< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(10)

 

وفيه أوَّلاً: أنَّهما ضعيفتا السَّند، كما عرفت.

وثانياً: أنَّهما محمولتان على إرادة الإجزاء بالنسبة إلى الأجزاء المستحبَّة، أي ذكر الحمد قبل التشهُّد يكفي عن بقيَّة الأجزاء المستحبَّة التي تُذكَر مع التشهُّد؛ أو أنَّهما محمولتان على التقيَّة، ولا يقاس بالتقيّة غيرها.

والخلاصة: أنَّه لا دليل على وجوب التحميد.

وأمَّا الاستدلال لوجوب مطلق الذِّكر فقد يستدلُّ له بصحيحة عبد الله بن سنان (قال: قال أبو عبد الله عليه السَّلام: إنَّ الله فرض من الصَّلاة الرُّكوع والسُّجود، أَلَا ترى لو أنَّ رجلاً دَخَل في الإسلام لا يُحْسِن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يُكبّر ويُسبِّح ويصلِّي)[1] .

وجه الاستدلال بها: هو أنَّ ذكر القراءة في الرِّواية من باب المثال، وإلَّا فالمراد كلّ ذِكْر لا يحسنه في الصَّلاة، غير الرُّكوع والسُّجود، يكبِّر عنه ويسبِّح، فلا خصوصيَّة للقراءة.

والإنصاف: أنَّ الصَّحيحة مشعرة بذلك، لا أنَّها ظاهرة في المطلب، لأنَّها مسوقة لبيان ركنيَّة الرُّكوع والسُّجود ، لا لبيان أنَّ التكبير والتسبيح مجزئ عن كلِّ ذِكْر في الصَّلاة قد تعسَّر عليه.

والخلاصة: أنَّ مقتضى الصِّناعة العلميَّة هو عدم وجود الترجمة والذِّكر في حال العجز عن التشهُّد ولو ملحوناً، إلَّا أنَّ الأحوط وجوباً هو الإتيان بالترجمة مع إمكانها، والإتيان بالذِّكر مع العجز عنها، والله العالم.

الصُّورة الرابعة -فيما لو عجز حتَّى عن مطلق الذكر أو التحميد-: فيظهر من بعض الأعلام، كالفاضل الأصبهاني رحمه الله في كشف اللثام، والشَّهيد الثاني رحمه الله في المقاصد العليَّة والرَّوض: وجوب الجلوس بعد الذِّكر، باعتبار أنَّه أحد الواجبين، كما هو مقتضى الأمر به في بعض الرِّوايات، وإن وجب الذِّكر فيه، كالقراءة حال القيام.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الكلام إنَّما يصحّ لو كان الجلوس بمقدار التشهُّد واجباً في نفسه، ولكنَّ الظَّاهر كونه قَيْداً للذِّكر، فيسقط بسقوطه، وإن كان الأحوط الأَولى الجلوس بقدره مع الإخطار بالبال.

والذي يهوِّن الخطب: كون البحث عن هذه المسألة قليل الفائدة، إذ لا يكاد يوجد مَنْ لا يقدر على تأدية الشَّهادتين، والصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) ولو ملحوناً، أو بسائر اللغات.

وعلى فرض أنَّه لا يقدر على سائر اللغات فلا أقل أنَّه يقدر على التحميد، أو غيرها من الأذكار، والله العالم بحقائق أحكامه*.

 

قوله: (والجلوس بقدره مطمئناً)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (ويجب الجلوس بقدره تأسيّاً بفعله (صلى الله عليه وآله))، وفي المدارك: (لا ريب في وجوب ذلك، للإجماع والتأسِّي والأخبار المستفيضة)، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه، والنصوص دالَّة عليه...).

أقول: هناك تسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً على وجوب الجلوس بقدره، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.

وأمَّا التأسّي: فقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّه يصلح للتأييد فقط، لأنَّ الفعل مجمل لا ظهور فيه، والقدر المتيقّن منه هو الرجحان الذي هو أعمّ من الوجوب.

 

(*) وأمَّا الإتيان بما يقدر من التشهُّد، فقد يقال: إن كان الباقي يصدق عليه عنوان التشهُّد، كالإتيان بإحدى الشهادتين ، فيجب الإتيان به، وإلا فلو قدر على كلمة (أشهد) مثلاً، فلا يجب الإتيان به، ويسقط التشهد من أصل.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يصدق التشهُّد بالإتيان بإحدى الشهادتين فضلاً عن غيرها، فالمتعيِّن هو السقوط، كأي جزء تعذّر الإتيان به (من مجلس الدرس).

 

ثمَّ إنَّه يدلّ عليه -مضافاً للتسالم بين الأعلام- جملة من الرّوايات:

منها: صحيحة ابن مسلم المتقدّمة (إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له...)[2] .

ومنها: صحيحة سليمان بن خالد الواردة في ناسي التشهُّد (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجلٍ نسي أن يجلس في الرّكعتين الأولتين، فقال: إن ذكر قبل أن يركع فَلْيجلس... )[3] .

ومنها: موثَّقة أبي بصير الطَّويلة التي سنذكرها بطولها إن شاء الله تعالى- عن أبي عبد الله عليه السَّلام (إذا جلستَ في الرِّكعة الثانية فقل: -إلى أن قال:- فإذا جلستَ في الرَّابعة قلتَ: بسم الله...)[4] .

ومنها: ما رواه ابن إدريس في آخر السَّرائر -نقلاً من كتاب حريز بن عبد الله- عن زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السَّلام: لا بأس بالإقعاء بين السَّجدتين، ولا ينبغي الإقعاء في موضوع التشهُّد، إنَّما التشهُّد في الجلوس وليس المقعي بجالس)[5] .

وقد عبَّر عنها جماعة من الأعلام بالصَّحيحة، ولكنَّها في الواقع ضعيفة بالإرسال، لأنَّ ابن إدريس رحمه الله لم يذكر طريقه إلى كتاب حريز؛ وكون ابن إدريس رحمه الله لا يعمل بخبر الواحد، وإنَّما يعمل بالخبر القطعي، لا يفيد في المقام، لأنَّ القرينة -التي جعلته من خلالها يقطع بالرِّواية لو وصلت إلينا- لعلّها لا تفيد الظنّ لنا، فضلاً عن القطع.

والخلاصة في المقام: أنَّه لا إشكال في أصل الوجوب.

وأمَّا ما ورد في رواية عبد الله بن حبيب بن جندب (قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السَّلام: إنِّي أصلِّي المغرب مع هؤلاء، فأعيدها، فأخاف أن يتفقدوني[6] ، فقال: إذا صلَّيت الثالثة فمكِّن في الأرض إليتَيْك، ثمَّ انهض وتشهَّد وأنت قائم، ثمَّ اركع واسجد، فإنَّهم يحسبون أنَّها نافلة)، حيث ظاهرها عدم وجوب الجلوس.

ففيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة، بجهالة كلٍّ من محمَّد بن مهران، والقاسم الزَّيات، وعبد الله بن حبيب بن جندب.

وثانياً: أنَّ موردها الضَّرورة، وهي التقيَّة، ويتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها، فلا ينافي ما ذكرنا من وجوب الجلوس في التشهُّد اختياراً، بحيث لو تشهَّد في حال لا يصدق عليه مسمَّى الجلوس فلا يجزئ حينئذٍ.

وثالثاً: أنَّ الصَّلاة معهم صحيحة للتقيَّة، فما معنى الإعادة؟!

ثمَّ إنَّه قد ذكرنا سابقاً أنَّ وجوب الجلوس ليس لنفسه، بل للتشهُّد، فلو فرض سقوط التشهُّد للعجز عنه فلا معنى حينئذٍ لبقاء وجوب الجلوس.

بقي في المقام اعتبار الطمأنينة في الجلوس، وقدِ استدلّ عليها الأعلام: بالإجماع.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليه، وهو العمدة فيها، والله العالم.

قوله: (ويستحب التورُّك)

ذكرنا حكم التورُّك، وتحقيق موضوعه، عند الكلام عن استحباب التورُّك في الجلوس بين السَّجدتين، في قول المصنِّف رحمه الله سابقاً: (والتورّك بين السَّجدتين)، فراجع، لا سيَّما صحيحة زرارة، حيث ورد فيها، (فإذا قعدت في تشهُّدك فالصق ركبتيك بالأرض، وفرِّج بينهما شيئاً، وَلْيكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، وإليتاك على الأرض، وأطراف اليمنى على الأرض...)[7]

_____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo