< قائمة الدروس

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(15)

ومنها : رواية الفضل بن شاذان عن الرّضا عليه السَّلام (قال : إنّما ترفع اليدان بالتكبير لأنَّ رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتّل والتضرّع ، ولأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب على ما قال وقصد ، ولأنّ الغرض من الذّكر إنّما هو الاستفتاح ، وكلّ سنّة فإنّما تؤدّي على جهة الفرض ، فلمّا أنْ كان في الاستفتاح الذي هو الغرض من رفع اليدين أحبّ أن تؤدّوا السّنة على جهة ما يؤدّى الفرض) [1] .

_____________

والشَّاهد هو قوله : (فلمّا أن كان في الاستفتاح الذي هو الغرض من رفع اليدين ... ) ، وهي صريحة في أنّ الغرض هو تكبيرة الإحرام، وما عداه سنّة مستحبّة ، ولكنّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص .

وممّا يؤيّد ما ذكرنا : هو اشتمال ما ورد فيه الأمر بالتكبير على كثير من المستحبّات المشعِرة بأنّ التكبير للرّكوع أيضاً كذلك .

والخلاصة : أنّ القول بالاستحباب - كما هو المشهور - هو الأقوى .

الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام أنّه يكبِّر للرّكوع قائماً منتصباً ، وبالمقابل ذهب الشّيخ رحمه الله في الخلاف إلى أنّه يجوز أن يهوي بالتكبير .

قال المصنّف رحمه الله في الذّكرى : (وهو حقّ إلّا أنّ التكبير في القيام أفضل) ، ووافقه جماعة من الأعلام ، منهم صاحب المدارك رحمه الله ، والسّيد الحكيم رحمه الله في المستمسك .

وقدِ استدلّ للقول الأوّل المشهور بين الأعلام بصحيحة زرارة المتقدمة (إذا أردت أن تركع فقل - وأنت منتصب - - الله أكبر ، ثم اركع ... )[2] ، وبحسنة زرارة المتقدمة أيضا (إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ، ثم اركع واسجد )[3] ، وبصحيحة حماد المتقدمة (أنَّه وضع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر ، وهو قائم ، ثمَّ ركع )[4] .

وقد يستدل لمَنْ ذهب إلى جواز التكبير حال الهوي بصحيحة زرارة المتقدمة أيضاً (إذا كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلَّا الله ، ثلاث مرات ، تكمله تسع تسبيحات ، ثمَّ تكبر وتركع)[5] ، فإنَّها مطلقة تشمل التكبير حال الهوي ، ولا موجب لحمل المطلق على المقيّد في المستحبّات .

أقول : هذا الكلام صحيح لو ثبت الإطلاق في صحيحة زرارة ، إلَّا أنَّه قد يتأمل في ثبوت الإطلاق ، لأنَّ الصحيحة ليست في مقام البيان من هذه الجهة ، بل في مقام بيان أصل استحباب التكبير للرّكوع .

فالإنصاف : أنَّ من أراد الإتيان بالتكبير حال الهوي فعليه أنَّ يأتي به بعنوان الذّكر المطلق الذي يجوز الإتيان به في جميع أحوال الصَّلاة ، لا بعنوان المشروعيّة والله العالم .

قوله : (ووضع اليدين على الركبتين ، والبدأة باليمنى)

كما في صحيحتي زرارة ، ففي الأُولى : (وتمكِّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ... )[6] ، وفي الثانية : (وتمكِّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركتبك اليمنى قبل اليسرى... )[7] .

قوله : (وتفريج الأصابع)

كما في الصحيحتين المتقدّمتين ، ففي الأُولى (وفرِّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ... ) ، وكذا في الثانية .

ولكن في صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن تفريج الأصابع في الرُّكوع أسنَّة هو ؟ قال : من شاء فعل ، ومن شاء ترك)(7) ، وهذه الرِّواية وإن كانت ضعيفة في كتاب قرب الإسناد بعبد الله بن الحسن ، حيث إنَّه مهمل ، إلَّا أنَّها صحيحة لوجودها في كتاب عليّ بن جعفر ؛ وقد يفهم منها أنَّ تفريج الأصابع ليس بسنَّة حال الرُّكوع .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ المراد منها أنّها ليست سنّة مؤكدةً ، أو ليس من الواجبات التي علمت من جهة السُنّة .

ثمَّ إنَّه لا موجب لتقييد ما ورد في الأخبار من الأمر بوضع الكفّين ، أو تمكين الراحتين من الركبتين ، بما ورد فيها من الأمر بتفريج الأصابع ، لما عرفت من أنَّ المطلق لا يحمل على المقيَّد في المستحبات .

وعليه ، فيجوز وضع اليدين بقصد المشروعيَّة بلا تفريج الأصابع ، والله العالم .

_____________

قوله : (وجعل شِبر بينهما وبين الرجلين تقريباً)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (الثامنة : يستحبّ أن يجعل بين القدمين والركبتين قدر شِبر كما كان في القيام ، ورواية زرارة متضمنة التفريج بين الركبتين والشِّبر بين القدمين ، والظّاهر أنّهما كالمتلازمين ، وصرّح ابن الجنيد بمراعاة ذلك بين الرّكبتين) .

أشار بذلك إلى صحيحة زرارة الأُولى ، حيث ورد فيها (فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك ، تجعل بينهما قدر شِبر - إلى أنَّ قال : - وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحبّ إليّ أنْ تمكّن كفّيك من ركتبيك فتعجل أصابعك في عين الرّكبة وتفرّج بينهما ... ) [8] ، وما ذكره رحمه الله من أنّهما كالمتلازمين فهو في محلّه ، إذ ليس هما متلازمين دائماً كما اقتضت التجربة بذلك .

قوله : (وتسوية الرّكبتين)

كما يدلّ عليه صحيحة حمّاد الحاكية لفعل الإمام الصَّادق عليه السلام ، وغيرها أيضاً .

قوله : (وتجنيح العضدين ، وفتح الإبطين ، وإخراج الذّراعين عن الجنبين)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ويستحبّ أن يجنح بمرفقيه مخرجاً ذراعيه عن ملاصقة جنبيه فاتحاً إبطيه) ، وفي الجواهر : (بل في جامع المقاصد الإجماع على استحباب التجافي فيه ، وفي المنتهى لا خلاف فيه ، والمراد به أنْ لا يضع شيئاً من أعضائه على شيء إلَّا اليدين ، أي لا يلصق يديه ببدنه ، بل يخرجهما عنه بالتجنيح ، وهو أنْ يخرج العضدين والمرفقين عن بدنه ، كالجناحين ، وقد يتحقّق التجافي أيضاً بفتح الإبطين أو إخراج الذّراعين عن الإبطين ... ) .

أقول : هذه الأمور متلازمة في الخارج ، أو شبه المتلازمة .

ويدلّ على استحباب التجنيح بعد التسالم صحيحة حمّاد الحاكية لفعل الإمام عليه السلام (من أنَّه لم يضع شيئاً من بدنه على شيءٍ منه في ركوع ولا سجود ، وكان متجنِّحاً ... )[9] .

ويدلّ عليه أيضاً : صحيحة محمَّد بن إسماعيل بن بزيع (قال : رأيتُ أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعاً أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع ، وكان إذا ركع جنح ببدنه)[10] .

قوله : (والنّظر إلى ما بين القدمين)

كما في صحيحتي زرارة المتقدّمتين ، ولكن ينافيهما صحيحة حمّاد المتقدّمة الدَّالة على استحباب التغميض حال الرّكوع .

وأجاب عن ذلك المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (بأنّه لا منافاة ، فإنّ النّاظر إلى ما بين قدميه يقرب صورته من صورة المغمِّض) ، وعن صاحب الجواهر : (أنَّ حماداً ظنّ أنَّه عليه السلام قد غمّض عينيه من جهة توجيهه نظره إلى ما بين قدميه) ، ولا بأس بهذا التوجيه جمعاً بين الأدلّة .

ثمَّ إنَّه لا منافاة أيضاً بين صحيحة حمّاد وبين رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى أن يغمض الرَّجل عينيه في الصَّلاة )[11]

وذلك أوَّلاً : لضعف رواية مسمع بالإرسال ، وبجهالة الحسين بن راشد .

وثانياً : أنَّ صحيحة حمّاد أخصّ منه .

ثمَّ إنَّه من جملة المستحبات أن يقول قبل ذكر الركوع - كما عن الباقر عليه السلام في صحيح زرارة - اللهمّ لك ركعت ، ولك أسلمت ، وعليك توكلت ، وأنت ربي ، خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي ، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ، سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسُّل ....


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo