< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : الرّكوع في الصَّلاة(5)

 

وقد عرفت سابقاً أنَّ هناك تسالماً على عدم وجوب وضع اليدين على الرّكبتين فيحمل حينئذٍ الانحناء إلى هذا المقدار على الاستحباب .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ هذا القول الثالث ليس بتامّ .

وأمَّا القول الأوَّل - وهو الاجتزاء بوصول أطراف الأصابع إلى الرّكبة ، والذي نسبه في البحار إلى المشهور - : فقدِ استُدل له بروايتين :

الأُولى : صحيحة زرارة الثانية (فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك على ركبتيك أجزأك ، وأحبُّ إليَّ أن تمكِّن كفَّيْك من ركبتَيْك) [1] ، فإنَّها صريحة في الاجتزاء بمجرد وصول أطراف الأصابع إلى الركبة .

الثانية : ما رواه المحقِّق رحمه الله في المعتبر ، والعلَّامة رحمه الله في المنتهى ، عن معاوية بن عمَّار ومحمَّد بن مسلم والحلبي قالوا : (بلِّغ بأطراف أصابعك عينَ الرُّكبة ، فإنْ وصلتْ أطرافُ أصابعك في ركوعك إلى ركبتَيْك أجزأك ذلك ، وأحبُّ أن تمكِّن كفَّيك من ركبتيك)[2] [3] .[4]

قال صاحب الحدائق رحمه الله : (والظَّاهر أنَّ هذه الرِّواية قد نقلها المحقِّق من الأصول التي عنده ، ولم تصل إلينا إلَّا منه ، وكفى به ناقلاً) .[5]

وفيه : أنَّ الأمر وإن كان كذلك إلا أنَّ المحقق رحمه الله لم يذكر طريقه إلى معاوية ومحمَّد بن مسلم والحلبي ، فتكون حينئذٍ مرسلةً ، لا يمكن الاعتماد عليها .

وأجيب عن هاتين الرِّوايتن بمخالفتهما للإجماع ، أو لفتوى الفرقة ، كما عن الذخيرة .

وفيه : ما عرفت فلا حاجة للإعادة .

وأجيب أيضاً : بأنَّ ظاهر صحيحة زرارة الثانية وصول أطراف مجموع الأصابع حتّى الإبهام والخنصر بمقتضى كون الأصابع جمعاً محلى باللام ، فهو ظاهر في العموم الأفرادي ، ويلزمه عادةً الانحناء الذي يتمكَّن معه من إيصال الجزء الأوَّل من الرّاحتين المتصل بأصول الأصابع إلى الرُّكبتين ، وإن لم يتمكَّن من وضع المجموع ، وذلك للملازمة بين وصول الخنصر والإبهام إلى الرُّكبة ، ووصول جُزء من الرَّاحتين المتّصل بأصول الأصابع الباقية إلى الرُّكبتين .

وعليه ، فتكون هذه الصَّحيحة دليلاً للقول الثاني الذي ذهب إليه الشَّهيد الثاني رحمه الله في الرَّوضة ، ومَنْ تبعه من الأعلام ، ودليلاً للقول الرَّابع الذي قلنا : إنَّه يرجع في الحقيقة إلى القول الثاني .

وفيه أوَّلاً : أنَّ إرادة مجموع الأصابع حتَّى الإبهام والخنصر خلاف المتبادر من هذا التعبير ، بل الظَّاهر منه كفاية وصول طرف الوسطى إلى الركبة وإن لم يصل طرف غيرها إليها ، بل التأمُّل في المقام يفضي إلى عدم إمكان إرادة مجموع الأصابع حتَّى الإبهام والخنصر ، لأن وصول طرفهما إلى الرُّكبة يلزمه وضع تمام بقيَّة الأصابع على الرٌّكبة ، لا خصوص أطرافها ، وذلك للملازمة بين وصول طرفي الإبهام والخنصر إلى الركبة ووضع تمام بقيَّة الأصابع .

وعليه ، فيكون هذا التعبير وهو (فإن وصلت أطراف أصابعك) مستبشعاً ، بل كان المتعيِّن التعبير بوصول طرفي الإبهام والخنصر إلى الرُّكبة أو طرف الراحة لا أطراف الاصابع .

والخلاصة : أنَّ القول الأوَّل هو الصَّحيحة ، والله العالم .

وأمَّا القول الثاني : فلا دليل عليه إلَّا ما عرفته من خلال الاستدلال على القول الأوَّل ، وقدِ اتَّضح لك ما هو الإنصاف .

 

قوله : (فلو وصلا بالانخناس أو بمشاركة الانحناء إيَّاه لم يكفِ)[6]

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (واعتبرنا الانحناء للتحرُّز من أن ينخنس ويخرج ركبتيه وهو مائل منتصب ، فإنَّه لا يجزئه ، وكذا لو جمع بين الانحناء والانخناس ، بحيث لولا الانخناس لم تبلغ الرَّاحتان لم يجز)[7] وهو واضح ، ولا حاجة للبيان .

قوله : (وفاقد اليدين وقصيرهما وطويلهما ينحني كمستوى الخلقة)[8]

هذا هو المعروف بين الأعلام لأن التحديد المذكور في النصوص إنَّما هو بالنسبة إلى مستوى الخِلقة على ما يقتضيه التبادر .

وفي الجواهر (بلا خلاف أجده في شيءٍ من ذلك ، سوى ما في مجمع البرهان من أنَّه لا دليل واضح على انحناء قصير اليدين وطويلهما كالمستوي ، ولا يبعد القول بالانحناء حتَّى يصل إلى الرُّكبتين مطلقاً ، لظاهر الخبر مع عدم المنافي وعدم التعذُّر ؛ نعم ، لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك مع إمكان الاكتفاء بما يصدق الانحناء عليه ، وهو من الغرائب ، وإن كان يوافقه المحكي عن ابن الجنيد من أنَّه لو كان أقطع الزند أوصل مكان القطع إلى الرُّكبة ووضعه عليها ، ولو كانت مشدودةً فعل بها كذلك ، وكذا لو كان له يد من ذراع ، ضرورةَ استلزامه الاكتفاء بما لا يسمَّى ركوعاً ، أو وجوب الأقصى من أفراده بحيث لا يجتزئ بغيره وإن سمي ركوعا ً، ولا ريب في وضوح بطلانه في كلٍّ منهما) .[9]

أقول : ما ذكره رحمه الله في غاية الصّحَّة والمتانة ، لأنَّ الوصول إلى الرًّكبة في الرِّوايات المتقدِّمة أُخِذ على نحو الطريقيَّة إلى تعيين المرتبة الخاصَّة من الانحناء ، ولا يجب وضعهما على الرُّكبة للتسالم بين الأعلام .[10]

وعليه ، فما ذكره المشهور من الأعلام من الرُّجوع إلى المتعارف في طويل اليدين وقصيرهما وفي فاقدهما هو المتعيِّن لامتناع التقدير بالجامع بين المراتب المختلفة ، فالمتبادر من النصوص هو ما ذكرناه .

إن قلت : إنَّ المتعارف أيضاً متفاوت بالزيادة والنقيصة .

قلت : بما أنَّ الوسط الحقيقي يتعسّر معرفته ، فيرجع إلى الأقل ، أي النقيصة ، لأصالة البراءة عن الأكثر أي الزيادة ، لِمَا عرفت من جريان البراءة في الأقلِّ والأكثر الارتباطيين ، والله العالم .

 

قوله : (ويستحبّ زيادة الانحناء حتَّى يستوي الظَّهْر والرأس والأسافل)[11]

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (يستحبُّ في الرُّكوع زيادة الانحناء ، بحيث يستوي الظَّهْر والرأس والعُنُق ، وهو يحصل بالمبالغة في ذلك ويردّ الرُّكبتين إلى خلفه وحد العنق ... ) .[12]

أقول : هذا هو التسالم عليه بين الأعلام ، ويشهد له صحيحة حمَّاد المتقدِّمة الحاكية لفعل الإمام الصَّادق عليه السلام في مقام تعليم حمَّاد ( ثمَّ ركع وملأ كفَّيه من ركبتيه مفرَّجات ، وردَّ ركبتيه إلى خلفه حتَّى استوى ظهره ، حتى لو صُبَّت عليه قطرة ماءٍ أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، وردّ ركبتيه إلى خلفه ونصب عنقه)[13] ، وروى المصنِّف في الذِّكرى عن إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام ( أنَّ عليًّا كان يعتدل في الرُّكوع مستوياً حتَّى يُقال : لو صُبَّ الماءُ على ظهره لاستمسك ، وكان يكره أن يحدر رأسه ومنكبيه في الرُّكوع ، ولكن يعتدل)[14] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، لعدم ذكر طريقه إلى إسحاق بن عمَّار .

 


[2] والمنتهى، ج1، ص281.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo