< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(9)

قوله : (وهو سبحانََ ربيَ العَظِيمِ وبحمْدِه ، على الأقرب ، أو سبحانَ اللهِ ثلاثاً)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى : (يجب الذِّكر فيه ، إجماعاً منَّا) ، وفي المدارك : (أجمع الأصحاب على وجوب الذِّكر في الرُّكوع ، وإنَّما اختلفوا في تعيينه ...) ، وفي الجواهر : ( الواجب الخامس : الذِّكر في الجملة ، إجماعاً محصَّلاً ومحكيّاً ... ) .

أقول : من المتَّفق عليه بين الأعلام في جميع الأعصار والأمصار وجوب الذِّكر في الرُّكوع في الجملة ، بل هو متَّفق عليه بين جميع المسلمين ، بل هو من البديهات ، ولكن وقع الكلام في عدَّة أمور لا بدَّ من التعرُّض لها لكي يتضح الحال ، ولا يشذّ في المسألة شيء ممَّا ينبغي الكلام حوله :

الأوَّل : هل يتعيَّن التسبيح خاصَّةً , أو يجزئ مطلق الذِّكر ؟

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (والمعظم على تعيُّن التسبيح ، إلَّا الحليين الأربعة ابن إدريس وسبطه ويحيى والفاضلين رحمهم الله تعالى ، وفي المبسوط إشارة إليه ...) .

وممَّن ذهب إلى تعيُّن التسبيح أيضاً الشَّيخ في باقي كتبه والشَّيخ المفيد والسَّيد المرتضى وابني بابويه وابن البرَّاج وسلَّار وابن حمزة وابن الجنيد (قدس الله أسرارهم) ، وادَّعى عليه السَّيد المرتضى رحمه الله في الانتصار ، والشَّيخ رحمه الله في الخِلاف ، وابن زهرة رحمه الله في الغنية : الإجماع ؛ والظَّاهر أنَّه المشهور بين المتقدِّمين .

وأمَّا مَنْ ذهب إلى إجزاء مطلق الذِّكر غير من ذكرهم المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى مشهور المتأخِّرين ، منهم الشَّهيد الثاني وصاحب المدارك وصاحب الجواهر والمحقِّق الهمداني والسَّيد الحكيم في المستمسك والسَّيد أبو القاسم الخوئي (قدس الله أسرارهم) .

وأمَّا مَنْ ذهب إلى تعيُّن التسبيح ، فقدِ استُدلّ بعدَّة روايات آمرة بالتسبيح ، سيأتي التعرُّض لها إن شاء الله تعالى في الأمور الآتية ، ونذكر منها على سبيل المثال صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : قلتُ له : ما يجزئ من القول في الرُّكوع والسُّجود ؟ فقال : ثلاث تسبيحات ترسُّل ، وواجدة تامَّة تجزئ)(1) .

والإنصاف : أنَّ جملة من هذه الرِّوايات ظاهرة في تعيُّن التسبيح - ولكن لا بدَّ من رفع اليد عن هذا الظَّاهر جمعاً بينها وبين بعض الرِّوايات الصَّحيحة ، أو الأظهر الاجتزاء بمطلق الذكر - :

منها : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : يجزئ أنْ أقول مكان التسبيح في الرُّكوع والسُّجود لا إله إلَّا الله والحمد لله والله أكبر ؟ فقال : نعم ، كلُّ هذا ذِكْرُ الله)(2) ، ورواها في الكافي بطريق حسن ، ورواها ابن إدريس رحمه الله في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمَّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمَّد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم ، وهي صحيحة أيضاً بهذا الطريق ، لأنَّ ابن إدريس وإن لم يذكر فيما استطرفه في آخر السرائر طُرُقه إلى أصحاب الأصول إلَّا أنَّه ذكر أنَّ نوادر محمَّد بن علي بن محبوب موجود عنده بخط الشَّيخ أبي جعفر الطوسي .

وعليه ، فالطريق إلى نفس الكتاب معتبر ، وغير قابل للمناقشة ؛ وأمَّا غير هذا الكتاب فحيث لم يذكر ابن إدريس رحمه الله طريقه إليه يكون بحكم المرسل .

ومنها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (وقال : سألتُه يجزِئ عنِّي أنَّ يقول (أقول) مكان التسبيح في الرُّكوع والسُّجود لا إله إلَّا الله ، والله أكبر ؟ قال : نعم)(3) .

_______________

(1) الوسائل باب4 من أبواب الركوع ح2 .

(2و3) الوسائل باب7 من أبواب الركوع ح1و2 .

 

ومقتضى الجمع العرفي : حمل روايات التسبيح على كونه أفضل الأفراد ، بل يفهم من الأخبار أنَّ التسبيح هو الأصل ، والذِّكر وقع رخصةً كما يشير إليه هنا ما تقدَّم في صحيحتي الهِشامَيْن من قولهما : (يجزئ أنَّ أقول مكان التسبيح) .

بل يحتمل أنْ يكون مراد القائلين بتعيُّن التسبيح في فتاواهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية تعيُّنه من حيث التوظيف في أصل الشَّرع ؛ في مقابل أبي حنيفة والشَّافعي وأحمد المنكرين لاستحباب هذا التسبيح المعروف بين الإماميَّة .

والخلاصة : أنَّ روايات التسبيح تحمل على الأفضليَّة ، وروايات الذِّكْر على الرخصة والإجزاء .

لا يقال : إنَّ صحيحتي الهِشامَيْن أعرض عنهما مشهور القدماء ، والإعراض يوجب الوهن .

فإنَّه يُقال - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّ إعراض المشهور لا يوجب الوهن ؛ هذا ، من حيث الكبرى .

وأمَّا من حيث الصُّغرى فلم يثبت أيضاً الإعراض عنهما ، إذ لم يتضح لنا الوجه في عدم عمل مشهور المتقدِّمِين ، ومجرد عدم العمل ليس إعراضاً .

ويؤيِّد ما ذكرنا : حكاية القول بكفاية مطلق الذِّكر عن الشَّيخ في المبسوط ، , بل عن ابن إدريس رحمه الله دعوى الإجماع عليه .

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ مفاد الصَّحيحتَيْن هو مجرد كون كلّ ذِكْر يجزئ مكان التسبيح ، وأمَّا أنَّه يجتزئ به مطلقاً ولو بمسمَّاه فلا يُفهم منهما ، إذ ليس لهما إطلاق من هذه الجهة لورودهما في مورد حكم آخر ، مع أنَّه على تقدير ثبوت الإطلاق لهما من هذه الجهة فيجب تقييده بكون الذِّكْر بقدر ثلاث تسبيحات , جمعاً بينهما وبين حسنتي أو صحيحتي مَسْمَع أبي سيار الآتيتين .

الأمر الثاني : اختلف القائلون بتعيُّن التسبيح على أقوال :

أحدها : القول بجواز التسبيح مطلقاً ، أي أعمّ من الصُّغرى والكبرى ، وهو منقول عن السَّيد المرتضى رحمه الله .

وثانيهما : وجوب تسبيحة كبرى ، وهي سبحانَ ربيَ العَظِيمِ وبحمْده ، وهو قول الشَّيخ رحمه الله في النهاية .

وثالثها : تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات ، وهي سبحانَ اللهِ ثلاثاً ، ونقل عن ظاهر ابني بابويه (رحمهما الله) ، وهو ظاهر التهذيب , كما ذكره في المدارك .

رابعها : وجوب ثلاث مرات على المختار ، وواحدة على المضطرّ ، وهو منقول عن أبي الصَّلاح رحمه الله ، ونقل عنه في المختلف أنَّه قال : (أفضله سبحانَ ربيَ العَظِيمِ وبحمْده ، ويجوز سبحانَ اللهِ) ، وهو ظاهر في تخيير المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات .

خامسها : وجوب ثلاث تسبيحات كبريات ، نسبه العلَّامة رحمه الله في التذكرة إلى بعض علمائنا .

أقول : منشأ هذه الأقوال هو اختلاف الرِّوايات الواردة في المسألة ، فلا بدَّ من ذِكْر هذه الرِّوايات ، ثمَّ نرى كيفيَّة الجمع بينها :

منها : رواية هشام بن سالم (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن التسبيح في الرُّكوع والسُّجود ، فقال : تقول في الرُّكوع : سبحانَ ربيَ العَظِيم ، وفي السُّجود سبحانَ ربيَ الأعلى ؛ الفريضة من ذلك تسبيحة , والسنَّة ثلاث ، والفضل في سبع)(1) ، ولكنَّها ضعيفة ، لعدم وثاقة القاسم بن عروة .

_______________

(1) الوسائل باب4 من أبواب الركوع ح1 .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo