< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/12/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(11)

الأمر الثالث : قد عرفت كفاية مطلق الذِّكر من التسبيح والتحميد والتهليل ، فهل يشترط أنْ يكون الذِّكر بقدر الثلاث الصُّغريات ، أم يكفي مسمَّى الذِّكر ؟

المعروف بين الأعلام أنَّه يشترط أنْ يكون الذّكر بقدر ثلاث تسبيحات صِغار ، منهم صاحب الجواهر رحمه الله ، حيث قال : ( إذِ الظّاهر أنَّا ، وإن قلنا : بعدم تعين التسبيح والاجتزاء بغيره من الذِّكر ، لكنّ المتّجه في الجمع بين النصوص التزام كونه ثلاثاً بقدر التسبيح ، وفاقاً لصريح الرّياض ، وظاهر المحكي عن أمالي الصَّدوق رحمه الله ، قال : من دين الإمامية الإقرار بأنَّ القول في الرُّكوع والسّجود ثلاث تسبيحات - إلى أنْ قال : - ومَنْ لم يسبِّح فلا صلاة ، إلَّا أنَّ يُهلِل أو يكبِّر أو يصلّي على النّبي وآله بعدد التسبيح ، فإنّ ذلك ... ) .

والإنصاف : هو ما ذكره هؤلاء الأعلام - وهو عدم كفاية مسمَّى الذكر - إذ صحيحتا الهشامين المتقدِّمتين ليس لهما إطلاق من هذه الجهة ، لوردهما مورد حكم آخر ، وهو كفاية الذِّكر عن التسبيح .

مع أنَّه لو سلّمنا أنَّ لهما إطلاقاً من هذه الجهة ، إلَّا أنَّه لا بدّ من تقييدهما بكون الذِّكر بقدر ثلاث تسبيحات جمعهما بينهما وبين حسنتي مسمع أبي سيار :

الأُولى : عن أبي عبد الله عليه السلام ( قال : يجزيك من القول في الرُّكوع والسّجود ثلاث تسبيحات ، أو قدرهنّ مترسّلاً ، وليس له - ولا كرامة - أنَّ يقول : سبّح سبّح سبّح)[1] .

والثانية : عن أبي عبد الله عليه السلام أيضاً (قال : لا يجزي الرَّجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ) [2] .

الأمر الرّابع : قال المصنّف رحمه الله في الذّكرى : ( وأكثر الرّوايات خالية من لفظ (وبحمده) ؛ والأَولى وجوبها لثبوتها في خبر حمّاد في الرُّكوع والسّجود ، وكرّر الكبرى فيه ثلاثاً ... ) .

وفي المدارك : (واعلم أنَّ كثيراً من الأخبار ليس فيها لفظ (وبحمده) في تسبيحي الرُّكوع والسّجود - إلى أنْ قال : - فالقول باستحبابه أَولى ؛ ذهب الشّهيد والمحقق الشَّيخ عليّ إلى الوجوب ، مع اجتزائهما بمطلق الذّكر ، وهو عجيب) .

وحُكي الاستحباب أيضاً عن جماعة من الأعلام ، بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر .

ولكن يظهر من أعاظم الأصحاب أو صريحهم تعيّن لفظ (وبحمده) ، فالشيخ المفيد والسّيد والشّيخ في جملة من كتبه، والديلمي والفاضل والمصنِّف في الذّكرى وهنا - الدروس - بل في كشف اللثام أنَّه المشهور فتوًى وروايةً .

أقول : هذا هو الإنصاف .

وأما قول المصنِّف رحمه الله وقول صاحب المدارك رحمه الله : إنَّ أكثر الرّوايات خالية من لفظ (وبحمده) ، ففي غير محلّه ، بل أكثر الرّوايات مشتملة عليه ، فعن حاشية المدارك للمحقّق البهبهاني رحمه الله : (أنَّها مذكورة في تسعة أخبار : صحيحة زرارة[3] ، وصحيحة حمّاد[4] ، وصحيحة عمر بن أذينة المرويّة[5] في علل الأذان ، والصّدوق رواها في العِلل بطرق متعدّدة، ورواية إسحاق بن عمّار[6] ، ورواية هشام بن الحكم عن الصَّادق[7] ، ورواية هشام عن الكاظم عليه السلام[8] ، ورواية أبي بكر الحضرمي[9] ، وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه السلام[10] ، ورواية حمزة بن حمران والحسن بن زياد[11] ) .

وزاد في مفتاح الكرامة ثلاث روايات : رواية إبراهيم بن محمَّد الثقفي في كتاب الغارات[12] ، ورواية كتاب العِلل لمحمَّد بن عليّ بن إبراهيم[13] ، وما في فِقه الرّضوي[14] .

فيكون المجموع : اثنتي عشرة ، فإذا أضيف إليها ما في دعائم الإسلام ، والمرسل المحكي عن هداية الصَّدوق رحمه الله يكون المجموع : أربع عشرة روايةً .

قال في الجواهر : (بل روته العامّة في أخبارهم ، فضلاً عن الخاصّة ، فعن ابن مسعود أنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : إذا ركع أحدكم فَلْيقل ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم وبحمده

[15] ، ومثله عن حديفة[16] ) .

أقول : أكثر هذه الأخبار ذكرناها سابقاً ، وبيّنا أنَّ جملة منها ضِعاف .

وأمَّا الرّوايات غير المذكور فيها لفظ (وبحمده) فهي ثلاثة :

الأُولى : رواية هشام بن سالم المتقدّمة (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في الرُّكوع والسّجود ، فقال : تقول في الرُّكوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السُّجود سبحان ربي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسّنة ثلاث ، والفضل في سبع) [17] ، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن عروة.

الثانية : رواية عقبة بن عامر الجهني (أنَّه قال : لمَّا نزلت {فسبِّح باسم ربك العظيم} قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اجعلوها في ركوعكم ، فلمَّا نزلت {سبِّح اسم ربك الأعلى} قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اجعلوها في سجودكم) [18] ، وهي ضعيفة أيضاً بعدَّة من المجاهيل .

أضف إلى ذلك : أنَّه يحتمل أن يكون ما ترك فيه لفظ (وبحمده) في هاتين الرّوايتين لأجل الاكتفاء في بيان الكلّ ببيان البعض .

ويشير إلى ذلك ما رواه الشَّيخ بسنده إلى حمزة ابن حمران والحسن بن زياد (قالا : دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام ، وعنده قوم ، فصلَّى بهم العصر ، وقد كنَّا صلّينا ، فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم ، أربعاً أو ثلاثاً وثلاثين مرةً ، وقال أحدهما في حديثه : وبحمده ، في الرُّكوع والسّجود) [19] ، فإن ترك الآخر للفظ (وبحمده) لم يكن إلَّا لأجل معروفيّة هذه الكلمة في التسبيح .

ولكنّ الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة حمزة بن حمران ، وجهالة الحسن بن زياد .

الثالثة : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ، حيث ورد فيها - على ما في بعض نسخ التهذيب - ( ثمَّ قل : سبحان ربي الأعلى ، ثلاث مرات ... ) ، وفي بعض النسخ المصحّحة : ( سبحان ربي الأعلى وبحمده ) .

وأمَّا نسخة الكافي فمشتملة عليها[20] ، وهي أضبط بكثير من نسخ التهذيب .

وعليه ، فإذا لم نطمئنّ باشتمال الرِّواية على كلمة (وبحمده) فلم نحرز حينئذٍ ما هو الصّادر عن الإمام عليه السلام .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الأقوى تعيّن كلمة (وبحمده) ، مع التسبيحة الكبرى ، والله العالم .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo