< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سَجْدةُ التِّلَاْوَةِ(2)

 

وقد استدلُّوا لذلك ببعض الرِّوايات:

منها: رواية ابن مسلم المتقدِّمة([1] ) المرويَّة في مستطرفات السَّرائر، وقد عرفت أنَّها ضعفة بالإرسال.

ومنها: رواية جابر المتقدِّمة (قال: قال أبو جعفر (عليه السَّلام) محمَّد بن علي الباقر (عليه السَّلام): إنَّ أبي عليّ بن الحسين ما ذَكَر الله عزَّوجل نعمةً عليه إلَّا سجد، ولا قرأ آيةً من كتاب الله عزَّوجل فيها سجود إلَّا سجد، ولا دفع الله عنه سوء[اً] يخشاه، أو كيدَ كائدٍ، إلَّا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلَّا سجَد، ولا وفِّق لإصلاح بين اثنين إلَّا سجد، وكان أثر السُّجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السَّجاد لذلك[2] )، ولكنَّها ضعيفة بعَمْرو بن شَمِر، وببعض الأشخاص المجهولين.

ومنها: مرسلة مجمع البيان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: العزائم: ألم تنزيل، وحم السَّجدة، والنَّجم، واقرأ باسم ربِّك، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض)([3] )، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

وعليه، فلم يثبت الاستحباب بالخصوص عند كلِّ آية منها أمر بالسُّجود.

الأمر الرَّابع: قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (يجب السُّجود على القارئ والمستمع في العزائم إجماعاً، ونعني بالمستمع المنصت للاستماع، وأمَّا السَّامع بغير إنصاتٍ فنفى الوجوب عليه الشَّيخ في الخلاف...).

وفي المدارك: (أمَّا الوجوب على القارئ والمستمع فثابت بإجماع العلماء، وإنَّما الخِلاف في السَّامع بغير إنصات...).

وفي الجواهر -تعليقاً على قول المحقِّق في الشَّرائع: السُّجود واجب في العزائم الأربع على القارئ والمستمع-: (المصغي ليسمع، بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه تحصيلاً، ونقلاً مستفيضاً أو متواتراً، كالنصوص...).

أقول: هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً على الوجوب على القارئ والمستمع، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، كما أنَّ الأخبار الدَّالة على وجوبه على القارئ متواترة، وقد تقدَّم بعضها، وسيأتي إن شاء الله البعض الآخر.

وأمَّا الأخبار الدَّالة على وجوبه على المستمع فهي كثيرة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ذِكْر بعضها، وإنَّما وقع الكلام بين الأعلام في السَّامع بغير إنصاتٍ، فعن جماعة من الأعلام -منهم المحقِّق في الشرائع- أنَّه يستحبّ له السُّجود، وِفاقاً لِمَا حُكي عن الشَّيخ، بل عن الفوائد المليَّة: أنَّه مذهب الأكثر، وعن كشف الالتباس: أنَّه المشهور، بل عن الخلاف، وظاهر التذكرة: الإجماع عليه.

وقال ابن إدريس: (إنَّه يجب على السَّامع)، وذكر أنَّه إجماع الأصحاب، وبه صرّح في المسالك، وذكر بعضهم أنَّه ذهب إلى الوجوب أكثر الأصحاب، كما أنَّه يميل إليه كلام المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى.

وقد يستدلّ لِمَن ذهب إلى الوجوب بثلاثة أدلَّة:

الأوَّل: الإجماع المدَّعى من صاحب السَّرائر (رحمه الله).

وفيه -مضافاً لمعارضة بالإجماع المدعى على الاستحباب من بعض الأعلام-: ما عرفته في أكثر من مناسبة أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجَّة وإنَّما يصلح للتأييد فقط.

الدَّليل الثاني: إطلاق الأمر بالسُّجود في آيات العزائم، فإنَّه يشمل السَّامع، وسيأتي الجواب عنه.

الدَّليل الثالث: جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة، حيث ورد في الذَّيل: (عليه أن يسجد كلَّما سمعها، وعلى الذي يعلمه أيضاً أن يسجد).[4]

ومنها: موثَّقة أبي بصير المتقدِّمة أيضاً، حيث ورد في ذيلها: (والحائض تسجد إذا سمعت السَّجدة)([5] ).

ومنها: رواية أبي بصير الأخرى المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (والحائض تسجد إذا سمعت السَّجدة).

ومنها: رواية أبي بصير الأخرى المتقدّمة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: قال: إذا قُرِئ بشيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ...)([6] )، ولكنَّها ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة البطائني، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري .

ومنها: صحيحة أبي عبيدة الحذَّاء (قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الطامث تسمع السَّجدة، فقال: إن كانت من العزائم فَلْتسجد إذا سمعتها)([7] ).

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (قال: وسألتُه عن الرَّجل، يكون في صلاته، فيقرأ آخر السَّجدة، فقال: يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع، ثمَّ يقوم فيتمّ صلاته، إلَّا أن يكون في فريضة فيُومِئ برأسه إيماءً)([8] ).

ومنها: ما رواه ابن إدريس (رحمه الله) في آخر السَّرائر نقلاً من نوادر أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن سنان، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: مَنْ قرأ السَّجدة، وعنده رجل على غير وضوء، قال: يسجد)([9] )، وهي مطلقة تشمل المستمع والسَّامع، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، لأنَّ ابن إدريس (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى نوادر البزنطي.

ومنها: مرسلة دعائم الإسلام عن الباقر (عليه السَّلام) (قال: من

قرأ السَّجدة، أو سمعها، سجَد أي وقت كان...)([10] وهي ضعيفة بالإرسال.

وهذه الرِّوايات الدَّالة على وجوب السُّجود على السَّامع سيأتي الجواب عنها -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا من ذهب إلى الاستحباب فقد استُدل بدليلَيْن:

الأوَّل: الإجماع المحكي من الشَّيخ في الخلاف، والعلَّامة في التذكرة .

وفيه: ما تقدَّم من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد يصلح للتأييد فقط، مضافاً لمعارضته لإجماع ابن إدريس الحلبي (رحمه الله).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo