم يقل به أحد)* انتهى كلامه رفع مقامه.

*أقول:* ما ذكره الأعلام من أنَّ محل السُّجود هو آخر آية السَّجدة، بدليل عدم الخلاف فيه بين المسلمين، هو في غاية الصحّة والمتانة.

*ويؤيِّده:* بعض الرِّوايات:

*منها:* رواية سماعة *(قال: مَنْ قرأ ﴿{اقرأ باسم ربك}﴾، ﴿فإذا ختمها فَلْيسجد... ﴾[1] ،* ولكنَّها مقطوعة، وليست مسندةً إلى الإمام (عليه السَّلام)، وليست بمضمرة حتَّى يقال: إنَّ مضمرات سماعة مقبولة، إذ يحتمل أن يكون فاعل (قال) هو سماعة، ويكون ذلك فتوًى له، لأنَّه من العلماء.

*وبالجملة،* فالرِّواية ضعيفة سنداً، فالتعبير عنها بالموثَّقة في غير محلِّه.

*ومنها:* مرسلة مجمع البيان *(عن أئمتنا (عليهم السَّلام) أنَّ السُّجود في سورة (فصِّلت) عند قوله: ﴿{إن كنتم إياه تعبدون}﴾[2] ،* وهي ضعيفة بالإرسال.

ثمَّ إنَّه لو شككنا في وجوب السُّجود بعد الانتهاء من اللفظة المتضمنة للسَّجدة وقبل تمام الآية، فالأصل هو البراءة.

وأمَّا الاستدلال للسُّجود قبل إتمام الآية بأنَّ قوله تعالى: ﴿{واسجدوا لله}﴾ هو أمر، والأمر يقتضي الفوريَّة.

*ففيه أوَّلاً:* أنَّ الأمر في الآية الشَّريفة إنِ اقتضى وجود السُّجود فمعناه يجب السُّجود، سواء قرأ الآية أم لم يقرأها، كما هو الحال في سائر الأحكام التي اشتملت عليها الآيات الشَّريفة من الصَّلاة والصُّوم والزَّكاة، ونحوها.

وهذا ممَّا لا يمكن الالتزام به، أو المراد الوجوب عند التلاوة والقراءة، أو الاستماع.

*وثانياً:* -مع قطع النظر عمَّا ذكرنا-: أنَّ الأمر لا يقتضي الفوريَّة، كما ذكرنا في علم الأصول.

نعم، استفدنا الفوريَّة في وجوب سجود التلاوة من قرينة خارجيَّة، سيأتي التنبيه عليها -إن شاء الله تعالى قريباً-.

*وثالثاً:* لو سلّمنا ذلك إلَّا أنَّ المراد الفوريَّة العرفيَّة لا الدقة العقليَّة، والسُّجود عن انتهاء الآية الشريفة لا يخلّ بالفوريَّة.

نعم، استفدنا الفوريَّة في وجوب سجود التلاوة من قرينة خارجيَّة سيأتي التنبيه عليها -إن شاء الله تعالى قريباً-.

وأمَّا ما استُدلّ به صاحب الحدائق (رحمه الله) على كون السُّجود قبل انتهاء الآية الشَّريفة بقوله: *(ولا يخفى أنَّ ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السُّجود عند ذكر السَّجدة، لتعليق السُّجود في جملة منها على سماع السَّجدة، أو قرائتها، أو استماعها، والمتبادر منها هو لفظ السَّجدة؛ والحملُ على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات، بأنْ يراد سماع آية السَّجدة إلى آخرها، إلَّا أنَّ ظاهر الأصحاب الاتِّفاق على أنَّ محلّ السُّجود عند تمام الآية، كما عرفت، وإليه يشير قول شيخنا الشَّهيد في آخر عبارته: وإلَّا لزم وجوب السُّجود إلى قوله، ولم يقل به أحد؛ وبالجملة، فإنَّي لا أعرف لإطلاق الأخبار المذكورة مخصِّصاً، سوى ما يدّعى من الاتفاق في المقام...).*

*__________*

*فيرد عليه:* أنَّ ما ذكره في غير محلّه أصلاً، لعدم ورود لفظ السَّجدة بهذه الهيئة والمادَّة في شيء من العزائم حتَّى يكون المتبادر من النصوص هذه اللفظة، وإنَّما الموجود فيها سائر المشتقات، مثل (اسجدوا)، (اسجد)، ونحو ذلك.

*وبالجملة،* فليس المقصود بقراءة السَّجدة، أو سماعها، الوارديتن في النصوص التلفُّظ بلفظ السَّجدة، بل المقصود بها الإشارة إلى الآيات المعهودة التي قد يُعبَّر عنها بالعزائم وأخرى بالسَّجدة.

*وعليه،* فلا بد من ارتكاب التقدير في تلك النصوص، بأن يراد قراءة آية السَّجدة أو سماعها.

ومن هنا يتضح أنَّ الموجب للسجود هو نفس الآية الشريفة لا أبعاضها وإنِ اشتمل البعض على الأمر بالسجود.

*ولذا قلنا سابقاً:* إنَّ مقتضى الأصل عدم سببيَّة البعض للسُّجود، والأصل براءة الذمَّة عن التكليف به، والله العالم بحقائق أحكامه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo