< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(9)

 

ومنها: ما في عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا عليه السَّلام -في كتابه إلى المأمون-(قال : ولا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأنّ تحليل الصَّلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلّمت)([1] )، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عبد الواحد بن محمَّد بن عبدوس النيشابوري العطَّار، وعليّ بن محمَّد بن قتيبة.

ونحوها رواية الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الخصال([2] )، يسنده إلى الأعمش عن الصَّادق رحمه الله، وهي ضعيفة لأنَّ إسناد الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى الأعمش في حديث شرائع الدِّين ضعيف بجهالة أكثر من شخص.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في الخروج بصيغة (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).

وهذه الرّوايات المستفيضة جدّاً التي ذكرناها لا مجال لردِّها، لا سيَّما أنَّ المشايخ الثلاثة روَوها، وظاهرهم العمل بها؛ بل قيل: إنَّ الظّاهر اتِّفاق الشَّيعة على ذلك، ولذا تركوه في التشهّد الأوّل.

نعم، ظاهرهم أنَّ المخرج والواجب بالأصالة السَّلام عليكم، وأنَّ (السَّلام علينا) مستحبّ يحصل به المقصود من الواجب.

ولذا قال المصنف رحمه الله هنا -أي في الدروس-: (إنَّ أكثر القدماء على الخروج بقول: السَّلام علينا إلى آخره، وعليها معظم الرِّوايات، مع فتواهم بندبها...).

الأمر الثاني: وقع الخلاف بين الأعلام في الصّيغة الواجبة في التسليم، فالمشهور بينهم أنَّه (السَّلام عليكم).

وقال المصنِّف رحمه الله هنا - أي في الدروس-: (وعليه الموجبون)، وذكر المصنِّف رحمه الله في البيان: (أنَّ (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين) لم يوجبها أحد من القدماء، والقائل بوجوب التسليم يجعلها مخرجة؛ وذهب المحقِّق في كتبه الثلاثة إلى التخيير بين الصِّيغتين، أي: كلّ منهما واجب على سبيل التخيير، وتبعه العلَّامة، وكثير ممن تأخَّر عنه).

ولكن أنكره المصنِّف في الذكرى، وقال: (وهذا قول حدث في زمانه -أي المحقِّق- فيما أظنّه أو قبله بيسير، لأنَّ بعض شرَّاح رسالة سلَّار أومأ إليه).

وقال في موضع آخر من الذكرى: (وهو متين إلَّا أنَّه لا قائل به من القدماء، وكيف يخفى عليهم لو كان حقّاً؟! وهنا -أي: في الدروس- قال: (لا بأس به)، وحُكي عنه اختياره في الرّسالة الألفيَّة واللمعة الدمشقيَّة التي هي آخر مصنفاته.

ويظهر أنَّ المصنِّف اضطرب عليه المقام، كما لا يخفى على كلّ ناظر في الذّكرى، وقد أطال الكلام بها، إلى أن قال: (هذه المسألة من مهمّات مسائل الصَّلاة، وقد طال الكلام فيها، ولزم منه أمور ستة:

أحدها: القول بندبية التسليم بمعنييه، كما هو مذهب أكثر القدماء).

ثمَّ ردَّه بقوله: (وينافيه تواتر النقل عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، بقولهم: (السَّلام عليكم)، من غير بيان ندبيته، مع أنَّه امتثال للأمر الواجب -إلى أن قال:- الثاني: وجوبه بمعنييه، أمَّا (السَّلام عليكم) فلإجماع الأمَّة.

وأمَّا الصِّيغة الأخرى فلما مرّ من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإماميَّة مع كثرتها، لكنّه لم يقل به أحد فيما علمته).

__________

 

أقول: لم ينعقد إجماع الأمَّة على الوجوب، بل هو على الخروج بها من الصَّلاة.

وأمَّا أخبار (السَّلام علينا...) فهي ظاهرة في الخروج والانصراف بها.

ولكن سيأتي -إن شاء الله تعالى- أنَّ القول بالوجوب التخييري -كما عليه المحقِّق رحمه الله ومن تبعه بإحسان- هو الصَّحيح.

ومهما يكن، فالقول بوجوبهما معاً في غاية الضعف.

ثمَّ قال: (الثالث: وجوب (السَّلام علينا) عيناً، وقد تقدَّم القائل به -يشير بذلك إلى صاحب الجامع يحيى بن سعيد، حيث ذهب إلى وجوب (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وتعيّنها للخروج من الصَّلاة- وفيه: خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله).

أقول: لا ريب في ضعفه للتسالم على الخروج بالصّيغة الثانية، والنصوص متواترة به، مع دلالتها على الوجوب.

ثمَّ قال: (الرابع: وجوب (السَّلام عليكم) عيناً، لإجماع الأمَّة على فعله؛ وينافيه ما دلّ على انقطاع الصَّلاة بالصّيغة الأخرى ممّا لا سبيل إلى ردّه، فكيف يجب (السَّلام عليكم) عيناً بعد الخروج من الصَّلاة).

أقول: أضف إلى ذلك أنَّه لا وجه لوجوب شيء آخر بعد حصول التحليل ، والفراغ والانصراف .

ويرد عليه أيضاً: أنَّه إن أراد من الوجوب هو كونه جزءاً من الصَّلاة، فلا يعقل ذلك بعد تحقّق الفراغ والخروج من الصَّلاة بالصّيغة الأولى.

وإن أراد وجوبه مستقلّاً من غير أن يكون جزءاً للصَّلاة ، ولا تحليلاً للمنافيات ، بل تعقيب أوجبه الشارع.

ففيه: أنَّ المتأمِّل في الأخبار يقطع بأنَّ الشَّارع المقدَّس لم يوجب تسليماً وراء ما فعله تحليلاً للصَّلاة.

ثمَّ قال: (الخامس: وجوب الصِّيغتين تخييراً جمعاً بين ما دلَّ عليه إجماع الأمَّة وأخبار الإماميَّة، وهو قويّ متين، إلَّا أنَّه لا قائل به من القدماء، وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقّاً؟!).

أقول: سيأتي -إن شاء الله- قريباً صحَّة هذا القول الخامس الذي ذهب إليه المحقّق رحمه الله في كتبه الثلاثة.

ثمَّ قال: (السَّادس: وجوب السَّلام عليكم، أو المنافي تخييراً، وهو قول شنيع، وأشنع منه وجوب إحدى الصِّيغتين أو المنافي).

أقول: قد تقدَّم أنَّ هذا من خواصّ أبي حنيفة.

والملاحظ في كلام المصنِّف رحمه الله أنَّه لم يذكر في هذا الموضع احتمال وجوب (السَّلام عليكم) عيناً تعبُّداُ وإن خرج بالأولى، كما حكاه سابقاً عن صاحب البشرى السَّيد جمال الدين بن طاووس رحمه الله.

ولكن يتضح بطلان هذا القول بما ذكرناه في القول الرّابع فلا حاجة للإعادة.

والغريب في الأمر أنَّ المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى خرج من المسألة بلا حاصل، إذ أشكل على جميع الأقوال، ولم يتبين رأيه الشَّريف.

ثمَّ قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (وبعد هذا كلّه فالاحتياط للدّين الإتيان بالصّيغتين جمعاً بين القولين، وليس ذلك بقادح بوجه من الوجوه، وينوي وجوبهما بادئاً بـ (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين)، لا بالعكس، فإنَّه لم يأتِ به خبر منقول، ولا مصنّف مشهور، سوى ما في بعض كتب المحقِّق، ويعتقد ندب (السَّلام علينا) ووجوب صيغة الأخرى، وإن أبى المصلّي إلّا إحدى الصّيغتين فـ (السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته) مخرجة بالإجماع).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo