< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(9)

قوله: (ويجب الإتيان بلفظه ومعناه، ومع التعذّر تُجزئ الترجمة، ويجب التعلّم، ومع ضِيق الوقت يُجزئ الحمد لله، بقدره، لفحوى رواية بكير بن حبيب عن الباقر عليه السلام).

لا إشكال بين الأعلام في أنَّه يجب الإتيان باللفظ المعهود، فلا يجوز تبديلها بالمرادف، وإن أفادها معناها؛ كأن يبدل أشهد بـ أعلم، أو أقرّ، أو أعترف، وهكذا في غيره.

كل ذلك للتسالم بين الأعلام؛ ويقتضيه أيضاً ظاهراً الرّوايات المتقدّمة.

هذا، إذا أمكنه ذلك؛ وأمَّا إذا كان جاهلاً بالصِّيغة فلا إشكال أيضاً في وجوب التعلُّم عليه، مع إمكانه وسِعة الوقت؛ كما عرفت في مبحث القراءة.

نعم، وجوب التعلُّم طريقيّ وليس نفسيّاً، فإذا وجد من يلقّنه حال الصَّلاة ولو كلمةً كلمةً فلا يجب عليه التعلّم حينئذٍ، ويُكتفى بالتلقين.

وأمَّا إذا لم يجد من يلقّنه، ولم يمكنه التعلّم، ولو لِضيق الوقت، فهناك أربعُ صور:

الأُولى: أن يعجز عن الإتيان بالتشهُّد على النهج العربي الصَّحيح، ولكن يمكنه الإتيان به ملحوناً، سواء أكان اللحن بالمادّة أم الهيئة.

الثانية: أن يعجز عن الإتيان به ولو ملحوناً، ولكن يتمكّن من ترجمته.

الثالثة: أن يعجز عن الترجمة، ولكن يمكنه التحميد، أو سائر الأذكار.

الرَّابعة: أن يعجز عن الإتيان بالتحميد وسائر الأذكار.

وأمَّا الصُّورة الأُولى: فلا إشكال في أنَّه يجب عليه الإتيان بما يقدر عليه من الملحون، وذلك للتسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً.

وقدِ استدلّ أيضاً بدليلين:

الأوَّل: بقاعدة الميسور.

وفيه -ما ذكرناه في أكثر من مناسبة-: أنَّها غير ثابتة، لِضعف الرِّوايات الواردة فيها سنداً.

الثاني: برواية مسعدة بن صدقة (قال: سمعتُ جعفر بن محمد (عليه السَّلام) يقول: إنَّك قد ترى من المُحْرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصَّلاة والتشهُّد، وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمُحرِم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح... )[1] ؛ ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.

نعم، هي ظاهرة جداً في أنَّ المطلوب من كلّ واحد من المكلفين ما يكون مقدوراً له ولو على نحو اللحن.

فالعمدة حينئذٍ في المقام: هو التسالم بين الأعلام.

الصُّورة الثَّانية: أن يعجز عن الإتيان به حتَّى مع اللحن؛ ولكنَّه متمكِّن من ترجمته، فالمعروف بين الأعلام قيام الترجمة مقامه، فيجب عليه ذلك، منهم المصنِّف (رحمه الله) هنا وفي الذِّكرى.

وقدِ استدلّ لذلك بدليلَيْن:

الأوَّل: إطلاق ما دلّ على وجوب الشَّهادتين والصَّلاة.

نعم، دلَّت صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة على أنَّه مع التمكُّن لا بدّ أن يكون ذلك بالألفاظ الخاصَّة، وأمَّا مع فرض عدم التمكُّن فهو باقٍ تحت المطلقات.

وفيه أوَّلاً: أنَّ المطلقات منصرفة إلى ما هو المتعارف عليه خارجاً، فلا يشمل الترجمة.

وثانياً: مع قطع النظر عن ذلك، فإنَّ إطلاق دليل التقييد -كصحيحة بن مسلم المتقدِّمة- يقتضي الشُّمول لحال العجز، وامتناع التكليف مع العجز لا يقتضي امتناع الحكم الوضعي.

وعليه، فإطلاق دليل الخاصّ مقدَّم على إطلاق دليل العام.

والخلاصة: أنَّه لا يمكن التمسُّك بالإطلاقات.

الدليل الثاني: قاعدة الميسور، لِصدق الميسور على الترجمة، لأنَّها من الشَّهادة بالتوحيد والرِّسالة؛ والصَّلاة وإن لم تكن بالألفاظ الخاصَّة، لأنَّ المأمور به في التشهُّد ليس هو الألفاظ، بل معانيها.

ويؤيِّده: بُعْد التعبُّد بالألفاظ العربيَّة، بحيث يسقط أصل التكليف مع التعذر.

وفيه: ما تقدَّم من أنَّ قاعدة الميسور ليست تامَّةً كبرويّاً.

وعليه، فإن كان هناك تسالم بين الأعلام على الترجمة فيه، وإلَّا فلا دليل على وجوب الترجمة، كما لعلَّه الأقرب، والله العالم.

الصُّورة الثالثة: إذا لم يتمكَّن من الترجمة، أو لم نقل بوجوبها حتَّى مع التمكُّن منها، فهل يجب خصوص التحميد بقدره -كما عن جماعة من الأعلام، ومنهم المصنِّف (رحمه الله) هنا وفي الذكرى- أو يُكتفى بسائر الأذكار بقدره، كما عن كثير من الأعلام.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (نعم، تجزي الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلُّم؛ والأقرب: وجوب التحميد عند تعذّر الترجمة، للرِّوايتين السَّابقتين)؛ ويقصد بالرِّوايتين روايتي بكر والخثعمي اللتين سنذكرهما غن شاء الله تعالى.

واحتمل المصنِّف (رحمه الله) في البيان سقوط الذكر، قال فيه: (الجاهل يجب عليه التعلُّم ، فإن ضاق الوقت أتى بما علم، وإلَّا فالترجمة، وإلَّا احتُمل الذِّكرُ إن علمه، والسقوطُ)، كما أنَّ صاحب المدارك (رحمه الله) احتمل السُّقوط، وذهب الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام إلى عدم البدل بعد الترجمة، أي أنَّه يسقط الذكرى إذا عجز عن الترجمة.

أقول: قدِ استدلّ المصنف (رحمه الله) هنا، وفي الذِّكرى، لوجوب التحميد بروايتَيْن:

الأُوْلى: رواية حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: إذا جلس الرَّجل للتشهُّد فحمد الله أجزأه)[2] ، وهي ضعيفة بجهالة سعد بن بكر، وعدم وثاقة حبيب الخثعمي.

الثانية: رواية بكر بن حبيب (قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن التشهُّد، فقال: لو كان كما يقولون واجباً على النَّاس هلكوا إنَّما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون، إذا حمدت الله أجزأ عنك)[3] ، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة بكر بن حبيب.

ثمَّ إنَّ وجه الاستدلال: إنَّما هو بالفحوى.

وحاصله: أنَّه إذا كان التحميد مجزيًا عن التشهُّد في حال التقيَّة ، مع قدرته على الإتيان بالتشهُّد، ففي حال العجز عنه يكون الإجزاء من باب أَولى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo