< قائمة الدروس

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(17)

قوله : (ويؤخّر التسميع حتّى ينتصب على الأقرب)

كما في صحيحة زرارة ، وصحيحة حمّاد المتقدّمتين[1] ، وذكرنا هذه المسألة عند قول المصنِّف رحمه الله سابقاً : (ويستحبّ أنْ يقول - بعد انتصابه - سمع الله لمَنْ حمده ... ) ، فراجع .

قوله : (ويستحبّ للإمام رفع صوته بالذّكر والتسميع)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى : ( يستحبّ للإمام رفع صوته بالذِّكر في الرُّكوع ، والرّفع ليعلم المأموم ، لما سبق من استحباب إسماع الإمام المأمومين) ، ذكرنا سابقاً صحيحة أبي بصير الدّالة على ذلك ، عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : ينبغي للإمام أنْ يُسمِع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يُسمِعه شيئاً ممَّا يقول)[2] .

وإنَّما قلنا : هي صحيحة ، لأنَّ الحجَّال المذكور في السَّند ينصرف إمَّا إلى أبي محمَّد الحسن بن علي ، أو إلى عبد الله بن محمَّد الأسدي ، وكلّ منهما ثقة .

وأمَّا غيرهما ممّا يلقّب بالحجّال فلا ينصرف إليه عند الإطلاق ، وقد ورد في صحيحة زرارة المتقدّمة الجهر بالتسميع ، حيث ورد في ذيلها (ثمَّ قل : سمع الله لمَنْ حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمين ، أهل الجبروت والكبرياء ، والعظمة لله رب العالمين ، وتجهر بها صوتك ... )[3] .

قوله : (ويجوز الصَّلاة على النّبيّ وآله في الرّكوع والسّجود)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى : (وتجوز الصَّلاة على النّبيّ وآله في الرّكوع والسّجود ، بل تستحبّ ... ) .

أقول : قدِ استُدل لذلك بعدَّة روايات :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يذكر النّبيّ (صلى الله عليه وآله) - وهو في الصَّلاة المكتوبة - إمّا راكعا ، وإمّا ساجداً ، فيصلّي عليه وهو على تلك الحال ، فقال : نعم ، إنّ الصَّلاة على نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) كهيئة التكبير والتسبيح ، وهي عشر حسنان ، يبتدرها ثمانية عشر ملكاً أيّهم يبلغها إياه) [4] .

ومنها : صحيحة الحلبي (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كلّ ما ذكرت الله عزَّوجل به والنّبيّ (صلى الله عليه وآله) فهو من الصَّلاة ... ) [5] .

ومنها : رواية محمّد بن أبي حمزة عن أبيه (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : مَنْ قال في ركوعه وسجوده وقيامه : صلّى الله على محمد وآل محمد ، كتب الله له بمثل الرّكوع والسّجود والقيام)[6] .

ورواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في ثواب الأعمال عن محمَّد بن علي ماجيلويه عن محمَّد بن يحيى مثله ، إلَّا أنَّه قال : (اللهمّ صلّ على محمَّد وآل محمَّد كتب الله له ذلك بمثل) ، ولكنّها ضعيفة بكلا الطّريقين بالإرسال .

وأمَّا محمَّد بن علي ماجيلويه شيخ الصَّدوق رحمه الله فهو من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته ، ولا يخفى أنَّه لولا ضعف السَّند ، لكان الاستدلال بهذه الرِّواية أَولى من الصّحيحتين المتقدّمتين ، لأنَّ المدعى هو استحباب الصَّلاة ابتداءً في هذه المواضع .

والصّحيحتان تدلّان على الاستحباب من حيث ذِكره (صلى الله عليه وآله) على ما المشهور بين الأعلام من استحباب الصَّلاة على النّبي وآله متى ذكر .

قوله : (وتُكرَه قراءة القرآن فيهما)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وألحق الشَّيخ بالكراهيّة القراءة في الرّكوع ، وكذا يُكره عنده في السّجود والتشهّد ، وقد روى العامّة عن عليّ عليه السلام عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : أَلَا إنّي نُهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً[7] ، ولعلّه ثبت طريقه عند الشَّيخ رحمه الله ... ) .

وقال العلّامة رحمه الله في المنتهى (لا يستحبّ القراءة في الرّكوع والسّجود ، وهو وفاق لما رواه عليّ عليه السلام : أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله نهى عن قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود ، رواه الجمهور ... ) ، ولا يخفى ضعف الرّواية سنداً .

ومقتضى استدلالهما بالخبر الذي روته العامّة أنّهما لم يقفا في أخبارنا على ما يفيد ذلك .

ولكن عندنا عدَّة أخبار قد يستفاد منها الكراهة ، بمعنى أقليّة الثواب ، لا الكراهة الحقيقيَّة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال عليّ عليه السلام : نهاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) - ولا أقول : نهاكم - عن التختُّم بالذّهب ، وعن الثياب القسيّ - إلى أن قال : - وعن القراءة وأنا راكع) [8] .

قال الشَّيخ الصَّدوق : (ثياب القسي هي ثياب يؤتى بها من مصر ، يخالطها الحرير) .

ومنها : رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه (أنَّ عليًّا عليه السلام كان يقول : لا قراءة في ركوع ولا سجود ، إنّما فيهما المِدحة لله عزَّوجل ، ثمَّ المسألة ، فابتدءوا قبل المسألة بالمِدحة لله عزَّوجل ، ثمَّ اسألوا بعده) [9] ، ولكنّها ضعيفة بأبي البختري ؛ وظاهر هذه الرِّواية استحباب المسألة في الرُّكوع لدنيا ، أو دين ، والمعروف أنَّ ذلك في السُّجود .

نعم ، صرّح ابن الجنيد رحمه الله فقال : (لا بأس بالدّعاء فيهما - يعني الرُّكوع والسّجود - لأمر الدّين والدّنيا ، من غير أنَّ يرفع يديه في الرُّكوع عن ركبتيه ، ولا عن الأرض في سجوده) .

ومنها : مرفوعة القاسم بن سلام رفعه (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّي قد نهيت عن القراءة في الرُّكوع والسّجود ، فأمّا الرُّكوع فعظّموا الله فيه ، وأمَّا السُّجود فأكثروا فيه الدُّعاء فإنَّه قَمِن أنَّ يستجاب لكم) [10] ، أي جدير وحريّ أنَّ يستجاب لكم ، وهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص ، وبالرفع .

ومنها : ما رواه في الخِصال عن السّكوني عن الصَّادق عليه السلام عن عليّ عليه السلام (قال : سبعة لا يقرءون القرآن : الرّاكع ، والسّاجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمام ، والجنب ، والنفساء ، والحائض)[11] ، وهي ضعيفة لِعدم وثاقة حمزة بن محمَّد العلويّ ؛ وترضي الصَّدوق رحمه الله عليه لا يفيد التوثيق ، ولا المدح المعتدّ به .

قوله : (ولا يمدّ التكبير للرّكوع والسّجود)

قال المصنِّف في الذكرى : (ولا ينبغي مدّ التكبير قصداً لبقائه ذاكراً إلى تمام الهوي ، لما رُوي عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : التكبير جزم) .

لا يخفى أنَّ هذه الرِّواية التي ذكرها المصنّف رحمه الله هي رواية عاميّة ، ذكرها المصنّف رحمه الله في هذا المقام لعمومها .

والموجود عندنا من الأخبار الدَّالة على جزم التكبير هو ما تقدّم في أخبار الأذان ، ولا عموم فيها ، بحيث يشمل تكبير الرُّكوع والسّجود .

وبالجملة ، فهذه الرِّواية العاميّة ضعيفة جدّاً ، كما لا يخفى .

وذكر ابن أبي عقيل أنَّه يمتدّ ذلك إلى أنَّ يستقرّ ساجداً ، ولعلّه استند في ذلك إلى خبر المعلّى بن خنيس (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا أهوى ساجداً انكبّ وهو يكبّر)[12] .

وفيه أوَّلاً : أنَّه ضعيف بالمعلّى بن خنيس .

وثانياً : أنَّ غاية ما يدلّ عليه هو أنَّه يكبّر هاوياً ؛ وأمّا امتداده إلى هذا المقدار فلا دلالة عليه .

قوله : (ورُوي : أنّ زين العابدين (عليه السلام) كان إذا سجد انكبّ وهو يكبّر)

ذكرنا الرِّواية ، وقلنا : إنّها ضعيفة ، ولا تدلّ على امتداد التكبير إلى تمام الهويّ للسّجود ، والله العالم .

قوله : (فروع خمسة : الأوَّل : لو أتى بالذِّكر قبل إكمال الهوي أو أتمّه بعد رفعه عمداً بطل ، فإن تداركه صحّ ، ما لم يخرج عن حدّ الرّاكع)

قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى : (ويجب أن يأتي بالذّكر الواجب حال طمأنينته ، فلو شرع فيه قبل الطمأنينة أو أتمّه بعدها عامداً ، بطلت صلاته ، إلّا أن يعيده حيث يمكن العود) .

أقول : تارةً يفعل ذلك نسياناً ، وأخرى عمداً ، فإن كان ذلك نسياناً فلا يبعد الاجتزاء بما فعله ، لحديث لا تعاد .

ولذا قيَّد جماعة من الأعلام ، ومنهم المصنّف رحمه الله ذلك بالعمد .

وأمَّا لو فعل ذلك عمداً ، فإن لم يمكن التدارك لخروجه عن مسمّى الرُّكوع بطلت صلاته لحصول الإخلال العمدي .

وأمّا إذا أمكن التدارك ، فقد يقال : ببطلان الصَّلاة حتَّى مع إمكان التدارك ، وذلك للتشريع .

ولكن الإنصاف : أنَّه لا تبطل الصَّلاة مع إمكان التدارك ، بأن يجدِّد الذِّكر مطمئناً ، وذلك لبقاء المحلّ .

وأمَّا القول : بالبطلان للتشريع ، ففي غير محلّه ، إذ بطلان الجُزُء لا يستلزم بطلان الكلّ إذا أمكن التدارك .

وإن شئت فقل : إنّ المنهي إمّا تقديم الذّكر ، أو النهوض ، ولا شيء منهما يوجب بطلان الصَّلاة مع التدارك ، والله العالم .

 


[1] صحيحة زرارة في باب1 من أبواب الركوع ح1 ؛ وصحيحة حماد باب1 من أبواب أفعال الصّلاة ح1.
[7] مسند أحمد : ج1، ص114، صحيح مسلم : ج1، 349، ح480.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo