< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرّكوع في الصَّلاة(7)

 

قوله : (وتجب الطُّمأْنينة فيه وإن لم يحسن الذِّكْر ، وفي ركنيَّتها قولان ، ولا تجزئ الزِّيادة في الهوي عنها مع اتصال الحركات ، وحدّها أن يسكن بقدر الذِّكْر الواجب ، عَلِمَه أو لا)

الطُّمأْنينة : بضمِّ الطَّاء وسكون الهمزة بعد الميم ، وفي المدارك : (المراد بالطمأنينة استقرار الأعضاء وسكونها في حدِّ الركوع ، وهي واجبة بقدر ما يؤدِّي الذِّكْر الواجب باتِّفاق علمائنا ، قاله في المعتبر ... ) .

وفي الحدائق : (ووجوبها بهذا القدر ممَّا لا خلاف فيه ، ونقل الإجماع عليه ، وهو الحجَّة بعد الاقتصار على المتيقَّن وقوعه من أرباب الشَّرع وأتباعهم ، كما يُومِئ إليه النصوص البيانيَّة المشتملة على كيفيَّة الرُّكوع بتمكّن الكفَّيْن والراحتَيْن ، وأنَّه كان إذا ركع أمكن استقرار الماء على ظهره ... ) .

أقول : قدِ استُدلّ على وجوب الطُّمأْنينة بقدر ما يؤدِّي واجب الذِّكر بعدَّة أدلَّة :

منها : نقل الإجماع المستفيض .

وفي الواقع أنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام في جميع الأعصار والأمصار ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه ، وهذا هو الإنصاف .

ومنها : ما رواه المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى مرسِلاً (من أنَّ رجلاً دخل المسجد - ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في ناحية المسجد - فصلَّى ، ثمَّ جاء فسلَّم عليه ، فقال (صلى الله عليه وآله) : وعليك السَّلام ، ارجع فصلِّ ، فإنَّك لم تصلِّ ، فرجع فصلَّى ، ثمَّ جاء فقال له : مثل ذلك ، فقال له الرَّجل في الثالثة : علِّمني يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ! فقال : إذا قمت إلى الصَّلاة فاسبغ الوضوء ، ثمَّ استقبل القبلة فكبِّر ، ثمَّ اقرأ بما تيسَّر معك من القرآن ، ثمَّ اركع حتَّى تطمئنّ راكعاً ، ثمَّ ارفع رأسك حتَّى تعتدل قائماً ، ثمَّ اسجد حتَّى تطمئنّ ساجداً ، ثمَّ ارفع حتى تستوي قائماً ، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلَّها )[1] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

وقال صاحب الحدائق رحمه الله : (وهذا الخبر لم أقف عليه في ما وصل إليَّ من كتب الأخبار حتَّى كتاب البحار ، إلَّا في كتاب الذِّكرى) .

ثمَّ إنَّه مع قطع النَّظر عن ضعفها سنداً ، فالشَّاهد هو قوله (صلى الله عليه وآله) : ( ثمَّ اركع حتَّى تطمئنَّ راكعاً) .

والإنصاف : أنَّ الأمر وإن كان دالاً على وجوب الطُّمأْنينة في الرُّكوع إلَّا أنَّه دلَّ عليها في الجملة ؛ ولا يستفاد منه وجوبها بمقدار الذِّكْر الواجب .

ومنها : صحيحة بكر بن محمَّد الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام ( قال : سأله أبو بصير - وأنا جالس عنده - عن الحور العين ، فقال له : جعلت فداك ! أَخَلْق من خَلْق الدُّنيا أم خَلْق من خَلْق الجنة ؟ فقال : ما أنت وذاك ، عليك بالصَّلاة ، فإنَّ آخر ما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحثَّ عليه الصَّلاة ، إياكم أن يستخفَّ أحدكم بصلاته ، فلا هو إذا كان شابّاً أتمَّها ، ولا هو إذا كان شيخاً قوي عليها ، وما أشدّ من سرقة الصَّلاة ، فإذا قام أحدكم فَلْيعتدل فإذا ركع فَلْيتمكَّن ، وإذا رفع رأسه فَلْيعتدل ، وإذا سجد فَلْينفرج وَلْيتمكَّن ، وإذا رفع رأسه فَلْيلبث حتَّى يسكن) [2] .

 

وإنَّما نقلناها بطولها لما فيها من المواعظ والأحكام الكثيرة ، وقد عبَّر كثير من الأعلام عن الصَّحيحة بالخبر المشعر بضعفها ، لوجود السَّقط بين أحمد بن إسحاق الأشعري وبكر بن محمَّد الأزدي ، لأنَّ الظَّاهر أنَّ المراد من أحمد بن إسحاق الَّراوي عن بكر بن محمَّد هو الأشعري لا الرَّازي، وإن كان كلّ منهما ثقة .

وأمَّا وجه الاستظهار أنَّه الأشعري : هو أنَّ الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله ذكره في المشيخة في طريقه إلى بكر ، مصرِّحاً بالأشعري .

ثمَّ إنَّ وجه السَّقْط : هو أنَّ أحمد بن إسحاق الأشعري من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري عليهم السلام ، وقد رأى الإمام المهدي عجل الله فرجه الشَّريف .

وعليه ، فكيف يروي مباشرةً عن بكر بن محمَّد ، وهو من أصحاب الإمام الصَّادق عليه السلام ؟!

والجواب : أنَّ الشَّيخ رحمه الله ذكر أنَّ بكر بن محمَّد من أصحاب الإمام الصَّادق وأصحاب الإمام الكاظم وأصحاب الإمام الرِّضا عليهم السلام ، وفي ترتيب اختيار الكشِّي بكر بن محمَّد الأزدي من أصحاب الرِّضا عليه السلام .

وقال النجاشي رحمه الله عند ترجمته لبكر بن محمَّد الأزدي : (وكان ثقةً ، وعمَّر عمراً طويلاً ... ) .

وعليه ، حينئذٍ من رواية أحمد بن إسحاق الأشعري عن بكر بن محمَّد .

فالإنصاف : أنَّ الرِّواية صحيحة ؛ والشَّاهد هو قوله عليه السلام : ( فإذا ركع فَلْيتمكَّن) .

ولكن يشكل عليه - كما أشكلنا على مرسلة الذِّكرى - : أنَّ هذه الصَّحيحة وإن كانت دالَّةً على وجوب الطمأنينة في الرُّكوع إلَّا أنَّها دالَّة عليه في الجملة ، لا على وجوبها بمقدار الذِّكر الواجب .

اللهمَّ إلَّا أن يُقال : أنَّ قوله عليه السلام : (فإذا ركع فَلْيتمكَّن) ظاهر في شرطيَّة الاستقرار للرُّكوع ما دام كونه راكعاً ، فيجب حينئذٍ بقاؤه مستقرّاً إلى أن يتحقَّق الفراغ من الذِّكْر الواجب في الرُّكوع من باب المقدِّمة .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ قوله عليه السلام : (فإذا ركع فَلْيتمكَّن) وإن كان ظاهراً في شرطيَّة الطمأنينة في الرُّكوع ، وليست واجبة وجوباً نفسيّاً مستقلًّا ضمن الرُّكوع ، كالذِّكر ، حيث إنَّه واجب مستقلًّا إلَّا أنَّه مع ذلك لا يستفاد من الصَّحيحة كون الطمأنينة معتبرةً بمقدار الذِّكْر الواجب .

ومنها : حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : بَيْنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذ دخل رجل فقام يصلِّي ، فلم يتمَّ ركوعه ولا سجوده ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا - وهكذا صلاته -ليموتنَّ على غير ديني) [3] ، ورواها البرقي في المحاسن عن ابن فضَّال عن عبد الله بن بكير عن زرارة ، فتكون موثَّقة بطريق البرقي .

ومثلها من حيث المضمون ما رواه البرقي في المحاسن عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : أبصر عليّ بن أبي طالب رجلاً ينقر صلاته ، فقال : منذ كم صلَّيت بهذه الصَّلاة ؟ فقال له الرجل : منذ كذا وكذا ، فقال : مثلك عند الله مثل الغراب إذا نقر ، لو متَّ متَّ على غير ملَّة أبي القاسم محمَّد ، ثمَّ قال علي عليه السلام : إنَّ أسرق النَّاس مَنْ سرق من صلاته) [4] ، وهذه الرِّواية ضعيفة بالإرسال لأنَّ عبد الله بن ميمون القداح من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام .

 


[1] الذكرى باب3 من المسألة الأولى من مسائل الركوع، ص363.
[2] الوسائل باب8 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح14.
[3] الوسائل باب3 من أبواب الرُّكوع ح1.
[4] الوسائل باب9 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo