< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(3)

ذكرنا أن الصّحيحة تدلّ على إجزاء الشّهادة الأُولى، لا أيّهما، فلا تكون مستنداً للجعفي.

وعليه، فيكون قد أعرض عنها جميع الأعلام والمتأخِّرين، وإعراض مشهور المتقدِّمين، وإن لم يوجب الوهن، إلَّا أنّ إعراض الكلّ ممّا يوجبه.

وذكرنا أيضاً أنَّه يمكن أن يكون المقصود بهذه الصّحيحة بيان كفاية نفس الشّهادة مجردةً عن الزّوائد المستحبّة من التحميد والدُّعاء، ونحوهما، وليست واردةً في مقابل الشّهادة بالرّسالة، فكأنّ اعتبار الشّهادة بالرّسالة في ماهية التشهّد أيضاً كالشّهادة بالوحدانيّة كان معهوداً في تلك الأعصار.

وعليه، فأريد بهذه الصّحيحة نفي اعتبار سائر التوابع واللواحق.

ومن هنا نفهم جوابه عليه السلام في الفقرة الأخيرة بيان الاتّحاد في كيفيّة الشهادة ، وأنّ الواجب فيهما على حدّ سواء.

وممَّا يشهد لذلك صحيحة البزنطي (قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، التشهّد الذي في الثانية يجزي أن أقول ، في الرابعة؟ قال : نعم)[1] ، فلو لم يتحدا في كيفيَّة الشّهادة، بأن كان التشهّد الذي في الرّكعة الثانية خصوص الشّهادة بالتوحيد، لم يكن ذلك مجزئ في الرّكعة الرّابعة، مع أنّ الصّحيحة نصّت على الإجزاء.

وأمّا ما حُكي عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في المقنع من أنَّه يجزي في التشهّد أن تقول: الشّهادتين، أو تقول: بسم الله وبالله، فقد ضعَّفه المصنف في الذِّكرى، بمخالفته لإجماع الإماميَّة.

ولكن قد يستدلّ له بروايتين:

الأُولى: موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال : بسم الله فقط فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة)[2] .

الثانية: رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألته عن رجل ترك التشهّد حتى سلّم ، كيف يصنع؟ قال : إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنّه قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أو بسم الله ، أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير حتى يسلّم أعاد الصلاة)[3] .

وفيهما -مضافاً لضعف سند الثانية: بعبد الله بن الحسن، حيث إنّه مهمل- أنّهما واردتان في نسيان التشهّد، الذي لا تعاد الصَّلاة منه، لحديث (لا تعاد) الآتي في محله -إن شاء الله تعالى-.

وعليه، فصحَّة صلاته لدى تذكّره التلفّظ بـ بسم الله فقط، لا يدلّ على جواز الاكتفاء به عمداً.

وأمَّا ما تضمّنته الرّوايتان من الإعادة عند عدم التكلّم بقليل، ولا كثير، فهو محمول على الاستحباب، وذلك لحديث (لا تعاد).

وأمَّا الحكم بسجدتي السهو لدى التذكّر قبل التسليم في رواية عليّ بن جعفر، فغير واضح ، إلّا إذا أُريد به قبل إكمال السّلام، لا قبل التلبس به.

والذي يهوِّن الخطب: أنَّ الرِّواية ضعيفة ، والله العالم.

 

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّه يعتبر في التشهّد الصَّلاة على النَّبيّ وآله عليهم السلام ، قال المصنّف رحمه الله في الذكرى: (وتجب الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله فيه، بإجماعنا، وجعلها الشَّيخ في الخلاف ركناً... )[4]

 

وفي الجواهر: (بلا خلاف محقَّق أجده فيه، بل في الغنية والتذكرة والمنتهى والذّكرى وكنز العرفان، وعن المعتبر والحبل المتين، الإجماع عليهما صريحاً، وفي الخلاف عنه في المبسوط وغيره، بل عن الناصريات، وموضع من الخلاف، الإجماع أيضاً على وجوب الصَّلاة على النّبيّ في التشهّد الأوّل... ).[5]

أقول: لم يحكَ الخلاف في المسألة إلَّا عن الشَّيخ الصَّدوق ووالده وابن الجنيد (رحمهم الله).

قال المصنّف رحمه الله في الذّكرى: (والصّدوق في المُقْنِع اقتصر في التشهّدين على الشّهادتين، ولم يذكر الصَّلاة على النّبي وآله، ثمَّ قال: وأدنى ما يجزئ في التشهّد أن يقول: الشّهادتين، أو يقول: بسم الله وبالله، ثمَّ يسلّم؛ ووالده في الرّسالة لم يذكر الصَّلاة على النّبيّ وآله في التشهُّد الأوَّل، والقولان شاذَّان لا يعدان، ويعارضهما إجماع الإماميّة على الوجوب... ) .[6]

هذا، وقد نسب المصنّف في الذّكرى إلى ابن الجنيد القول بالاجتزاء بالصّلاة على النبي وآله في أحد التشهُّدين.

وقال في الجواهر -بعد أنِ ادَّعى انحصار نقل الخلاف في المسألة فيما حُكي عن الصَّدوق ووالده وابن الجنيد-: (مع أنَّ المحكي عن أمالي الأوَّل أنّ من دين الإماميّة الإقرار بأنّه يجزئ في التشهّد الشّهادتان، والصَّلاة على النّبيّ وآله عليهم السلام، فيقوى في الظّنّ أن تركها في مثل الفقيه لمعروفيَّة فِعل الصَّلاة عقيب اسم الرّسول.

ولا ينافيه قوله بعد ذلك فيه: ويجزيك في التشهّد الشّهادتان. على أنّ المحكي عنه وجوبها عند الذّكر ولو في غير التشهّد، فلعلّ الترك حينئذٍ لذلك -إلى أن قال:- وبنحو ذلك يقال بالنسبة إلى والده، سيما بعد أن حكى هو في الأمالي ما سمعته عن الإماميَّة، ووالده رئيس الإماميَّة باعتقاده، وكلامه نصب عينيه، فليس إلَّا لأنَّه لم يفهم الخلاف منه في ذلك.

وابن الجنيد رحمه الله لم يصل إلينا كلامه، وليس النقل كالعيان).[7]

أقول: سواء صحَّت نسبة الخلاف إلى الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله ووالده، أم لم تصحّ، فخلافهما كخلاف ابن الجنيد رحمه الله لا يضرّ في المقام، كما ذكر المصنّف رحمه الله في الذّكرى.

ومع ذلك يدلّ على اعتبارها في التشهّد جملة من الرّوايات من طرق العامّة والخاصّة، فمن طرق العامّة:

منها: ما رُوي عن عائشة (قَالَتْ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطَهُورٍ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ)[8] .

ومنها: ما عن ابن مسعود عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ)[9] .

ومنها: ما عن جابر الجعفي عن ابن مسعود (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَيَّ وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ)[10] .

وهذه الرِّوايات، وإن كانت ضعيفةً السَّند، كما لا يخفى، كما أنّ الأُولى لم يذكر فيها الصَّلاة على الآل، ولم يعيَّن فيها موضع الصَّلاة، كما لم يعيِّن في الثلاثة موضع الصّلاة، إلَّا أنَّها تصلح للتأييد.

وأمّا من طرق الخاصّة، فعدّة من الرّوايات:

منها: صحيحة أبي بصير وزرارة جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام (أنّه قال : من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّداً ، ومن صلّى ولم يصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له ، إنّ الله تعالى بدأ بها ، فقال : ( قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).[11]

 

ولكنّ أشكل على هذه الصّحيحة بثلاثة إشكالات:

الأول: أنّ التشبيه في غير محلّه، لأنَّ عدم إعطاء زكاة الفطرة لا يضرّ في صحّة الصوم، بخلاف المشبه به، وهو الصَّلاة، فإنَّها تبطل لو ترك الصَّلاة على النبي وآله عمداً.

إن قلت: نفكك في التشبيه، فنجعل وجه الشبه في الصوم هو الكمال، وفي الصَّلاة هو البطلان.

قلت: هذا قبيح في اللغة، فإنّ لها ضوابط يرجع إليها، ولا قرينة تشير إلى هذا التفكيك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo