< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعقيب(8)

السُّجود.

قوله: (وسجدتا الشُّكر)

[الشرح]: السُجود ثوابه عظيم، وهو خير عمل مشروع، بل هو غاية الخضوع لله سبحانه وتعالى، وأعظم شيء تواضعا لله، بل ما عُبِد الله بمثل السُّجود، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، وما من عمل أشدّ على إبليس من أنْ يرى ابن آدم ساجداً، وهو شِعار الأنبياء والأئمة (عليهم السَّلام) وسنَّة الأوابِين.

وقد ورد في رواية عامر عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ الله عزَّوجل حين هبط آدم من الجنَّة -إلى أن قال: - ثمَّ إنَّه سجد لله سجدةً، فلم يرفع رأسه ثلاثة أيام ولياليها)([1] )، وهي ضعيفة بأبي جميلة، وبالإرسال.

وفي مرسلة ابن طاووس (رحمه الله) في كتاب الملهوف على قتلى الطفوف عن عليِّ بن الحسين (عليه السَّلام) (أنَّه برز إلى الصَّحراء فتبعه مولًى له، فوجده ساجداً على حِجارة خَشِنة، وأحصى عليه ألفَ مرةٍ لا إله إلَّا الله حقًّا حقًّا، لا إله إلَّا الله تعبُّداً ورِقاً، لا إله إلَّا الله إيماناً وصِدقاً، ثمَّ رفع رأسه)([2] )، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال، وبجهالة مولًى الإمام (عليه السَّلام).

ولكون السُّجود غاية الخضوع اختصّ بالله سبحانه وتعالى وحرَّمه لغيره ، كما تقدَّم في مبحث السجود.

ثمَّ إنَّ السُّجود مشروع مطلقاً ولو لم يكن لسبب، وأنَّه كالنَفْل من الصَّلاة، وذلك لإطلاق الأدلَّة.

نعم، منه ما يستحبّ بالخصوص كسجود الشُّكر في أربعة موارد:

الأوَّل: عند تجدُّد النعمة.

الثاني: عند دفَعِ النِّقَم.

الثالث: عند تذكُّرِ النِّعمة.

الرَّابع: عقيب الصَّلاة.

ثمَّ اعلم أنَّه ليس المراد من عبارة المصنِّف (رحمه الله): (وسجدتا الشُّكر)، وكذا عبارة غيره من الأعلام، أنَّه لا يتحقق إلَّا بالسَّجدتين، بحيث تكون العبادة مركبةً منهما، وأنَّه تتوقَّف صِحَّة أولاهما على الإتيان بالثانية، بل هما من قبيل تعدُّد المطلوب، فالأُولى منهما في حدِّ ذاتها مستحبَّة، والعود إليها بعد التعفير، أو بعد رفع الرأس، مستحبّ آخر، يوجب أكمليَّة السُّجود في مقام الشكر.

ويظهر من بعض الأعلام أنَّ العود إليها بعد التعفير هو المراد بسجدتي الشُّكر، لا سجدتين مستقلتين.

والإنصاف: أنَّ عنوان سجدتي الشُّكر كما يتحقَّق بالعود إليها بعد التعفير، أيضاً يتحقَّق بالعود إليها بدون التعفير، وبعد رفع الرأس منه، على ما يظهر من الرِّوايات التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى-.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنَّه يدلّ على استحبابها عند تجدُّد النعمة -مضافاً للتسالم بين علماء المسلمين، إلَّا من شذَّ من بعض المخالفين- عدَّة من الرِّوايات المرويَّة من طرق العامَّة والخاصَّة.

فمِن طرق العامَّة: ما عن أبي بكرة (أنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا أتاه أمر يسرّه خرّ ساجداً)(3).

وعن عبد الرَّحمان بن عَوْف (قال: سجَد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأطال، فسألناه، فقال: أتاني جبرئيل، فقال: من صلَّى عليك مرَّةً صلَّى الله عليه عشراً، فخررت شكرا لله)(4)، وضعفهما من حيث السَّند واضح، لا يحتاج إلى التعليق.

وأمَّا من طرق الخاصَّة فالروايات مستفيضة:

منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قال: من سجَد سجدةَ الشُّكر لنعمةٍ، وهو متوضِّئ،كتب الله له بها عشر صلوات، ومحا عنه عشر خطايا عِظام)([3] )، وهي صحيحة، لأنَّ أحمد بن محمَّد بن يحيى العطَّار الواقع في السَّند، والذي هو شيخ الصَّدوق (رحمه الله)، وإن لم يوثّق بالخصوص، إلَّا أنَّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته .

ومنها: صحيحة ذريح (قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): أيُّما مؤمن سجَد سجدةَ الشُّكر نعمةً، في غير صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات في الجنان)([4] ).

ومنها: موثَّقة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في سفر يسير على ناقة له، إذ نزل فسجد سجدات، فلمَّا ركب، قالوا: يا رسول الله ! إنَّا رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه، فقال: نعم، استقبلني جبرئيل، فبشرني ببشارات من الله عزَّوجل، فسجدت شكرا لله، لكلِّ بشرى سجدةً)([5] )، وكذا غيرها من الروايات الكثيرة.

وأمَّا استحباب سجدة الشُّكر لدفع النقم: فقد استُدل له برواية جابر (قال: قال أبو جعفر (عليه السَّلام) محمَّد بن علي الباقر (عليه السَّلام): (إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ مَا ذَكَرَ لله عَزَّ وَجَلَّ نِعْمَةً عَلَيْهِ إِلَّا سَجَدَ، وَلَا قَرَأَ آيَةً مِنْ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا سُجُودٌ إِلَّا سَجَدَ، وَلَا دَفَعَ اللهُ عَنْهُ سُوء[اً] يَخْشَاهُ، أَوْ كَيْدَ كَائِدٍ إِلَّا سَجَدَ، وَلَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إِلَّا سَجَدَ، وَلَا وُفِّقَ لِإِصْلَاحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا سَجَدَ ،وَكَانَ أَثَرُ السُّجُودِ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِ سُجُودِهِ، فَسُمِّيَ السَّجَّادَ لِذَلِكَ)([6] )، ولكنَّها ضعيفة بعَمْرو بن شمر، وببعض الأشخاص المجهولين.

________

(3) سنن ابن ماجة: ج1/ ص446، ح1394.

(4) سنن البيهقي: ج2،ص 370،371.

(7) الوسائل باب7 من أبواب سجدتي الشُّكر ح1.

(8) الوسائل باب7 من أبواب سجدتي الشُّكر ح8.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo