< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(11)

= ولكن لم يقل له (صلى الله عليه وآله): قل: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يدلّ على وجوب هذه الكيفيّة، وإنّما أمره بمطلق التسليم، وقد فعل الرّسول (صلى الله عليه وآله).

ولكنَّ فِعْله (صلى الله عليه وآله) مجمل، كما عرفت .

ثمَّ إنَّه لو فرضنا عدم وجود ما يدلّ على كفاية (السَّلام عليكم)، -وقد عرفت أيضاً عدم تماميَّة الأدلَّة الدالَّة على وجوب الضَّميمة- كان مقتضى الأصل في المقام هو البراءة عن هذه الضَّميمة، والله العالم .

*قوله: (ويجب الجلوس فيه، والطُّمأنينة فيه)*

قال المصنِّف في الذِّكرى: (الجالس للتسليم كهيئة المتشهِّد في جميع ما تقدَّم من هيئات الجلوس للتشهُّد، الواجبة والمستحبَّة والمكروهة -كالإقعاء-، لِدلالة فحوى الكلام عليه؛ ولأنَّه مأمور بتلك الهيئة حتَّى يفرغ من الصَّلاة، فيدخل فيها التسليم، وتجب الطمأنينة بقدره...).

*والإنصاف:* هو ما ذكره المصنِّف رحمه الله، من أنَّه يجري فيه جميع ما ذكر في التشهُّد، من وجوب الجلوس وندبه وكراهته والطُّمأنينة والإعراب، وذلك للتسالم بينهم، إذ لا يوجد مخالف في المقام.

كما أنَّه يفهم من موثَّقة أبي بصير الطَّويلة، أنَّه كالتشهُّد، حيث ورد فيها : *(إذا جلست في الرِّكعة الثانية: فقل: بسم الله وبالله وخير الأسماء لله، أشهد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله -إلى أن قال أخيراً:- ثمَّ تسلِّم )([1] ).*

*قوله: (ومراعاة لفظه)*

المعروف بين الأعلام أنَّه يجب فيه المحافظة على أداء الحروف والكلمات على النهج الصَّحيح، فلا يجزي في الصِّيغة الثانية: سلام عليكم، بحذف الألف واللام.

ولكن ذهب المحقِّق رحمه الله في المعتبر إلى إجزاء هذه الكيفيَّة، حيث قال: (لو قال: سلام عليكم، ناوياً به الخروج، فالأشبه أنَّه يجزئ، لأنَّه يقع عليه اسم التسليم؛ ولأنَّها كلمة ورد القرآن بصورتها).

ووافقه العلَّامة رحمه الله في التذكرة، واستدلّ عليه بما ورد: من أنَّ عليّاً عليه السلام كان يقول ذلك عن يمينه وشماله؛ وبأنَّ التنوين يقوم مقام اللام.

*أقول:* أمَّا استدلّ به المحقِق رحمه الله، من وقوع اسم التسليم عليه، أي: إنَّ إطلاقات أدلَّة التسليم تشمله.

*فيرد عليه أوَّلاً:* أنَّ الإطلاق منصرف إلى الصُّورة المتعارفة، وهي السَّلام عليكم.

ولو أخذ بالإطلاق كيفما كان لصحّ عكس الصُّورة المتعارفة - أي: عليكم السَّلام- مع أنَّها لا تجزي بالاتِّفاق عندنا، خلافاً لأبي حنيفة، حيث جوَّز ذلك.

ثمَّ إنه لو سلَّمنا الإطلاق، إلَّا أنَّه مقيَّد بما في الرِّوايات الدَّالة على الإتيان به على النحو المتعارف.

وأمَّا استدلاله بأنَّها كلمة وَرَد القرآن بصورتها، كقوله تعالى: ﴿{سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}.﴾

________

 

*فيرد عليه:* أنَّ الورود في القرآن لا يصحِّح التعبُّد به في الصَّلاة، لأن المأمور به فيها صيغة خاصَّة، لا يصحّ تجاوزها.

وأمَّا استدلال العلَّامة رحمه الله *فيرد عليه* أنَّ الرِّواية المنقولة عن عليٍّ عليه السلام ضعيفة جدّاً لم يرد من طرقنا، وإنَّما روتها العامَّة(1).

مضافاً إلى ما في المعتبر، من حكاية التعريف عنه عليه السلام في خبر سعد، إلا أنَّه أيضاً ضعيف السَّند.

*وأمَّا استدلاله الثاني:* بأنَّ التنوين يقوم مقام اللام.

*ففيه:* ما لا يخفى، إذ يحتاج إلى دليل على أنَّ التنوين يقوم مقام اللام في كلِّ شيء، حتَّى في هذا المقام، وهو مفقود، والله العالم.

*قوله: (ولا يجب نية الخروج به)*

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (هل يجب في التسليم نيَّة الخروج، على تقدير القول بوجوبه، قال في المبسوط: ينبغي أنَّ ينوي بها ذلك، وليس بصريح في الوجوب...).

وقال العلَّامة في المنتهى: (وهل يجب عليه أن ينوي بالتسليم الخروج من الصَّلاة، لم أجد لأصحابنا فيه نصّاً، والأقرب أنَّه لا تجب...).

*أقول:* مقتضى الإنصاف هو عدم على الخروج به، وإن قصد عدم الخروج، كما في روايتي العيون(2) والخِصال(3) المصرِّحتين ببطلان الصَّلاة بإتيان (السَّلام علينا) في التشهُّد -الأوَّل- كما تصنعه العامَّة، معلِّلاً بأنَّ تحليل الصَّلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلَّمت، مع أنَّ العامة لا يقصدون به الخروج.

فهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنَّه يدلّ على أنَّ حصول التحليل بالسَّلام إنَّما هو من أحكامه الشرعيَّة المترتبة عليه قهراً.

ولكن الرِّوايتان ضعيفتا السَّند:

*الأُولى:* بجهالة عبد الواحد بن محمَّد بن عبدوس النيشابوري العطَّار، وعليّ بن محمَّد بن قتيبة.

والثانية: بجهالة أكثر من شخص في إسناد الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى الأعمش، في حديث شرايع الدِّين.

وعليه، فهاتان الرِّوايتان تصلحان للتأييد فقط، هذا أوَّلاً.

وثانياً: أنَّ الواجب في الصَّلاة هو التسليم، وليس عنوان المخرجيَّة ليجب قصده، بل قد عرفت أنَّ عنوان المخرجيَّة من الآثار الشرعيَّة للتسليم اللاحقة له، غير المتوقِّفة على القصد.

وقال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (ووجه الوجوب- أي وجوب نيَّة الخروج- أنَّ نظم السَّلام يناقض الصَّلاة في وضعه، من حيث هو خطاب للآدميين.

ومن ثمَّ تبطل الصَّلاة بفعله في أثنائها عامداً.

وإذا لم تقترن بنيَّة تصْرِفه إلى التحليل كان مناقضاً للصَّلاة مبطلاً لها...).

ويرد عليه أنَّ نظم السَّلام إنَّما يناقض الصَّلاة إذا وقع في أثنائها، لأنَّه كلام الآدميين.

وأمَّا إذا وقع في موقعه الذي شُرِّع فيه -كما فيما نحن فيه- فلا مناقضة أصلاً.

ثمَّ قال المصنِّف في الذكرى: (ولأنَّ الأصحاب -خصوصاً المتأخِّرين- يوجبون على المعتمر والحاجّ نيَّة التحلُّل بجميع المحلِّلات، فَلْيكن التسليم كذلك).

 

________

(1) سنن البيهقي ج2، ص178.

(2) الوسائل باب12 من أبواب التشهد ح3.

(3) الوسائل باب29 من أبواب قواطع الصلاة ح2.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo