< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(16)

بقي في المقام شيء، وهو أنَّ المعروف بين الأعلام -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- هو كراهة الانحراف في الصَّلاة، فكيف يستحبّ الانحراف حال التسليم يميناً وشمالاً؟

والجواب عنه: هو ما ذكره المصنِّف في الذِّكرى (قدس سرُّه) من تخصيص أخبار الكراهة بأخبار التسليم، فيكون التسليم مستثنى من الحكم، والله العالم.

 

قول المصنِّف (قدس سرُّه):(ويقصد المصلِّي الأنبياء والملائكة والحَفَظة والأئمة (عليهم السلام)، والمؤتمّ ينوي بالأُولى الردّ على الإمام، ويقصد بالثانية المأمومين)

الشرح: المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ للمنفرد قصد الحَفَظة والأنبياء والمرسلين والأئمة الراشدين (عليهم السَّلام)، ويستحبّ للإمام قصد المأمومين مع ذلك، ويستحبّ للمأموم قصد الإمام بإحدى التسليمتين، ومن على جانبيه من المأمومين بالثانية.

قال المصنف (قدس سرُّه) في الذكرى: (يستحبّ أن يقصد الإمام التسليم على الأنبياء والأئمة والحَفَظة والمأمومين، لذكر أولئك، وحضور هؤلاء، والصِّيغة صيغة خطاب ... ).

ومراده من (ذِكر أولئك) هو ذكرهم في التسليم المستحبّ، وهو السَّلام على أنبياء الله وملائكته المقربين...

وقال في اللمعة: (وليقصد المصلّي بصيغة الخطاب بتسليمة الأنبياء والملائكة والأئمّة (عليهم السَّلام) والمسلمين من الجنّ والإنس ...).

وقال العلَّامة (قدس سرُّه) في القواعد: (ويومئ بالسَّلام على مَنْ على ذلك الجانب من الملائكة ومسلمي الإنس والجنّ، والمأموم ينوي بإحداهما الإمام...).

وقال الشَّيخ الأنصاري: (يستحبّ أن يقصد الإمام بتسليمه الملكين، كما في عدَّة من الرِّوايات من أنَّه تحيّة الملكين، وأنَّ يقصد الأنبياء والملائكة (عليهم السَّلام)، لحديث المعراج من تسليم النّبيّ (صلى الله عليه وآله) عليهم لمَّا رآهم خلفه، وأن يضمّ إليهم الأئمة (عليهم السَّلام)...)، إلى غير ذلك من العبارات الكثيرة.

أقول: ينبغي أوَّلاً تحرير محلّ النزاع، ثمَّ نرى ما هو الإنصاف في المسألة.

اِعلم أنَّ صيغة (السَّلام عليكم) إن قصد بها المصلي السَّلام على الحَفَظة والملائكة، أو قصد بها الإمام أو المأمومين والملائكة والإنس والجن، فهل هي تحيَّة حقيقة، أم لا؟

ويظهر من بعض الأعلام أنَّها متمحّضة في التحيَّة الحقيقيَّة.

وذهب بعضهم إلى أنَّها ليست متمحِّضة في التحيَّة حقيقةً، بل تكون تحيَّةً وإيذاناً بالانصراف من الصَّلاة، ويفهم من بعضهم أنَّها كانت في الأصل تحيَّة، لا أنَّها بالفعل، إذ هي خارجة عن موضوع التحيَّة عرفاً.

والإنصاف: أنَّه لا إشكال في صِدق التحيَّة عليها عرفاً وحقيقةً إذا قصد بها الإمام أو المأموم أو الحَفَظة والملائكة والإنس والجنّ، إلَّا أنَّها ليست متمحِّضة في ذلك، لأنَّ المصلّي قاصد التسليم أيضاً الذي هو جزء من الصَّلاة، والمُؤذِن بالخروج منها.

إذا عرفت ذلك، فنقول: هل يجب على المصلِّي قصد هذا النوع-أي قصد الملائكة والحَفَظة والإنس والجنّ والإمام والمأموم- أم لا؟

وعلى فرض عدم الوجوب، فلو قصَده فهل تبطل الصَّلاة، باعتبار أنَّه منهي عن ابتداء التحيَّة في الصَّلاة؟

وعليه، فيقع الكلام في أمرين:

الأوَّل: في وجوب هذا القصد.

والثانية: في مبطليّته للصَّلاة.

أمَّا الأمر الأوَّل: فلا دليل على وجوب هذا القصد، بل أغلب المصلِّين غافلون عنه حين الإتيان بالتسليم.

وبالجملة، ما ثبت بالدَّليل هو وجوب قصد عنوان التسليم، باعتبار أنَّه جُزء من الصَّلاة، كقصد باقي الأجزاء من الرُّكوع والسُّجود، ونحوهما.

وأمَّا قصد أمر آخر، وهو عنوان التحيَّة -سواء كانت للملكين أو الإمام أو المأموم أو جميع الإنس والجنّ- فلا دليل عليه.

بل قال صاحب الجواهر -ولقد أجاد فيما أفاد- : (لا ريب في عدم وجوب استحضار نوع هذا القصد، فضلاً عن خصوصيَّات المقصود، كما صرَّح به جماعة؛ بل لعلَّه لا خلاف فيه -إلى أن قال: - للأصل، وإطلاق الأدلَّة، وعموم بعضها، والسِّيرة المستمرِّة في سائر الأعصار والأمصار من العوامّ والعلماء، التي تُشرِف الفقيه على القطع بالعدم؛ خصوصاً في مثل هذا الحكم الذي تعمّ به البلوى والبليَّة، ولا طريق للمكلَّفين إلى معرفته إلَّا بالألفاظ؛ بل هذه النصوص التي ذُكر فيها بعض ذلك ظاهرة في جهل السّائلين بالمراد به قبل التوقيف، بل التأمُّل فيها نفسها يقضي بكون ذلك من الأسرار الواقعيَّة التي لا مدخليَّة لها في التكليف...).

والخلاصة: أنَّه لا يجب قصد التحيَّة في التسليم، بل الواجب هو قصد التسليم، ويكون الغرض منه هو الإيذان بالانصراف من الصَّلاة.

وأمَّا الأمر الثاني: فقد ذهب جماعة من الأعلام -منهم صاحب الجواهر (قدس سرُّه)- إلى بطلان الصَّلاة لو قصد بالتسليم عنوان التحيَّة المتعارفة.

قال صاحب الجواهر : (بل لا يبعد البطلان لو قصد بها المتعارف من التحية مع الخروج من الصَّلاة للنهي عن ابتداء التحية في الصَّلاة، ولأصالة عدم التداخل ، ولأنه من كلام الآدميين ، ولغير ذلك).

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ قصد التحيَّة مع قصد الخروج من الصَّلاة لا يضرّ بصحَّة الصَّلاة.

وتدل عليه بعض الرِّوايات:

منها: صحيحة صباح المزني وسدير الصيرفي ومحمَّد بن نعمان الأحول وعمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) -في حديث طويل- (قال: إنَّ الله عرج نبيه (صلى الله عليه وآله) ، فأذَّن جبرائيل -إلى أن قال: - ثمَّ التفتُّ، فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبييين والمرسلين، فقال لي: يا محمَّد! سلِّم، فقلتُ: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: يا محمَّد ! إنِّي أنا السَّلام والتحيَّة والرّحمة...)[1] .

ويظهر من هذه الصَّحيحة بوضوح أنَّه قصد بالسَّلام التحيَّة.

وأمَّا القول: بأنَّه ليس من التحيَّة عرفاً، فهو مكابرة .

نعم، لا يظهر من هذه الصَّحيحة تمحّض التسليم للتحيّة.

ومنها: موثَّقة يونس بن يعقوب (قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السَّلام) صلَّيت بقومٍ صلاةً، فقعدت للتشهُّد، ثمَّ قمت ونسيت أن أسلم عليهم، فقالوا: ما سلمت علينا! فقال: ألم تسلِّم وأنت جالس؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك، وقلت: السَّلام عليكم)[2] ، وهي واضحة جدا في قصد التحيَّة، حيث قال: (استقبلتهم بوجهك، وقلت...).

____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo