< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مستحبّات الصلاة(1)

 

قول الماتن: (ويستحبّ الدُّعاء عند إرادة الصَّلاة بالمأثور، والذَّهاب إلى المسجد بالسَّكينة والوقار، وحفظ القلب في الصَّلاة، وعِلْم ما يقول، وأنْ يُخطِر بباله أنَّها صلاة مودِّع).

[الشرح]: ذكرنا ذلك كلّه عند أوّل أفعال الصَّلاة، فراجع.

 

قول الماتن: (ويُكره الالتفات يميناً وشمالاً).

[الشرح]: قال المصنِّف (قدس سرُّه) في الذِّكرى: (يُكره الالتفات إلى اليمين والشِّمال، بحيث لا يخرج الوجه إلى حدِّ الاستدبار، وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أنَّ الالتفات بالوجه قاطع للصَّلاة، كما يقوله بعض الحنفيَّة، لمَّا رُوي عن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: لا تلتفتوا في صلاتكم فإنَّه لا صلاة لملتفت، رواه عبد الله بن سلام(1)، ويحمل على الالتفات بكلِّه، وروى زرارة عن الباقر (عليه السَّلام) الالتفات يقطع الصَّلاة إذا كان بكلِّه([1] ))، ومراده من بعض مشايخنا المعاصرين -والله العالم- هو فخر المحقّقين ابن العلّامة (قدس سرُّه).

كما أنَّ الرِّواية النبويَّة التي أشار إليها هي ضعيفة جدًّا، وليست موجودةً في مصادرنا، وإنَّما روتها العامَّة.

وأمَّا رواية زرارة التي أشار إليها فهي صحيحة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفي الحدائق: (وأمَّا الالتفات بالوجه خاصَّة ففيه صور، الأُولى الالتفات إلى محض اليمين واليسار، والمشهور بين الأصحاب جواز الالتفات على كراهية...).

وفي الجواهر: (أمَّا لوِ التفت بوجهه، مع بقاء جسده مستقبلاً يميناً وشمالاً، فالمشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً عدم البطلان به، بل قد يُشعِر نسبة الخلاف فيه إلى بعض الحنفيّة في المعتبر والتذكرة، بالإجماع عليه...).

أقول: قدِ استُدل للقول بالكراهة بعدَّةٍ من الرِّوايات:

منها: صحيحة عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن الرَّجل يكون في صلاته، فيظنّ أنَّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء ، هل يصلح له أن ينظر فيه، أو يمسَّه؟ قال: إن كان في مقدَّم ثوبه أو جانبَيْه فلا بأس، وإن كان في مؤخَّره فلا يلتفت، فإنَّه لا يصلح)([2] )، وكلمة (لا يصلح) تستعمل غالبًا في الكراهة ، إذِ الغالب عدم توقُّف الفحص والتفتيش عن حالِ مؤخَّر ثوبِه على الالتفات المنافي للاستقبال.

وعليه، فالنَّظر فيه يحصل بصرف مؤخَّر ثوبه إلى طرفه الذي يمكنه النَّظر إليه، لا بصرف وجهه إلى مؤخَّره، على وجه يخرجه عن حالة الاستقبال.

ومنها: رواية عبد الملك (قال: سألتُ أبا عبد الله عن الالتفات في الصَّلاة، أيقطع الصَّلاة؟ فقال: لا، وما أحبُّ أن يفعل)([3] )، المحمولة على الالتفات بالوجه الذي لا ينافي الاستقبال، بأن لا يكون الالتفات فاحشاً جمعاً بينها وبين الرِّوايات الآتية -إن شاء الله تعالى- في مبحث قاطعيَّة الالتفات.

ولكنَّ هذه الرواية ضعيفة، لأنَّ عبد الحميد الواقع في السَّند غير موثَّق، والتوثيق الذي ذكره النجاشي يرجع إلى الابن، وهو محمَّد لا إلى الأب، وهو عبد الحميد.

وأما عبد الملك فهو عبد الملك بن حكيم الخثعمي الثقة.

____________

(1) عمدة القارئ: ج3، ص53.

 

ومنها: رواية البزنطي صاحب الرِّضا (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن الرَّجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة والالتفات إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلَّى، ولا يعتدّ به، وإن كانت نافلةً لا يقطع ذلك صلاته، ولكن لا يعود)([4] )، ومفهومه أنَّه إذا كانت الفريضة ولم يلتفت إلى خلفه فلا يقطع صلاته.

ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ ابن إدريس (قدس سرُّه) لم يذكر طريقه إلى جامع البزنطي، فتكون الرِّواية مرسلة.

ورواها الحِميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جدِّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام)، وهي ضعيفة أيضاً بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

ومنها: رواية الخِضْر بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا قام العبد إلى الصَّلاة أقبل الله عليه بوجهه، فلا يزال مقبلاً عليه حتَّى يلتفت ثلاث مرات، فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه)([5] ).

وحملها على الالتفات بالعين أو القلب: بعيد، لا دليل عليه، إلَّا أنَّها ضعيفة، بعدم وثاقة الحكم بن مسكين، وجهالة الخِضْر بن عبد الله، ورواها البرقي في المحاسن عن الحكم بن مسكين عن الخِضْر بن عبد الله مثلها.

ومنها: رواية أبي البُختري عن جعفر عن أبيه عن عليٍّ (عليه السَّلام) ( قال: الالتفات في الصَّلاة اختلاس من الشَّيطان، فإياكم والالتفات في الصَّلاة، فإنَّ الله مُقبِل على العبد إذا قام في الصَّلاة، فإذا التفت قال الله تبارك وتعالى: ﴿يا ابن آدم ! عمَّن تلتفتُ ثلاثة، فإذا التفت الرابعة أعرض الله عنه)([6] )،﴾ وهي مثل الرِّواية السَّابقة من حيث الاستدلال، وعدم الحمل على الالتفات بالعين أو القلب، ولكنَّها أيضاً ضعيفة بأبي البختري.

ومنها: ما في المحاسن (قال: وفي رواية ابن القداح عن جعفر عن أبيه، قال: قال عليّ (عليه السَّلام) للمصلّي ثلاث خِصال: ملائكة حافِّين به من قدميه إلى عنان السَّماء، والبِرّ ينتثر عليه من رأسه إلى قدمه، ومَلِك عن يمينه وعن يساره، فإنِ التفت قال الربّ تبارك وتعالى: إلى خير منّي تلتفت يا ابن آدم، لو يعلم المصلّي من يناجي ما انفتل)([7] )، وهي مثل الرِّوايتين السَّابقتين من حيث الاستدلال، ومن حيث احتمال إرادة الالتفات بالقلب أو العين، كما أنَّها ضعيفة بالإرسال، لأنَّ البرقي لم ذكر طريقه إلى ابن القداح.

____________

قول الماتن: (والتثاؤب والتمطّي والعبث والتنُّخم والامتخاط والبُصاق وفرقعة الأصابع والتورُّك حال القيام، وهو أن يعتمد بيديه على وِرْكيه).

يدلّ على كراهة هذه الأمور وغيرها في الصَّلاة عدَّة من الأخبار:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: إذا قمتَ إلى الصَّلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنَّما لك منها ما أقبلتَ عليه، ولا تعبث فيها بيديك، ولا برأسك، ولا بلحيتك، ولا تُحدِّث نفسك، ولا تتثأب، ولا تتمطّ، ولا تكفر، فإنَّما يفعل ذلك المجوس، ولا تلثّم، ولا تحتفز وتفرِّج كما يتفرّج البعير، ولا تقع على قدميك، ولا تفترش ذراعيك، ولا تفرقع أصابعك، إنَّ ذلك كلّه نقصان من الصَّلاة، ولا تقم إلى الصَّلاة متكاسلاً ولا متناعساً ولا متثاقلاً، فإنَّها من خِلال النفاق، فإنَّ الله سبحانه نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصَّلاة وهم سكارى، يعني سكر النوم، وقال للمنافقين: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا )([8] ).

_______

= يتبع..


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo