< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(24)

الجمع بين الأخبار.

إذا عرفت هذا فنقول: إنَّ الأخبار متنافية، حيث إنَّ ظاهر صحيحة محمَّد بن مسلم ، وصحيحة منصور بن حازم اعتبار المماثلة مطلقاً حتَّى في التعريف والتنكير والإفراد والجمع.

وظاهر بعضها -كرواية البزنطي المرويَّة في الذِّكرى- جواز الردّ في الصَّلاة مطلقاً من غير اشتراطه بشيء.

ولكنَّها لِضعفها بالإرسال لا تصلح للمعارضة؛ مضافاً إلى أنَّ إطلاقها يقيَّد بالأخبار المقيّدة بكون الردّ بصيغة خاصَّة.

وظاهر موثَّقة سماعة كون الردِّ متعيّناً بصيغة (سلام عليكم) دون و(عليكم السَّلام).

وظاهر صحيحة محمَّد بن مسلم المرويَّة في السَّرائر تعيُّن الردّ بصيغة الـ (السَّلام عليك).

ومقتضى الجمع بين موثَّقة سماعة، وصحيحة محمَّد بن مسلم المرويَّة في السَّرائر، حَمْل الصِّيغتين الواردتَيْن فيهما على مجرد التمثيل، كما يشهد بذلك سوقهما، فالمقصود إيجاب الردّ بصيغة السَّلام احترازاً عن تقديم الظَّرف المتعارف في الجواب -حيث إنَّ المتعارف في الجواب في غير الصَّلاة بـ (وعليكم السَّلام)- فلا معارضة بينهما.

وعليه، فينحصر التنافي بين صحيحة محمَّد بن مسلم وصحيحة منصور بن حازم اللتين ظاهرهما اعتبار المماثلة التامَّة، وبين غيرهما، كموثَّقة سماعة، وصحيحة محمَّد بن مسلم المرويَّة في السَّرائر، الدَّالتين على اعتبار كون الردّ بصيغة السَّلام - بعد حملهما على مجرد التمثيل -.

ويمكن الجمع بينهما: إمَّا بتأويل صحيحة ابن مسلم وصحيحة منصور، وتنزيلهما على الغالب من وقوع السَّلام بالصِّيغ الأربع المتعارفة التي يقدَّم فيها السَّلام.

وحمل المِثْل على إرادة المماثلة من هذه الجهة من حيث كونه بعبارة السَّلام، لا بعبارة الجواب، أي يجب أن يكون الجواب في الصَّلاة على سياق السَّلام في كون السَّلام مقدّماً على الخبر، فلا يصحّ بصيغة (عليكم السَّلام) .

وإمَّا بتأويل موثَّقة سماعة وصحيحة محمَّد بن مسلم المرويَّة في السَّرائر بحملها على إرادة الردّ بالمثل، وتنزيل إطلاقها على ما لو وقع السَّلام بخصوص الصِّيغة الواردة فيها.

والنَّهي عن تقديم الظَّرف في الموثَّقة، لمخالفته في الغالب للصِّيغة التي وقع السَّلام بها.

لكن قد يرد على هذا التأويل أنَّه لا وجه لتخصيص (وعليكم السَّلام) بالذِّكر، إذ المخالفة كما تحصل بالتقديم والتأخير كذلك تحصل بالتعريف والتنكير والإفراد والجمع.

والإنصاف: أنَّ الأقرب هو ارتكاب التأويل في صحيحتي محمَّد بن مسلم ومنصور بن حازم بحَمْل المماثلة فيهما على إرادة المماثلة من حيث كون الجواب بعبارة السَّلام، أي تقديم السَّلام لا تقديم الظَّرف.

ولا تعتبر المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع.

وعليه، فيجوز رد السَّلام بصيغتي القرآن الكريم، أي سلام عليكم، وسلام عليك، ويجوز أيضاً بالسَّلام عليكم ، والسَّلام عليك، ولا يجوز بـ (وعليكم السَّلام)، إذا كانت التحيَّة بتقديم السَّلام وتأخير الظرف.

وأمَّا لو كانت التحيَّة بتقديم الظَّرف أي عليكم السلام، فهل يجوز الجواب بـ (عليكم السَّلام)، سيأتي الكلام عنه قريباً إن شاء الله تعالى .

بقي شيء في المقام، وهو أنَّه يحتمل أن يكون المقصود بـ (مثل ما قيل له)، أو (كما قال)، الوارد في الصّحيحتين التعريض بالعامَّة القائلين بأنَّه يجب أن يكون الردّ في الصَّلاة بالإشارة لا بالنطق، كما حكاه عنهم في محكي الانتصار، قال: (وممَّا ظنّ انفراد الإماميَّة ردّ السَّلام في الصَّلاة بالكلام، وقد وافق في ذلك سعيد بن المسيب، والحسن بالبصري، إلَّا أنَّ الشيعة تقول: يجب أن يقول المصلِّي في ردّ السَّلام مثل ما قاله المسلِّم (سلام عليكم) ، ولا بقول (وعليكم السَّلام)؛ وذهب الشَّافعي إلى أنَّ المصلِّي يرد بالسَّلام بالإشارة، دون الكلام؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنْ ردّ السَّلام بكلام فسدت صلاته، وبالإشارة أساء؛ وقال الثوري : لا يرد السَّلام حتَّى يفرغ من الصَّلاة، والحجّة لنا إجماع الطائفة)، فكأنه (عليه السَّلام) قال: كما وقع السُّؤال بالنطق وجب أن يكون ردّه كذلك، مع قطع النَّظر عن كون الجواب بأيّ كيفيّة.

ولكنَّك عرفت ما هو الإنصاف في المسألة، والله العالم بحقائق أحكامه.

ثمَّ إنَّه قد أشرنا إلى أنَّه لا يجوز أن يرد بـ (وعليكم السَّلام)، إذا كانت التحيَّة بالسَّلام، مقدّماً السَّلام على الخبر، وأمَّا لو كانت التحيَّة هكذا (عليكم السَّلام)، بتقديم الخبر، فهل يجوز الردّ كذلك؟

ذهب ابن إدريس (رحمه الله) إلى جواز ذلك، لعموم الآية الشَّريفة، وتبعه جماعة من الأعلام.

وبالمقابل ذهب جماعة أخرى إلى عدم الجواز -منهم صاحب الحدائق- حيث قال: (إنَّ صيغة عليكم السَّلام ليست من صِيَغ الابتداء بالسَّلام، وإنَّما هي من صِيَغ الردّ، كما تقدَّم نقله عن العلَّامة في التذكرة، والاستناد إلى إطلاق صدق التحيَّة في الآية يجب تقييده بالأخبار ...).

أقول: مقتضى الإنصاف هو جواز الردّ بذلك لإطلاق الآية الشَّريفة، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ المراد بالتحية في قوله تعالى : {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا...}، هي لمطلق السَّلام -نعم، التحيَّات العرفيَّة مثل صبَّحك الله بالخير، ونحوها، خارجة عنها، كما عرفت- وهذا منه، فتشمله الأخبار الظاهرة في وجوب الردّ.

وأمَّا القول: بأنَّ إطلاق الآية الشَّريفة والأخبار تنزّل على ما هو المتعارف منه وهو الصِّيغ الأربع، دون غيرها ففي غير محلِّه، لأنَّ مجرد التعارف الخارجي لا يضرّ بالإطلاق، على أنَّه يمنع خروج هذه الصِّيغة عن المتعارف، لوجود التحيَّة بها خارجاً وإن كان قليلاً.

ففي موثَّقة عمَّار أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السَّلام) (عن النِّساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم؟ قال: المرأة تقول: عليكم السَّلام، والرَّجل بقول: السَّلام عليكم )([1] ).

وأمَّا ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله) من تقييد الآية الشَّريفة بالأخبار فيرد عليه أنَّ تلك الأخبار لا تصلح للتقييد؛ ومجرد اشتمال الأخبار على الصِّيغ المخصوصة فهذا لا يوجب التقييد، إذ لا تنافي بين الآية الشَّريفة والأخبار.

وأمَّا النَّهي في موثَّقة سماعة المتقدّمة فهي لا تنافي ما ذكرنا، لأنَّ موردها صورة الابتداء بـ (سلام عليكم)، فلا تشمل الصُّورة المذكورة، وهي ما لو كان الابتداء بـ (عليكم السَّلام) .

وعليه، فلم يبقَ عندنا إلَّا النَّبوي العامي (أنَّه (صلَّى الله عليه وآله) قال -لمن قال له: عليك السَّلام يا رسول الله :- لا تقل: عليك السَّلام، تحية الموتى، إذا سلمت فقل: سلام عليك، يقول الراد: عليك السَّلام).

[ وفيه -مضافًا لضعف سندها-: ما لا يخفى، من صحَّة استعماله ابتداءً، وصدق اسم التحيّة والسَّلام عليه عرفاً ولغةً.]

_________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo