< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(15)

هذا، وقد ذكر بعض الأعلام أنَّ مقتضى الجمع بين صحيحة عبد الحميد بن عوَّاض وبين الرِّوايات الأخرى هو حمل الإيماء في صحيحة عبد الحميد على الإيماء بصفحة الوجه إلى يمينه.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الجمع لا شاهد له.

بل مقتضى الجمع بينهما هو أنْ يسلِّم الإمام إلى القِبلة مومياً إلى اليمين بما لا ينافي الاستقبال، من غير تخصيص بصفحة الوجه، بل لكلّ ما صدق عليه الإيماء إلى اليمين، سواء أكان بمؤخَّر العين، أم بالعين، أم بصفحة الوجه، أم بالوجه قليل، أم بالأنف، أم بطرفه، ونحو ذلك.

هذا، وقد ذُكِرت محاولات للجمع بينهما ليست تامَّةً:

منها: أنَّه يجمع بينهما بما في رواية المفضَّل بن عمر من أنَّه يُومِئ بالعين .

ولكنَّك عرفت أنَّها ضعيفة سنداً.

ومنها: كما عن صاحب الحدائق (رحمه الله) أنَّه يجمع بينهما بالتخيير بين التوجُّه إلى القبلة، واليمين، مستشهداً له بما في الفِقه الرَّضوي، قال: (لا يبعد الجمع بين الأخبار بالتخيير كما يدلّ عليه ظاهر الخبر العاشر -المروي في الفقه الرضوي-)[1] .

وفيه: أنَّه لم يثبت كتاب الفِقه الرّضوي، بل المطمئنّ أنَّه فتاوى لابن بابويه (رحمه الله).

ومنها: أنَّه يبتدئ بالتسليم إلى القِبلة، ثمَّ يتجه إلى اليمين، حكاه صاحب الحدائق (رحمه الله) عن بعض مشايخه.

وفيه: أنَّه لا دليل عليه أصلاً.

ومنها: ما عن الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك، من أنَّه يسلم إلى القبلة ، ثمَّ يومئ إلى اليمين بعد الإكمال، قال: (وينبغي أن يكون الإيماء بالصّفحة بعد التلفّظ بالسَّلام عليكم إلى القبلة)[2] .

وفيه: أنَّه لا شاهد عليه، والله العالم بحقائق أحكامه.

المبحث الثالث في المأموم، ويقع الكلام فيه من جهتين أيضاً:

الأُولى: أنَّه يسلِّم تسليمتين إلى اليمين وإلى الشِّمال إذا كان هناك أحد على شماله، وإلَّا تسليمةً واحدةً فقط إلى اليمين، سواء أكان أحد على يمينه أم لا، هذا هو المعروف بين الأعلام.

ويدل عليه جملة من الروايات:

منها: صحيحة أبي بصير المتقدِّمة (قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): إذا كنتَ في الصفِّ (صفّ خ ل) فسلِّم تسليمةً عن يمينك، وتسليمةً عن يسارك، لأنَّ عن يسارك مَنْ يسلِّم عليك...)[3] .

ومنها: روايته الأخرى -حيث ورد فيها- (فإذا كنتَ في جماعة فقل: مثل ما قلت، وسلِّم على مَنْ على يمينك وشمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلِّم على الذين على يمينك، ولا تدعِ التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد)[4] ، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

وعن الوافي أنَّه -بعد نقل هذه الرِّواية- قال: (قوله (عليه السَّلام) -في آخر الحديث-: إن لم يكن على شمالك أحد، الظَّاهر أنَّه كان (على يمينك)، فسها النسّاخ، فكتبوا (شمالك)...).

أقول: قد يؤيِّد كلامه رواية عليِّ بن جعفر في قرب الإسناد الآتية.

ومنها: صحيحة منصور (قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): الإمام يسلِّم واحدةً، ومَنْ وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن على شماله أحد يسلِّم واحدةً)[5] .

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة (رأيت إخوتي -موسى وإسحاق ومحمَّد بني جعفر- يسلِّمون في الصَّلاة عن اليمين والشِّمال ...)[6] .

ومنها: صحيحة عبد الحميد بن عوَّاض المتقدمة -حيث ورد فيها- : (وإن كنتَ مع إمام فتسليمتين ...)[7] ، وهذه الصّحيحة مطلقة من حيث كون التسليم عن اليمين وعن الشِّمال، وذكر بعضهم أنَّ إطلاقها مقيَّد بالروايات المصرِّحة بكون التسليمتين عن اليمين وعن الشِّمال.

ولكن ذكرنا في أكثر من مناسبة أن قانون الإطلاق والتقييد لا يجري في المستحبّات.

ولكن يمكن أن يقال: إنَّ صحيحة عبد الحميد واردة في مقام بيان التعدد، وأنَّ المأموم يأتي بتسليمتين في مقابل الإمام، والمنفرد، وليست في مقام بيان كون التسليمتين إلى القبلة أو إلى اليمين والشمال، فهي من هذه الجهة ساكتة مجملة، لا إطلاق فيها.

وعليه، فتكون الرِّوايات المصرِّحة بأنَّ إحدى التسليمتين على اليمين والأخرى على الشِّمال مبيِّنة لها.

نعم، يبقى الإشكال وارد بالنسبة لبعض الرِّوايات المتقدِّمة، حيث إنَّها مطلقة من جهة عدم الفرق بين ما لو كان على يمينه أو شماله أحد، أو لم يكن.

 

وذكر بعضهم أنَّها مقيَّدة بالرِّوايات الدَّالة على أنَّ التسليم عن الشِّمال بما إذا كان هناك أحد، كما في صحيحة منصور، ويقتضيه التعليل في صحيحة أبي بصير.

ويؤيِّده رواية عنبسة بن مصعب (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجل يقوم في الصفّ خلف الإمام، وليس على يساره أحد، كيف يسلم؟ قال: تسليمةً عن يمينه)[8] .

وإنَّما جعلناه مؤيِّدة لضعفها بعدم وثاقة عنبسة بن مصعب.

وفيه: ما ذكرناه من أنَّ قانون الإطلاق والتقييد لا يجري في المستحبَّات.

وعليه، فمقتضى الصناعة العلميَّة هو بقاء الرّوايات المطلقة على إطلاقها، أي يستحبّ له أن يسلِّم عن اليمين وعن الشّمال، سواء أكان هناك أحد، أم لا.

نعم، الأفضل أن لا يسلِّم عن الشِّمال إذا لم يكن هناك أحد.

إن قلت: إنَّ القول بأنَّ المأموم يسلم تسليمتين ينافيه ما ورد في بعض الرّوايات أنَّه يسلِّم تسليمةً واحدةً:

منها: صحيحة الفضلاء المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: يسلِّم تسليمةً واحدةً، إماماً كان أو غيره).

ومنها: رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام) (قال: سألته عن تسليم الرَّجل خلف الإمام في الصَّلاة، كيف؟ قال: تسليمةً واحدة عن يمينك، إذا كان على يمينك أحد أو لم يكن)[9] .

وفيه -مضافاً لضعف الرِّواية الثانية بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل-: أنَّه يمكن حملهما على نفي وجوب الزائد، أو نفي تأكُّده.

وقد حمل الشَّيخ في التهذيب صحيحة الفضلاء على أنَّ المأموم ليس على يساره أحد.

وأمَّا رواية المفضل بن عمر المتقدِّمة الدَّالة على أنَّ وظيفة المأموم ثلاث تسليمات، فهي، وإن كانت واضحة جدًّا، إلَّا أنَّها ضعيفة جدًّا، كما عرفت.

مضافاً لمخالفتها لما عليه الأعلام، كما بيَّنا ذلك سابقاً.

قال في المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وجعل ابنا بابويه الحائط عن يساره كافياً في التسليمتين للمأموم، فلا بأس باتباعهما، لأنَّهما جليلان، لا يقولان إلَّا عن ثبت).

أقول: أمَّا ما ذكرناه من استحباب التسليم عن الشِّمال، سواء أكان هناك أحد أم لا، فالأمر واضح.

وأمَّا على مبنى القوم من اشتراط ذلك بكون على شماله أحد فيشكل الأمر حينئذٍ، إذ كونهما شيخين جليلين لا يقولان إلَّا عن ثبت، لا يسوغ متابعتهما، إذ لم يصل إلينا دليل، كما هو المفروض.

وحسن الظنّ بالأعلام الأجلّاء في الأمور العلميّة -ما لم يقم عليها دليل- في غير محلّه، والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo