< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(26)

يقصد بذلك - أي صاحب الجواهر عند قوله: فهما شاذَّان معارضان بصحيح ابن مسلم- صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة الصَّريحة في جواز إسماع الردّ (قال: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السَّلام) -وهو في الصَّلاة- فقلتُ: السَّلام عليك، فقال: السَّلام عليك...)(1)، فهي معارضة لظاهر الرِّوايتين الدَّالتين على وجوب الإخفات.

وبالجملة، ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) في الجواب عن هاتين الرِّوايتين لا غبار عليه أصلاً.

وقدِ اتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّه لا فرق في وجوب الإسماع بين كون المسلِّم من وراء ستر وحائط وعدمه، وذلك لإطلاق الأدلَّة المتقدِّمة، قال العلَّامة في التذكرة: (لو ناداه من وراء ستر، أو حائط، فقال: السَّلام عليك، أو كتب وسلَّم فيه، أو أرسل رسولاً، فقال: سلِّم على فلان، فبلّغه الكتاب والرِّسالة، قال بعض الشَّافعية: يجب عليه الجواب، والوجه

أنَّه إن سمع النداء وجب الجواب، وإلَّا فلا...)، وهو جِّيد لِما عرفت فيما تقدَّم من عدم وجوب ردّ جواب الكتابة لِعدم صدق التحيَّة عليها، كما أنَّه لا تصدق التحيَّة على تبليغ السَّلام من خلال الرَّسول، لأنَّها نقل سلام.

نعم، لو قال للرَّسول: أنت نائب عني في السَّلام والتحيَّة فيجب الردّ حينئذٍ لأنَّ ذلك تحيَّة.

الأمر السَّابع: قدِ اتضح ممَّا ذكرنا في الأمر الأوَّل عدم وجوب ردّ التحيَّة إذا كانت بغير لفظ السَّلام، كقوله : صبَّحك الله بالخير، أو مسَّاك الله بالخير، ونحوهما من التحيَّات العرفيَّة، سواء أكان في الصَّلاة أم في غير حال الصَّلاة.

وذلك لقيام السِّيرة القطعيَّة على عدم وجوب الردّ لغير السَّلام من أنواع التحيَّات العرفيَّة .

وأمَّا الآية الشَّريفة {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...}، فقد تكلّمنا عنها بشكل مفصَّل في الأمر الأوَّل، فراجع.

وممَّا يؤكَّد عدم وجوب الردّ في خصوص الصَّلاة صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة (قال: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السَّلام) وهو في الصَّلاة، فقلتُ: السَّلام عليك، فقال: السَّلام عليك، فقلتُ: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمَّا انصرف، قلتُ: أيردّ السَّلام وهو في الصَّلاة؟ قال: نعم، مثل ما قيل له)([1] ).

الأمر الثامن: قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (لا يكره السَّلام على المصلِّي للأصل، ولعموم {إِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ})، ومثله قال في جامع المقاصد، وفي المدارك: (وذكر جمع من الأصحاب أنَّه لا يكره السَّلام على المصلِّي للعموم...).

وفي المقابل ذهب كثير من الأعلام إلى الكراهة، وقد يستدلّ للكراهة بروايتَيْن:

الأُولى: رواية الخِصال المتقدِّمة (لا تسلّموا على اليهود...-إلى أن قال: - ولا على المصلِّي، وذلك لأنَّ المصلِّي لا يستطيع أن يرد السَّلام...)([2] ولكنَّها ضعيفة، لِعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.

وما في الوسائل من أنَّه (مصدّق بن صدقة)، في غير محِّله،

والظَّاهر أنَّه تصحيف من النسَّاخ .

ثمَّ إنَّه يتحمَّل أن يكون التعليل بعدم استطاعته على ردّ الجواب من باب عدم سهولته عليه، لما فيه من تشويش البال، كما أنَّه يحتمل إرادة عدم الاستطاعة في تلك الأعصار لمخالفته للتقية، حيث حكي القول بالمنع عن ردّ الجواب في الصَّلاة عن العامَّة.

الثانية: موثَّقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمَّد (عليه السَّلام) (قال: كنتُ أسمع أبي يقول: إذا دخلت المسجد الحرام، والقوم يصلّون، فلا تسلِّم عليهم، وسلِّم على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله)، ثمَّ أقبِل على صلاتك، وإذا دخلت على قومٍ جلوس يتحدّثون فسلِّم عليهم)([3] )، ودلالتها تامَّة.

ويؤيِّد الكراهة أيضاً: حصول الاضطراب للمصلِّي حين يريد الردّ، وأنَّه كيف يردّ على المسلِّم، وربّما يقع في شكّ في أنَّه سلَّم بحيث يجب الجواب، أو لا؟

ثمَّ إنه قد يعارض موثَّقة الحسين بن علوان ما رواه المصنِّف في الذِّكرى (قال: روى البزنطي عن الباقر (عليه السَّلام): قال: إذا دخلت المسجد، والنَّاس يصلّون، فسلِّم عليهم، وإذا سلَّم عليك فاردد، فإنّي أفعل، وإنَّ عمَّار بن ياسر مرَّ على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو يصلِّي، فقال : السَّلام عليك- يا رسول الله!- ورحمة الله وبركاته، فردّ عليه ‌السَّلام)([4] ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، لأنَّ المصنِّف (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى البزنطي.

والخلاصة: أنَّ موثَّقة الحسين بن علوان لا معارض لها فيتعيَّن العمل عليها، ظاهر النَّهي وإن كان هو الحرمة إلَّا أنَّه يحمل على الكراهة، للتسالم بين الأعلام على جواز السَّلام على المصلِّي، مضافاً لإطلاق أدلَّة التسليم وخصوص صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة (دخلتُ على أبي جعفر (عليه السَّلام) وهو في الصَّلاة، فقلت: السَّلام عليك،

فقال: السَّلام عليك، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت)([5] ولو كان التسليم على المصلِّي محرَّماً لنهاه الإمام (عليه السَّلام) عنه، مع أنَّه (عليه السَّلام) أمره عليه، والله العالم.

الأمر التاسع: المعروف بين الأعلام أنَّ رد السَّلام واجب كفائيّ، وفي الجواهر : (ثمَّ المعلوم بلا خلاف أجده، كما اعترف به في الحدائق نصّاً وفتوًى، بل في التذكرة الإجماع عليه كفائيَّة وجوب الردّ، لا عينيّته، وعليه السِّيرة القاطعة بمعنى أنَّه يجزِئ الردّ من واحد ممَّن هو داخل في السَّلا ، لا أنَّه يجزئ غيره...).

وفي الحدائق: (لا خلاف في أنَّ الردّ واجب كفايةً لا عيناً، وكذا استحباب الابتداء به كفايةً لا عيناً، ونقل في التذكرة عليه الإجماع...).

أقول: تدلّ على الحكمين معاً موثَّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم)([6] ).

ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا مرَّتِ الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلِّم واحد منهم، وإذا سلَّم على القوم -وهم جماعة- أجزأهم أن يردَّ واحد منهم)([7] ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبسهل بن زياد.

ويدلّ على الحكم الثاني -أي إنَّ استحباب الابتداء كفائيّ- صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجّاج عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا سلَّم الرَّجل من الجماعة أجزأ عنهم)(8[8] ).

ثمَّ إنَّه يظهر من التعبير بالإجزاء أنَّ الاكتفاء بفعل الواحد في المقامين رخصة فيستحبّ للباقين أيضاً السَّلام أو الجواب، كما يقتضيه الحثّ على السَّلام وردّه.

فالمراد بكون استحبابه كفائيّاً كفاية فعل الواحد لإقامة السنَّة لا سقوطه رأساً، وإلَّا كان منافياً لِما دلّ على الحثّ على السَّلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo