< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(25)

الأمر الرَّابع: لو عصى ولم يردّ الجواب، واشتغل بالصَّلاة قبل فوات وقت الردّ، فالمعروف عن جماعة من الأعلام هو بطلان الصَّلاة.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (وبالغ بعض الأصحاب في ذلك، فقال: تبطل الصَّلاة لوِ اشتغل بالأذكار ولمَّا يردّ السَّلام، وهو من مشرب اجتماع الأمر والنَّهي في الصَّلاة، كما سبق، والأصحّ عدم الإبطال بترك ردّه).

وما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من عدم البطلان هو الصَّحيح، لما ذكرناه في محلِّه من أنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ.

وأمَّا ما قيل: من أنَّ الصَّلاة هنا تبطل ولو لم نقل بأنَّ الأمر بالشَّيء يقتضي النَّهي عن ضدّه، وذلك لعدم الأمر بالضّدّ، كما عن الشَّيخ البهائي (رحمه الله)، ويكفي في بطلان العبادة عدم الأمر بها، وقد أجبنا عن هذا الكلام بالتفصيل في علم الأصول، وصحّحنا وجود الأمر بالترتّب، فراجع.

الأمر الخامس: ذكر جماعة من الأعلام أنَّ ردّ السَّلام فوريّ، بل عن مصابيح الظَّلام: (الظَّاهر اتّفاق الأصحاب عليه...).

أقول: لا فرق في ذلك بين الصَّلاة وغيرها، والظَّاهر أنَّ المسألة متسالم عليها، إذ لا يوجد مخالف.

ثمَّ إنَّ وجه الفوريَّة هو أنَّ ظاهر الأدلَّة منزّلة على المرتكزات العرفيَّة، فإنَّ جواب التحيَّة عندهم له وقت معيّن، إذ التَّوالي معتبر في تحقّق مفهوم ردّ السَّلام، فلو تركه إلى أن مضى زمان يعتدّ به مقدّمات محلّه، فلو كان في الصَّلاة لم يجز له الردّ حينئذٍ لأنَّه ليس ردّاً للسَّلام الواجب، بل يدخل في ضمن كلام الآدميين.

وعليه، فما عن مجمع البرهان من أنَّه (لو كان حاضراً، وجب عليه الردّ دائماً ، ولو غاب وذهب يجب عليه الذَّهاب ، حتَّى يردّ عليه...)، في غير محلّه أصلاً، إذ الردّ ليس من الواجبات التي تبقى في ذمَّة المكلّف بعد تقصيره في الأداء، فلا يجب الردّ في الزَّمن الثاني والثالث، وهكذا، وذلك للسِّيرة القطعية، والله العالم.

الأمر السَّادس: قال صاحب المدارك : (وهل يجب على المجيب إسماع المسلِّم تحقيقاً أو تقديراً، قيل: نعم، لعدم صدق التحيَّة عرفاً، ولا الردّ بدونه، وقيل: لا، وهو ظاهر اختيار المصنِّف في المعتبر، وقوَّاه شيخنا المعاصر...).

وفي الحدائق: (قد صرَّح جمع من الأصحاب (رحمهم الله) بوجوب الإسماع تحقيقاً أو تقديراً، قال في الذَّخيرة: ولم أجد أحداً صرّح بخلافه في غير حال الصَّلاة...).

وفي الجواهر: (والظَّاهر وجوب إسماع الردّ في الصَّلاة كغير الصَّلاة، الذي لا أجد فيه خلافاً، إلَّا من المقدَّس الأردبيلي، ولا ريب في ضعفه...).

أقول: ما ذكره الأعلام من وجوب إسماع الردّ تحقيقاً أو تقديراً -بحيث لو كان المسلِّم أصمّ، أو بعيداً يكفي الجواب على النحو المتعارف، بأن يسمعه لو لم يكن أصمّ أو بعيداً- هو الصَّحيح، وذلك لعدم صدق الردّ عرفاً بدونه، بل لا تصدق التحيَّة أيضاً بدون الإسماع، فكما يعتبر في مفهوم الردّ الإسماع كذلك يعتبر في السَّلام والتحيَّة، ولا أقلّ من انصراف الأدلَّة إلى ذلك.

وأمَّا الاستدلال لوجوب الإسماع بالأخبار ففي غير محلِّه لضعفها سنداً، بل دلالةً أيضاً، وفي الواقع هما روايتان لا أكثر:

الأُولى: رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن معنى التسليم في الصَّلاة، فقال: التسليم علامة الأمن وتحليل الصَّلاة، قلت: وكيف ذلك -جعلت فداك!- ؟ قال: كان النَّاس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أَمِنوا شرّه، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِن شرَّهم، وإن لم يسلّم لم يأمنوه، وإن لم يؤدُّوا على المسلِّم لم يأمنهم، وذلك خُلُق في العرب...)([1] وهي ضعيفة بجملة من المجاهيل.

كما أنَّ التعليل فيها قرينة على إرادة الآداب، فلا تدلّ على وجوب الردّ فضلاً عن وجوب الإسماع.

الثانية: رواية ابن القدَّاح عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا سلَّم أحدكم فليُجهِر بسلامه، ولا يقول: سلَّمت، فلم يردُّوا عليّ، ولعلَّه يكون قد سلَّم ولم يسمعهم، فإذا ردّ أحدكم فَلْيُجهِر بردّه، ولا يقول المسلِّم: سلّمت فلم يردّوا عليّ...)([2] وهي ضعيفة بسهل بن زياد.

وتكملة الرِّواية هكذا: (كان عليٌّ يقول: لا تغضبوا، ولا تغضوا، أفشوا السَّلام، وأطيبوا الكلام، وصلُّوا بالليل والنَّاس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام، ثمَّ تلا قوله تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ})، ولعلَّه هذا الذَّيْل يجعلها ظاهرةً في الآداب والمستحبَّات.

ثمَّ إنَّك قد عرفت أنَّه يجب إسماع الردّ في الصَّلاة وغيرها، ولكن يظهر من صحيحة منصور بن حازم المتقدِّمة (أنَّه يردّ خفياً)([3] وموثَّقة عمَّار (إذا سلّم عليك رجل من المسلمين -وأنت في الصَّلاة- فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك، ولا ترفع صوتك)([4] وجوب الإخفات.

وأحسن ما قيل في الجواب عنهما هو ما ذكره صاحب الجواهر(رحمه الله)، حيث قال: (‌ولم أجد من عمل بهما من أصحابنا إلَّا المصِّنف في المعتبر، حيث حملهما على الجواز؛ وفيه -مع أنَّه ليس عملاً بهما-: أنَّه مخالِف للمنساق إلى الذِّهن من غيرهما من النصوص والفتاوى، والأَولى حملهما على الجهر المنهيّ عنه في الصَّلاة، وهو المبالغة في رفع الصَّوت، ضرورة الاكتفاء بالإسماع تحقيقاً أو تقديراً إذا فرض المانع، أو على التقيَّة، لأنَّ المشهور بين العامَّة عدم الردّ نطقاً، بل بالإشارة -إلى أن قال:- فلا ريب في اقتضاء صناعة الفِقه طرح الخبرَيْن المزبورَيْن، أو حملهما على ما عرفت في مقابلة ما سمعت، خصوصاً ولم يعمل بظاهرهما أحد حتّى المصِّنف، لأنَّه قال بالجواز لا الوجوب، كما هو ظاهرهما، فهما شاذَّان معارضان بصحيح ابن مسلم، وغيره من النصوص...).

__________

(1) سنن أبي داود ج2/ ص644.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo