< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(8)

أقول: استُدلَّ للوجوب بعدَّةِ رواياتٍ:

منها -بل هي العمدة-: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) -في حديث- قال : (وصلِّ على النّبيِّ (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله) كلّما ذكرته، أو ذَكَره ذاكِر عندك، في أذانٍ أو غيره)[1] .

ومنها: رواية محمَّد بن هارون عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا صلَّى أحدُكم، ولم يذكر النّبيَّ (صلى الله عليه وآله) في صلاته، يُسْلَك بصلاته غير سبيل الجنَّة، قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليَّ فدَخَل النَّار، فأبعده الله، قال: (صلى الله عليه وآله): من ذُكِرت عنده فنسي الصَّلاة عليَّ خطئ به طريق الجنَّة)[2] .

والمراد بالنسيان: التَّرْك، كقوله تعالى﴿: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا، أي﴾: ترك، لا النسيان بالمعنى المعهود، فإنَّه لا مؤاخذة عليه.

ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن عليّ الكوفي، والمفضَّل بن صالح الأسدي أبي جميلة، ومحمَّد بن هارون.

وهي مروية أيضاً في المحاسن للبرقي، وفي المجالس وعقاب الأعمال للشيخ الصَّدوق (رحمه الله)، وهي ضعيفة بجميع الطُّرق.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌): مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَنَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ، خَطَأَ بِهِ طَرِيقَ‌ الْجَنَّةِ)[3] ، وهي ضعيفة لاشتراك الحسين بن علي بين عدَّة أشخاص، وكذا ثابت، فإنَّه مشترك.

وأمَّا عبيس ابن هشام، فإن كان هو عباس بن هشام فهو ثِقة، وإلَّا فلا، والمراد بالنسيان هنا هو الترك، كما عرفت.

ومنها: رواية أبي بصير الثانية عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَالَ: قَالَ: إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌) فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلّى عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَلْفَ صَلَاةٍ، فِي أَلْفِ صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْ‌ءٌ مِمَّا خَلَقَهُ اللهُ إِلاَّ صَلّى عَلَى الْعَبْدِ، لِصَلَاةِ اللهِ (عَلَيْهِ خ ل) وَصَلَاةِ مَلَائِكَتِهِ، فَمَنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي هذَا فَهُوَ جَاهِلٌ مَغْرُورٌ، قَدْ بَرِئَ اللهُ مِنْهُ وَرَسُولُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ)[4] .

وهي ضعيفة بالحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، ورواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال، وهي ضعيفة بالحسن بن علي بن أبي حمزة، وأبيه، وسلمة بن الخطاب.

ومنها: ما رواه الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) -في حديث- (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: قال لي جبرائيل: من ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فأبعده الله، قلتُ: آمين، فقال: ومن أدرك شهر رمضان فلم يُغفر له فأبعده الله، قلتُ: آمين، قال: ومن أدرك أبويه، أو أحدهما، فلم يغفر له فأبعده الله، فقلت: آمين) [5] وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: ما رواه أحمد بن فهد في عدَّة الدَّاعي -في حديث- (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أجفى النَّاس رجل ذُكِرت بين يديه فلم يصلِّ عليَّ)[6] ، وهي ضعفية بالإرسال أيضاً؛ وكذا غيرها من الرِّوايات.

والإنصاف: أنَّ هذه الرِّوايات الواردة في المقام إنَّما قُصِد بها تأكُّد الاستحباب، بل بعض الرِّوايات المتقدِّمة هي نفسها مشعرة بالاستحباب، فضلاً عن القرينة الخارجيَّة.

وقد عرفت أنَّ عمدة الرِّوايات المستدلّ بها على الوجوب هي صحيحة زرارة، وهي أيضاً ليس لها ظهور يعتدّ به، باعتبار أنَّ المقصود بها بيان ما ينبغي رعايته حال الأذان، وإن لم يكن واجباً، كالإفصاح بـ (الألف والهاء)، الموجود في صدر الصَّحيحة، والذي لم ننقله.

__________

 

ثمَّ إنَّه لو فرضنا أنَّ هذه الصَّحيحة، وغيرها من الرّوايات، ظاهرة في الوجوب، إلَّا أنَّه لا بدَّ من صَرْفها إلى الاستحباب، وذلك للسِّيرة القطعيَّة، وخلوِّ الأدعية الموظّفة، والخطب المعروفة، والقِصص المنقولة عن المعصومين (عليهم السَّلام) غالباً عنها، مع أنَّ إثباتها فيها -لو كان واجباً- أوجب من إثبات كلماتها، وعدم تعليمها للمؤذِّنين في الأخبار النبويَّة، ولأنَّه لو كان واجباً لاشتهر حتَّى صار أشدّ ضرورة من وجوب الصَّلوات الخمس لشدَّة تكرره، وكثرة التلفُظ به، خصوصاً بناءً على إلحاق ذكر الصِّفات الخاصَّة، أو مطلقاً بالاسم.

ويؤيِّد عدم الوجوب: الإجماعات السَّابقة.

والخلاصة: أنَّه لا محيص عن القول بالاستحباب.

هذا، وقد حمل صاحب الجواهر (رحمه الله) بشدَّة على صاحب الحدائق (رحمه الله) القائل بالوجوب حيث ادَّعي صراحة الأخبار في الوجوب.

قال صاحب الجواهر (رحمه الله): (وإنَّها لمصيبة يستأهّل أن يُسْترجع عندها، ضرورة أنَّه لا يليق بمَنْ دسَّ نفسه في فقهاء آل محمَّد (عليهم السَّلام) الرّكون إلى مثل هذا الأمر، المعلوم إرادة الندب منه ضرورةً... ).

الأمر السَّادس: المعروف بين الأعلام هو وجوب ضمّ الصَّلاة على الآل (عليهم السَّلام) إلى الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) كلّما ذُكِر، بل الظَّاهر أنَّه متسالم عليه بين علماء الشِّيعة قاطبةً، ولم ينسب الخلاف إلَّا إلى بعض العامَّة من باب النصب والعداوة، حيث أصرّ على الترك.

وقد ذكر الشيخ الصَّدوق (رحمه الله) عن بعض مشايخه، وهو الضبي (إني ما رأيت أنصب منه كان يقول: اللَّهمَّ صل على محمَّد منفرداً).

ومهما يكن، فيدلّ على وجوب الضمّ -مضافاً للتسالم بين الأعلام- عدَّة من الرِّوايات من طرق العامَّة والخاصَّة:

أمَّا مِن طرق العامَّة، فمنها ما رَوَوه عن كعب الأحبار (أنَّه قال للنَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) عند نزول الآية[7] ، قد عرفنا السَّلام عليك -يا رسول الله !- فكيف الصَّلاة؟ قال: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد)(2)، وهو ضعيف، كما لا يخفى.

وفي مفتاح الكرامة: (أنَّه قال الأستاذ الشَّريف -أي العلَّامة الطباطبائي- في حلقة درسه المبارك الميمون: (أنَّه وجد هذا الخبر بعدَّة طرق من طرقهم ... ).

ومنها: ما عن ابن حجر صاحب كتاب الصَّواعق المحرقة له (أنَّه رُوي عن النّبيِّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: لا تصلُّوا عليَّ الصَّلاة البتراء، فقالوا: وما الصَّلاة البتراء؟ فقال: تقولون اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وتمسكون، بل قولوا اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد)(3)، وضعفها واضح، وكذا غيرها ممَّا رَوَوه.

وأمَّا مِن طرق الخاصَّة، فالرِّوايات مستفيضة جدًّا:

منها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) -إلى أن قال:- وإذا صلَّى عليَّ، ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي، كان بينها وبين السَّماوات سبعون حجاباً، ويقول الله تبارك وتعالى: لا لَبَّيك ولا سعديك، يا ملائكتي! لا تصعدوا دعاءه إلَّا أن يلحق بالنَّبيَّ عترته، فلا يزال محجوباً حتَّى يلحق بي أهل بيتي)[8]

وهي الرِّواية رواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في ثواب الأعمال وفي المجالس، وهي ضعيفة في كتاب ثواب الأعمال، بجهالة واصل بن عبد الله، وعدم وثاقة عليّ بن معبد.

وأمَّا في المجالس فلا يوجد ما يغمز فيه إلَّا جعفر بن محمَّد بن مسرور، حيث إنَّه لم يوثق.

نعم، ترضى عليه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، ولكن ذكرنا في أكثر من مناسبة أن ترضي الصَّدوق (رحمه الله) لا يدل على التوثيق، ولا على المدح المعتد به، بل إنَّه مجرد دعاء للأستاذ.

وأمَّا حسين بن عامر محمَّد بن عامر الموجود في السَّند فهو من مشايخ ابن قُوْلُويه المباشرين، فهو ثقة.

وأمَّا عمَّه عبد الله بن عامر فهو من الثقات المعروفين.

والخلاصة: أنَّ الرِّواية ضعيفة السَّند.

ومنها: رواية أبان بن تغلب عن أبي جعفر (عليه السَّلام) عن آبائه (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى عليَّ، ولم يصلِّ على آلي لم يجد ريح الجنَّة، وإن ريحها ليوجد من مسير خمسمائة عام)[9] .

هذه الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن الحسين المؤدب وإن ترضى عليه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله).

ومنها: ما عن رسالة (المحكم والمتشابه) نقلاً من تفسير النعماني، بإسناده عن عليٍّ (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (قال: لا تُصَلّوا عَلَيَّ صَلاةً مَبتورَةً، بَل صَلّوا إليَّ (عَلى خ ل) أهلِ بَيتي، ولا تَقطَعوهُم (مني خ ل)؛ فَإِنَّ كُلَّ نَسَبٍ و سَبَبٍ مُنقَطِعٌ يَومَ القِيامَةِ إلّا نَسَبي (وسَبَبي خ ل)[10]

وهذه الرِّواية ضعيفة بالحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، وأبيه، وبجهالة أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي.

ومنها: رواية ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: سمع أبي رجلاً متعلِّقاً بالبيت وهو يقول: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد، فقال له أبي (عليه السَّلام): لا تبترها، لا تظلمنا حقَّنا، قل: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وأهل بيته) [11] ، وهذه الرِّواية ضعيفة بسهل بن زياد.

أقول: نحن عندنا تسالم في المسألة.

والإنصاف: أنَّه كلَّما ذُكِر النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله) يُصَلَّى عليه، وعلى آله.

__________

(2) سُنن أبي داود: ج1، ص257و976، وسُنن النسائي: ج3، ص48.

(3) الصواعق المحرقة: ص 146.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo