< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التسليم في الصَّلاة(3)

 

أمَّا وجه دلالته على حصر المحلِّل فيه: فهو أنَّ التسليم وقع خبراً عن التحليل؛ وهذا من المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ على الخبر لكونهما معرَّفين، وحينئذٍ فيجب كونه مساوياً للمبتدأ أو أعمّ منه، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعمّ.

ولأنّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ، بمعنى تساويهما في المصداق لا المفهوم.

ولأنَّ (تحليلها) مصدر مضاف إلى الصَّلاة، فيعمّ كلّ تحليل يضاف إليها، كما لو قيل: ضَرْب الأمير شديد، أي: كلّ ضرب للأمير يكون شديداً، فيكون المبتدأ حينئذٍ ظاهراً في الإطلاق، فيمتنع أن يكون خبره أخصّ منه ، إذ الحكم لازم لموضوعه، واللازم يجب أن يكون مساوياً لملزومه ، أو أعم.

أمَّا وجه المناقشة في دلالته على الحصر: هو أنَّه نمنع لزوم كون الخبر مساوياً للمبتدأ أو أعمَّ، فإنَّه يجوز الإخبار بالأعم من وجه، كزيد قائم، وبالأخص مطلقاًَ، كقولك: حيوان يتحرك كاتب؛ ومنشأ ذلك أنَّ المراد بالإخبار الاستناد في الجملة لا دائماً.

ومنه يعلم أنَّه لا يجب تساوي المفردين في الصِّدق، وأيضاً نمنع كون إضافة المصدر للعموم لجواز كونها للجنس أو العهد.

على أنَّ التحليل قد يحصل بغير التسليم، كالمنافيات وإن لم يكن الإتيان بها جائزاً، وحينئذٍ فلا بدّ من تأويل التحليل بالذي قدَّره الشَّارع، فلمَّا أمكن إرادة التحليل الذي قدره على سبيل الوجوب أمكن إرادة التحليل الذي قدره على سبيل الاستحباب؛ إلى غير ذلك من المناقشات.

والإنصاف: أنَّ هذه المناقشة ليست تامَّةً، وذلك لأنَّ المعروف بين النحويين وأهل الميزان هو منع كون الخبر أخصّ من المبتدأ، وإلَّا لكان الكلام بلا فائدة؛ ولهذا لا يجوز: الحيوان إنسان، واللون أسود.

وأمَّا الإشكال بأنَّه يجوز الإخبار بالأعمّ من وجه، كزيد قائم، فمغالطة، ضرورة فرض الإهمال في مثل هذه القضايا، وإثبات المحمول للموضوع في بعض أفراده، أو أحواله ، وإلَّا يمتنع التخلُّف.

ثمَّ إنَّ المعروف والمشهور أيضاً عند النحويين أنَّ الخبر إذا كان مفرداً كان هو المبتدأ، وفي المنتهى: (اتّفاق النحويين على ذلك، بمعنى تساويهما في المصداق لا المفهوم).

وأيضاً تقرَّر في علم الأصول أنَّ الإضافة، حيث لا عهد، تفيد العموم؛ ولا عهد هنا، والأصل عدمه؛ على أنَّ الجنس نافع في المقام، كالاستغراق.

والخلاصة: أنَّه لا ينبغي الشكّ في استفادة الحصر من الأخبار المتقدّمة، حيث يستفاد منها أنَّ لماهية الصَّلاة تحريماً وتحليلاً، وأنَّ تحريمها هو التكبير الذي يتحقَّق به الدُّخول في الصَّلاة لا غير، وتحليلها هو التسليم الذي يتحقَّق به الخروج عنها، لا غير.

بل الإنصاف: أنَّ رواية الفضل بن شاذان، ورواية المفضل بن عمر، المتقدّمتين، نصّ في إرادة انحصار المحلِّل بالتسليم، فيستفاد الوجوب والجزئيَّة من الرِّوايات المتقدِّمة، باعتبار ظهورها في كون التكبير الذي هو التحريم والتسليم الذي هو التحليل، جزئين معتبرين في ماهية الصَّلاة، والله العالم.

ومنها: الرِّوايات التي وقع فيها التصريح بأنَّ آخر الصَّلاة التسليم، مثل موثَّقة أبي بصير (قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: في رجل صلَّى الصُّبح، فلمَّا جلس في الرِّكعتين قبل أن يتشهَّد رعف، قال: فَلْيخرج، فَلْيغسل أنفه، ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإنَّ آخر الصَّلاة التسليم)[1] .

وأشكل عليها في المدارك:

(أوَّلاً: بالطَّعن في السَّند، باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره، وبأنَّ من جملة رجاله عثمان بن عيسى وسماعة، وهما واقفيان.

وثانياً: بمنع الدَّلالة، فإنَّ كون التسليم آخر أفعال الصَّلاة لا يقتضي وجوبه، فإنَّ الأفعال تشمل الواجب أو المندوب.

وثالثاً: بأنَّه متروك الظَّاهر، إذ لا نعلم بمضمونه قائلاً من الأصحاب).

وفيه: أنَّ (أبا بصير) إذا أُطلِق يُراد به يحيى بن أبي القاسم الأسدي المكفوف الثقة، أو لَيْث بن البختري المرادي الثقة، وأمَّا غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية.

وأمَّا كون عثمان بن عيسى وسماعة واقفين فلا يضرّ، على المبنى الصَّحيح من العمل بالموثَّقات، بل هو يعمل بها في بعض الموارد.

وأمَّا الاعتراض الثاني: فغير وارد أيضاً، لأنَّ الأمر بالرُّجوع والإتمام ظاهر في الوجوب، لأنَّ المفروض حصول الرُّعاف قبل التشهّد، فلو لم يجب السَّلام لمَّا صحّ التعليل بأنَّ آخر الصَّلاة التسليم، بل كان المناسب أن يعلَّل الرُّجوع لإتمام الصَّلاة، بأنَّ آخرها التشهُّد، إذ المفروض كون الرُّعاف قبله.

وعليه، فلو لم يجب التسليم لمَّا صحَّ أن يقع علَّةً لوجوب الرجوع، لعدم المناسبة؛ هذا بالنسبة لوجوب التسليم.

وأمَّا كونه جزءاً للصَّلاة فظاهر القضية كونه آخر ماهية الصَّلاة من حيث هي، كما هو الشَّأن في غيره من التكبير والقراءة، ونحوهما، فإنَّ ظاهرها كونها معتبرةً في ماهية الصَّلاة، وداخلةً في حقيقتها.

وأمَّا اعتراضه الثالث: فيرد عليه أنَّ الموثَّقة، وإن كانت مطلقةً من حيث الرجوع وإتمام الصَّلاة، حتَّى مع الفصل الطَّويل الماحي لصورة الصَّلاة، إلَّا أنَّها مقيَّدة بما إذا لم يستلزم ذلك فعلاً كثيراً.

أضف إلى ذلك -وقد ذكرناه في أكثر من مناسبة-: أنَّ عدم جواز الأخذ بظاهر الرِّواية في بعض فقراتها لمانع من الموانع لا يُوجب ذلك طرح الرِّواية رأساً.

ومثل هذه الموثَّقة في الدَّلالة على الوجوب، والجزئيَّة، موثَّقته الأخرى، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) (قال: إذا نسيَ الرَّجل أن يسلِّمَ، فإذا ولَّى وجهه عن القبلة -وقال: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين- فقد فرغ من صلاته)[2] ، حيث إنَّها ظاهرة في جزئيَّة التسليم ووجوبه، لأنَّه (عليه السّلام) علَّق الفراغَ منها على قوله: (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).

وهذا دالّ على دخول التسليم في ماهية وحقيقة الصَّلاة، وقوله: (إذا نسي الرَّجل أن يسلِّم)، أي: نسيَ السَّلام الأخير، وهو السَّلام عليكم.

ومثلها في الدَّلالة أيضاً: موثَّقة عليّ بن أسباط، أو حسنته، عنهم (عليهم السّلام) (قال -فيما وعظ الله به عيسى (عليه السّلام)-: يا عيسى! أنا ربُّك وربُّ آبائك -وذكر الحديث بطوله، إلى أن قال:- ثمَّ أوصيك -يا بن مريم البكر البتول!- بسيِّد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد -إلى أن قال:- يسمِّي عند الطَّعام، ويفشي السَّلام، ويصلِّي والنَّاس نيام، له كلّ يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلى الصَّلاة كنداء الجيش بالشِّعار، ويفتتح بالتكبير ويختم بالتسليم)[3] .

__________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo