< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سَجْدةُ التِّلَاْوَةِ(3)

> أدلة استحباب السجود للسامع/ الدَّليل الثاني.

الثاني: صحيحة عبد الله بن سنان (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجل سمع السَّجدة تُقرأ، قال: لا يسجد، إلَّا أن يكون منصتاً لقرائته، مستمعاً لها، أو يصلِّي بصلاته، فأمَّا أن يكون يصلِّي في ناحيةٍ، وأنت تصلِّي في ناحية أخرى، فلا تسجد لما سمعت)([1] ).

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى -بعد ذِكْره لهذه الرِّواية-: وطريق الرِّواية التي ذكرها الشَّيخ فيه محمَّد بن عيسى بن يونس، مع أنَّها تتضمن وجوب السَّجدة إذا صلَّى بصلاة التالي لها، وهو غير مستقيم عندنا، إذ لا تقرأ في الفريضة عزيمة على الأصحّ، ولا تجوز القدوة في النافلة غالباً؛ وقد نقل ابن بابويه -رحمه الله- عن ابن الوليد -رحمه الله- أنَّه لا يعتمد على حديث محمَّد بن عيسى عن يونس، وروى العامَّة عدم سجود السَّامع عن ابن عباس وعثمان، ولا شكّ عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب؛ وأمَّا في غير العزائم فيستحبّ مطلقاً، ويتأكّد في حقّ التالي والمستمع).

أقول: أمَّا الإشكال من حيث السَّند فغير وارد، فإنَّ محمَّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ثقة عين، كثير الرِّواية، كما عن النجاشي، وبعد أن نقل النجاشي قول الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) عن ابن الوليد -أنَّ ما تفرَّد به محمَّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه- نقل عن الشَّيخ الصَّدوق أيضاً أنَّه قال: (ورأيتُ أصحابنا ينكرون هذا القول، ويقولون: مَنْ مثل أبي جعفر محمَّد بن عيسى)، وحكى عن أبي عمرو الكشي قول القتيبي: (كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحبّ العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه مثله، ويحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله ...).

__________

(1) الوسائل باب43 من أبواب قراءة القرآن ح4.

(2) الوسائل باب42 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح5.

(3) دعائم الإسلام: ج1/ ص215.

(4) الوسائل باب43 من أبواب قراءة القرآن ح1.

 

أقول: ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل في بحوثنا في مسائل علم الرِّجال، وما قيل في أنَّ السَّبب من استثناء ابن الوليد هو أنَّ محمَّد بن عيسى بن عبيد كان صغير السنّ عند حضوره عند يونس بن عبد الرَّحمان، وأَخْذ الرِّوايات عنه.

وكانت خلاصة البحث أنَّه لا إشكال في الأخذ بأحاديث محمَّد بن عيسى عن يونس، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهمّ.

وبالنتيجة: أنَّه لا إشكال في السَّند هنا.

وأمَّا الاستشكال فيما تضمنته -من وجوب السُّجود بصلاة التالي بها- فهو في غير محلِّه أيضاً، إذ يحتمل كون هذه الصَّحيحة من جملة الرِّوايات المجوزة لقراءة العزيمة في الفريضة، وقد ذكرنا في بحث القراءة أنَّه يجوز قراءة العزيمة في الفريضة خلافاً للمشهور، فراجع.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد الائتمام بالمخالف، كما هو الغالب في ذاك الوقت، إذ لم يكن هناك صلاة جماعة معروفة للشِّيعة، كما أنَّه يحتمل أن يكون من الشِّيعة، إلَّا أنَّه نسي وقرأ العزيمة، بناءً على حرمة قرائتها في الفريضة.

ثمَّ إنَّه لو لم نأخذ بأحد هذه الاحتمالات فغايته سقوط هذه الفقرة عن الحجيَّة، وهو غير قادح في حجية الباقي، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، وله نظائر كثيرة ، كما لا يخفى.

وقد استُشكل أيضاً بأنَّ هذه الصَّحيحة شاملة للعزيمة وغيرها، إذ لم يفرض فيها كون السَّجدة سجدة عزيمة، فتكون النسبة بينها، وبين الرِّوايات الدَّالة على الوجوب في العزيمة شاملة بإطلاقها للسَّامع والمستمع، هي العموم والخصوص من وجه، لاختصاص صحيحة ابن سنان بالسَّامع، وعمومها للعزيمة وغيرها، واختصاص الرِّوايات الدَّالة على الوجوب بالعزيمة وشمولها للسَّامع والمستمع، فيتعارضان في السَّامع للعزيمة.

وذكروا أنَّ الترجيح للرِّوايات الدَّالة على الوجوب: للشهرة الروائيَّة فيها، مع الموافقة لإجماع السَّرائر.

وفيه: ما ذكرناه، من أنَّ الشُّهرة الروائيَّة ليست من المرجِّحات، وإجماع ابن إدريس (رحمه الله) مع كونه معارَضاً بإجماع الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف قد عرفت أنَّه غير حجَّة.

وعليه، فيتساقطان في مورد الاجتماع، ونرجع إلى الأصل العملي، وهو البراءة عن الوجوب، هذا كلُّه إذا سلَّمنا بأنَّ صحيحة ابن سنان عامَّة تشمل العزيمة وغيرها، وإلَّا فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّ المراد منها خصوص العزيمة، ولو لمناسبة الحكم والموضوع.

وبناءً عليه فلا معارضة حينئذٍ، بل تكون الصَّحيحة مخصِّصة للرِّوايات الدَّالة على الوجوب.

هذا، وقد حمل صاحب الحدائق (رحمه الله) صحيحة ابن سنان على التقيَّة.

وفيه أوَّلاً: أنَّ الحمل على التقيَّة إذا لم يمكن الجمع العرفي بين الرِّوايات، وإلَّا فمع القول بأنَّ المراد من الصَّحيحة خصوص العزيمة، كما عن جماعة من الأعلام، فلا تعارض حينئذٍ حتَّى تحمل على التقيَّة.

وثانياً: مع التسليم بالتعارض ، وأنَّ الصَّحيحة ليست مختصةً بالعزيمة، بل تشمل غيرها أيضاً، إلَّا أنَّه لا معنى للحمل على التقيَّة، مع ما حكي عن أبي حنيفة وابن عمر وسعيد بن جبير ونافع وإسحاق: القول بالوجوب.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ صحيحة ابن سنان إن قلنا: إنَّها مختصَّة بالعزيمة، ولا تشمل غيرها، كما لا يبعد، فيجمع بينها وبين الأخبار الدَّالة على الوجوب الشَّاملة للسُّماع بتخصيص تلك الأخبار بصورة الاستماع، أو بحمل الأخبار الظَّاهرة في الوجوب الشَّاملة للسُّماع على الاستحباب، ولا ينافي دلالتها على الوجوب بالنسبة إلى المستمع، لأنَّ صيغة الأمر الظَّاهرة في الوجوب إذا كانت شاملةً للمستمع والسَّامع، فمع قيام القرينة على الترخيص في السَّامع تبقى ظاهرة في الوجوب بالنسبة للمستمع، لأنَّ دلالتها على الوجوب لم يكن بالوضع، ولا بالإطلاق، وإنَّما العقل ينتزع الوجوب مع عدم الترخيص، كما في مثل اغتسل للجمعة والجنابة، فمع قيام القرينة على الترخيص في ترك غُسْل الجماعة تبقى الصِّيغة ظاهرة في الوجوب بالنسبة للجنابة.

وكذلك الحال هنا، فمع قيام القرينة على الترخيص في ترك السُّجود بالنسبة للسامع تبقى ظاهرة في الوجوب بالنسبة للمستمع.

بقي في المقام شيء، وهو أنَّه إذا حملنا الرِّوايات الدَّالة على الوجوب على خصوص المستمع، ما الدَّليل حينئذٍ على استحباب السُّجود بالنسبة للسَّامع غير المنصت.

والإنصاف: أن يُقال: إنَّ الدليل حينئذٍ هو التسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً.

والنتيجة في نهاية المطاف: هو أنَّه لا يجب السُّجود على السَّامع غير المنصت، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo