< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(6)

 

أقول: بناءً عليه لا تكون هذه الرِّوايات منافيةً للرِّوايات الدَّالة على وجوب التسليم وجزئيِّته، وهو الصَّحيح في المقام الذي لا محيص عنه.

وأمَّا ما أُجيب عن هذه الرِّوايات: بأنَّها لا تدلّ إلَّا على صحَّة الصَّلاة على تقدير حدوث المنافي قبل التسليم سهواً أو اضطراراً، فهي أخصّ مطلقاً من أدلَّة الوجوب؛ وقضيَّة الجمع بينهما هو تقييد الرِّوايات الدَّالة على الوجوب بها، فتُحمل على صورة العمد.

ففيه أوَّلاً: أنَّه لا قرينة على اختصاص هذه الرِّوايات بصورة السَّهو، أو الاضطرار.

وثانياً: أنَّ المعروف بين الأعلام هو عدم التفصيل بين صورة العمد وغيرها، فالصَّحيح هو ما ذكرناه.

بقي شيء في المقام، وهو أنَّ بعض الأعلام منع الملازمة بين وجوب التسليم وبطلان الصَّلاة بتخلُّل المنافي بينه وبين الصَّلاة، كصاحب الحدائق رحمه الله، وغيره.

وقد يستدلّ لهم بالرِّوايات المتقدِّمة الدَّالة على عدم بطلان الصَّلاة بوقوع الحدث قبل التسليم، وببعض الرِّوايات الدَّالة على خروج التسليم عن الصَّلاة، وأنَّه ليس جزءاً منها، كصحيحة ابن أبي يعفور (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السَّلام عن الرَّجل يصلِّي الرِّكعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتَّى يركع، فقال: يتمّ صلاته، ثمَّ يسلِّم، ويسجد سجدتي السَّهو، وهو جالس، قبل أن يتكلَّم)([1] ).

وكصحيحة سُليمان بن خالد (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجل نسي أن يجلس في الرِّكعتين الأُولتين، فقال: إن ذَكَر قبل أن يركع فَلْيجلس، وإن لم يذكر حتَّى يركع فليتمّ الصَّلاة، حتَّى إذا فرغ فَلْيسلِّم (وسلَّم وسَجَد) وَلْيسجد سجدتي السَّهو)([2] )، فإنَّ العطف في الصَّحيحة الأُولى على إتمام الصَّلاة.

وقوله في الصَّحيحة الثانية: (حتَّى إذا فرغ فَلْيسلِّم) ظاهر في خروج التسليم عن الصَّلاة، وأنَّه ليس جزءاً.

والجواب عن الجميع: هو ما عرفته سابقاً من شيوع إطلاق اسم السَّلام على خصوص الصِّيغة الأخيرة التي يلتزم باستحبابها، وعدم كون الحدث قبلها مبطلاً للصَّلاة على تقدير وقوعه بعد التشهُّد التامّ المشتمل على الصِّيغة الأُولى.

وعليه، فتنزَّل مثل هذه الرِّوايات على ما ذكرناه.

وممَّا يؤكِّد كون التسليم جزءاً للصَّلاة، وأنَّه مطلوب لها، لا لذاته: بعض الرِّوايات الصَّريحة في ذلك، كموثَّقة أبي بصير (قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السَّلام يقول في رجلٍ صلَّى الصُّبح فلمَّا جلس في الرِّكعتين قبل أنَّ يتشهد رعف، قال: فَلْيخرج فَلْيغسل أنفه، ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإنَّ آخر الصَّلاة التسليم)([3] ).

وكحسنة عليّ بن أسباط -أو موثَّقته- الواردة في كيفيَّة صلاة سيِّد المرسلين (صلى الله عليه وآله) (ويفتتح بالتكبير، ويختم بالتسليم)([4] ).

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى كون التسليم جزءاً واجباً، والله العالم بحقائق أحكامه.

__________

قوله: (وصورته: (السَّلام عليكم)، وعليه الموجبون، وبعضهم أضاف: (ورحمة الله وبركاته)، وهو أَولى، لرواية ابن أُذينة عن الصَّادق (عليه السَّلام) في صفة صلاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في السَّماء؛ وأكثر القدماء على الخروج بقوله: (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وعليها معظم الرِّوايات، مع فتواهم بندبيتها؛ ومنهم مَنْ قال: يخرج بالصَّلاة على النَّبي وآله (صلى الله عليهم) في التشهُّد؛ وخيَّر بعض المتأخِّرين بين الصِّيغتين، ولا بأس به).

يقع الكلام في ثلاثة أمور:

الأوَّل: هل يتعيَّن الخروج من الصَّلاة بـ(السَّلام عليكم)، أم يجوز أن يخرج بقول المكلّف: (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين) وبالصَّلاة على النَّبيّ صلى الله عليه وآله، وبـ(السَّلام عليك أيُّها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته).

الثاني: ما هي الصِّيغة الواجبة في التسليم، هل هي السَّلام عليكم ، أم (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين)، أم هما معاً، أم أنَّه مخيَّر بين الصِّيغتين .

الثالث: بعد القول بأنَّ الواجب في التسليم هو (السَّلام عليكم)، فهل يُقتصر على ذلك، أم يجب إضافة (ورحمة الله وبركاته)، أو إضافة (ورحمة الله) فقط، بدون (وبركاته).

أقول: أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ الخروج من الصَّلاة يقع بكلٍّ من الصِّيغتين: (السَّلام عليكم)، و(السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين)، وسيأتي الكلام عنهما -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا الخروج بالصَّلاة على النّبي (صلّى الله عليه وآله) فقد حكاه المصنِّف رحمه الله هنا، ولم ينسبه إلى أحد بعينه.

ولكن الإنصاف: أني لم أرَ من صرح بذلك.

نعم، ظاهر الشَّيخ المفيد رحمه الله، وجماعة من الأعلام، أنَّ آخر الصَّلاةِ الصَّلاةُ على النَّبي وآله عليهم السَّلام، فلو أحدث بعد ذلك لم تبطل صلاته.

ولكن لم يذكروا أنَّ الخروج يحصل بالصَّلاة على النّبيّ وآله، بل قال الشَّيخ المفيد رحمه الله في المقنعة بعد التسليم المعهود: (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين)، وينحرف بعينه إلى يمينه، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته، وخرج منها بهذا السَّلام.

ثمَّ إنَّه لمَّا عدَّ واجبات الصَّلاة جعل آخرها الصَّلاة على النّبيّ وآله، وكان قد ذكر في سياق النوافل (السَّلام عليكم ورحمة الله)، وقال: (فإذا سلَّم فقد خرج من الرِّكعتين)؛ وهذا الكلام ظاهره توقُّف الخروج على التسليم وإن كان سنَّةً.

وبالجملة، فإن الخروج من الصَّلاة لا يحصل بمجرد الصَّلاة على النَّبيّ وآله، إذ لا دليل عليه، سواء قال به أحد من الأعلام، أم لم يقل.

وأمَّا الخروج بـ (السَّلام عليك أيُّها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته): فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا يخرج بذلك، خلافاً للرّواندي رحمه الله في الرّائع، حيث جعله من السَّلام المخرج.

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (وقال الرّاوندي رحمه الله - في الرّائع -ورامَ الجمع بين قولَي مَنْ قال: بوجوب التسليم، وندبه- إذا قال: (السَّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله)، ونحوه، فالتسليم الذي يخرج به من الصَّلاة حينئذٍ مسنون، وقام هذا التسليم المندوب مقام قول المصلِّي إذا خرج من صلاته (السلام عليكم ورحمة الله)، وإن لم يكن ذَكَر ذلك في التشهُّد يكون التسليم فرضاً).

وقد يستدلّ له: بإطلاق أدلّة التسليم.

وفيه أوَّلاً: أنَّ ما ذكره لم يذهب إليه أحد سواه، فيكون هناك تسالم بين الأعلام على عدم الخروج به.

وثانياً: لا يبعد القول بانصراف الإطلاق إلى الصِّيغة المعهودة المتعارفة، وهي (السَّلام عليكم)، أو إلى الصِّيغتين المعهودتين، وهما (السَّلام عليكم) و(السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo