< قائمة الدروس

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(13)

 

قوله : (وترتيله وإعرابه)

أما ترتيله فيستفاد ذلك من صحيحة زرارة المتقدِّمة ، حيث قال : (سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسُّل ، والترسُّل هو الترتيل ، لا سيّما أنَّه في بعض النسخ بدل الترسُّل (ترتيل) .

ويستفاد ذلك أيضاً من صحيحة حمّاد الحاكية لفعل الإمام الصَّادق عليه السلام - حيث ورد فيها - ( ثمَّ سبّح ثلاثاً بترتيل ... ) .

وأما استحباب إعرابه فلم يرد فيه شيء بالخصوص ، وقد يستفاد ذلك ممَّا تقدَّم في استحباب تعمُّد الإعراب في القراءة .

 

قوله : (ويجب رفع الرأس منه معتدلاً)

في المدارك : ( هذا مذهب علمائنا أجمع ... ) ، وفي الجواهر : (إجماعاً صريحاً محكياً في الغنية والذِّكرى وجامع المقاصد والمدارك وكشف اللثام وعن الوسيلة والتذكرة والمفاتيح ، وظاهراً في المعتبر ... ) .

وبالجملة ، فدعوى الإجماع مستفيضة ، وإن كان الإنصاف : أنَّ المسألة ممَّا تسالم عليها الأعلام قديماً وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه .

ويدل عليه أيضاً جملة من الأخبار المستفيضة :

منها : صحيحة حمَّاد الحاكية لفعل الصَّادق عليه السلام : (ثمَّ استوى قائماً فلمَّا استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده ... )[1] .

ومنها : النبويّ الذي ذكره المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ثمَّ ارفع رأسك حتّى تعتدل قائماً ... )(2) ، ولكنّه ضعيف بالإرسال .

ومنها : صحيحة أبي بصير (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا قمتَ إلى الصَّلاة فاعلم أنَّك بين يدي الله ، فإن كنت لا تراه فاعلم أنَّه يراك ، فأقبل قَبْل صلاتك - إلى أنَّ قال : - وإذا رفعت رأسك من الرُّكوع فأقم صلبك حتَّى ترجع مفاصلك ... )[2] .

ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا رفعت رأسك من الرّكوع فأقم صلبك فإنَّه لا صلاة لِمَن لم يقِم صلبه)[3] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال ، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد ، والظَّاهر أنَّه الجوهري .

_____________

(2) الذكرى : ص420 .

 

قوله : (مطمئناً فيه بأنْ ترجع الأعضاء إلى مستقرّها ، ويسكن ولو يسيراً)

في الجواهر : (بلا خلاف بين الأصحاب ، كما اعترف به غير واحد ، بل في الغنية وجامع المقاصد وكشف اللثام وعن التذكرة وغيرها الإجماع عليه ... ) .

والإنصاف : أنَّ العمدة في وجوب الاطمئنان هو التسالم بينهم ، كما في وجوب رفع الرأس من الرّكوع .

وأمّا الاستدلال لوجوب الاطمئنان بالأخبار المتقدّمة الآمرة بإقامة الصّلب والاعتدال ، ففي غير محلّه ، لأنّ الطمأنينة شيء زائد على الاعتدال وإقامة الصّلب .

ويظهر من قول المصنِّف رحمه الله : (ولو يسيراً) جواز تطويله ، وهو كذلك ، ما لم يكن ذلك منافياً ، كالسّكوت الماحي لصورة الصَّلاة .

وقال المصنّف رحمه الله في الذكرى (وقال في المبسوط : لو رفع رأسه من الرُّكوع وبقي يدعو ويقرأ ساهياً مضى في صلاته ولا شيء عليه ، ومفهومه أنَّه لا يتعمّده وأنّه لو تعمّده تغيّر الحكم ، وبعض المتأخرين اختار قول بعض العامّة من أنَّه لو طوّل عمداً بذكرٍ أو قراءةٍ بطلت صلاته ، لأنَّه واجب قصير ، فلا يشرع فيه التطويل ، ثمّ ذكر صحيحة معاوية بن عمار(1) الدّالة على أنَّ إطالة الدُّعاء في الصَّلاة أفضل من إطالة القراءة ثمَّ قال : وهذا يشمل الدُّعاء في جميع أحوال الصَّلاة وتطويله ؛ نعم لو خرج بذلك عن كونه مصليّاً بطلت صلاته) ، وذكرنا هذه الصحيحة سابقا ً2 .

ثمَّ إنَّه يضاف إلى ما ذكره المصنّف رحمه الله في الذّكرى : أنَّه لم يثبت تقييده بالقصر ، فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن التكليف بتقصيره ، وجواز إطالة قيامه وإن لم يتشاغل حاله بقراءة ذكرٍ أو دعاءٍ ، ما لم يكن منافياً لصورة الصَّلاة ، والله العالم .

قوله : (وفي ركنيّتها وركنيّة الرفع قولان)

ادعى الشَّيخ في الخلاف : (الإجماع على ركنيتهما) ، ومقتضى ذلك بطلان الصَّلاة بالإخلال بهما عمداً وسهواً .

ولكنَّك عرفت في أكثر من مناسبة عدم حجيّة الإجاع المنقول بخبر الواحد ، لا سيّما مع ذهاب الأكثر إلى عدم الركنيّة .

أضف إلى ذلك : أنَّ حديث (لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة : الطّهور والوقت والقبلة والرّكوع والسّجود ... )[4] حاكم على سائر الأدلّة المثبتة للأجزاء والشّرائط .

_____________

(1) الوسائل باب6 من أبواب التعقيب ح1 .

(2) المجلد الثالث من الصَّلاة ، ص620 ، آخر صفحة من الكتاب .

 

قوله : (ويستحبّ أن يقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين ، أهل الجبروت والكبرياء ، والعظمة لله رب العالمين ، جهراً لغير المأموم)

المشهور بين الأعلام استحباب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد ، ونقل المحقِّق عن الخلاف : (أن الإمام والمأموم يقولان : الحمد لله رب العالمين ، أهل الكبرياء والعظمة - ثمَّ قال : - وهو مذهب علمائنا) .

أقول : يدلّ على الاستحباب صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام - حيث ورد في ذيلها - ( ثمَّ قل : سمع الله لمَنْ حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمين ، أهل الجبروت والكبرياء ، والعظمة لله رب العالمين ، تجهر بها صوتك ، ثمَّ ترفع يديك بالتكبير وتخرّ ساجداً)[5] .

ولقد أجاد المصنِّف في الذكرى ، حيث قال - بعد ذكره لهذه الصّحيحة - : (وفيه دليل على الجهر بهذه ، ولعلّه لغير المأموم ، إذ يستحبّ الإخفات له في جميع أذكاره) .

ثمَّ إنَّك قد عرفت أنَّ الاستحباب ثابت للإمام والمأموم والمنفرد ، ولكن قال صاحب المدارك رحمه الله : (ولو قيل : باستحباب التحميد خاصّة للمأموم ، كان حسناً ، لما رواه الكليني رضي الله عنه في الصّحيح عن جميل بن دراج ، قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام قلتُ : ما يقول الرَّجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمَنْ حمده ؟ قال : يقول : الحمد لله رب العالمين ، ويخفض من الصّوت ... )[6] .

وبالجملة ، فإنّ ظاهر كلام صاحب المدارك رحمه الله أنَّه لا تستحبّ السّمعلة للمأموم ، وإنّما يستحبّ له فقط قول : الحمد لله رب العالمين ، استناداً إلى رواية جميل المتقدّمة .

وفيه أوَّلاً : أنَّها ضعيفة ، وليست صحيحة ، لما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ محمَّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني ليس هو ابن بزيع الثقة ، بل الظّاهر أنَّه البندقي النيسشابوري المجهول .

وثانياً : أنَّ الاستدلال في الرِّواية مبنيّ على رجوع ضمير (قال) إلى الإمام ، أي إذا قال الإمام : سمع الله لمَنْ حمده ، يقول المأموم : الحمد لله رب العالمين ، فالمستحبّ للمأموم حينئذٍ هو هذا القول فقط .

ولكن يحتمل رجوع الضّمير للمأموم ، أي إذا قال المأموم : سمع الله لمَنْ حمده ، فيستحب له أيضاً أنْ يقول : الحمد لله رب العالمين ؛ ولكنّ الظاهر أنَّ رجوعه للإمام أقرب .

والذي يهوِّن الخطب : أنَّها ضعيفة .

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وذهب ابن أبي عقيل في ظاهر كلامه وابن إدريس وصرّح به أبو الصّلاح وابن زهرة إلى أنَّه يقول : سمع الله لمَنْ حمده في حال ارتفاعه ، وباقي الأذكار بعد انتصابه) .

ثمَّ قال المصنِّف رحمه الله - ولقد أجاد فيما يقال - : (وهو مردود بالأخبار المصرِّحة بأن الجميع بعد انتصابه ، وهو قول الأكثر) .

 

]بقي شيء في المقام ، أنَّه ما المراد بالسَّمعلة في الرِّواية ، هل هو الدُّعاء أم الثناء ؟

الظاهر أنَّ المراد بها هو الدُّعاء ، كما تؤيِّده[ رواية المفضّل (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ! علّمني دعاءً جامعاً ، فقال لي : احمد الله ، فإنَّه لا يبقى أحد يصلّي إلَّا دعا لك ، يقول : سمع الله لمَنْ حمده)[7] ، ولكنَّها ضعيفة ، لتردّد المفضّل بين كونه بن صالح أبا جميلة الضعيف ، وبين كونه ابن عمر الثقة عندنا ، كما أنَّ أبا سعيد القماط الموجود في السَّند ]مردَّد بين أخوين : خالد بن سعيد وصالح بن سعيد ، ولكلّ منهما كتاب ، وكلّ منهما مكنّى بهذه الكنية ، وقد وثّق النجاشي الأوّل ولم يرد توثيق في الثاني .

وقدِ ادُّعي الانصراف إلى خصوص الثقة ، ولكنَّه يبقى انصرافاً خارجيًّا ، لا حجيّة له .

ثمَّ إنّ تعدية (سمع الله لمن حمده) باللام إنَّما هو لتضمّنه معنى الاستجابة ، كما أنَّ قوله تعالى : ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى﴾ ضمن معنى الإصغاء [.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo