< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الرّكوع في الصَّلاة(1)

 

قوله : ((درس 42)

وخامسها : الرُّكوع)

الرُّكوع في اللغة هو الانحناء ، وفي مجمع البحرين : (ركع الشَّيخ أي انحنى ، وفي الشرَّع انحناء مخصوص ، والرَّاكع فاعل الرُّكوع) ، وفي القاموس : (ركع الشَّيخ انحنى كبراً ، أو كبا على وجهه ، وافتقر بعد غنًى ، وانحطت حاله ، وكلّ شيء يخفض رأسه فهو راكع) .[1]

أقول : سيأتي بيان المراد منه شرعاً .

 

قوله : (ووجوبه وركنيّته إجماعي)

أمَّا وجوبه فهو المتسالم عليه بين جميع المسلمين ، بل هو ثابت بالضّرورة من الدّين .

ويدلّ عليه أيضاً - مضافاً للكتاب العزيز {اركعوا مع الرّاكعين} و {واركعوا مع الرّاكعين} - : الأخبار المتواترة جدّاً .

وممَّا يدلّ على ركنيّته - مضافاً للتسالم بين الأعلام - : عدم تحقُّق اسم الصَّلاة بدونه ، إذ هي مجموع ركعات ، ولا يتقوَّم المجموع بأجزائه .

ويشير إلى ما ذكرناه قول الإمام الصَّادق عليه السلام في حسنة الحلبي (الصَّلاة ثلاثة أثلاث ، ثُلُث طهور ، وثُلُث ركوع ، وثُلُث ركوع)[2] .

أضف إلى ما ذكرناه : أنَّ الرُّكوع من مقوِّمات صدق الرِّكعة ، فلا تكون الرِّكعة ركعةً إلَّا به ، أو ببدله .[3]

 

قوله : (وهو في كلِّ ركعة مرّة ، وفي الكسوف والآيات خمس في كلّ ركعة)[4]

المعروف بين الأعلام أنَّه يجب في كلّ ركعة مرَّة ، إلَّا في صلاة الآيات ، فإنَّه يجب في كلِّ ركعة منها خمس ركوعات ، كما سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى .

 

قوله : (وظاهر الشَّيخ نفي ركنيّته في الأخيرتين من الرباعيَّة ، بناءً على أنَّ الناسي يحذف السُّجود ويعود إليه ، ولو فُسِّر الرُّكن بما تبطل الصَّلاة بتركه بالكليَّة لما يناف القول بعدم بطلان الصَّلاة بتركه حتَّى يجسد لأنَّه لم يتركه في جميع الصَّلاة)[5]

قد عرفت أنَّ الرُّكوع تبطل الصَّلاة بالإخلال به عمداً ، وأمَّا سهواً ، ففيه تفصيل بين الأعلام على أقوال أربعة :

الأوَّل : هو بطلان الصَّلاة لو نسيه حتَّى دخل في السُّجود ، ذهب إليه المشهور من العلماء .

الثاني : ما عن الشَّيخ رحمه الله في المبسوط من التفصيل بين الرِّكعتين الأوليين ، وثالثة المغرب ، وبين الأخيرتين من الرباعية ، فاختار البطلان في الأوَّل ، والصحّة في الثاني بإسقاط السّجدتين وإتمام الصّلاة بعد تدارك الرُّكوع .[6]

قال فيه : (إنَّما تبطل في الأولتين أو في ثالثة المغرب وإن كان في الأخيرتين من الرّباعية حذف الزائد وأتى بالفائت ، فلو ترك الرّكوع في الثالثة حتّى سجد سجدتيها أسقطهما وركع وأعاد السّجدتين ، ولو لم يذكر حتّى ركع في الرّابعة أسقط الرّكوع وسجد للثلاثة ، ثمّ أتى بالرّابعة ... )[7] ، وقال نحوه في التهذيب والاستبصار .

القول الثالث : ما حكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب من الحكم بالصحّة مطلقاً ، وإسقاط الزائد من غير فرق بين الأوليين والأخيرتين .[8]

وعن العلَّامة رحمه الله في المنتهى أنَّه أسند هذا القول إلى الشَّيخ رحمه الله أيضاً .

القول الرابع : ما عن عليّ بن بابويه وابن الجنيد من التفصيل بين الرّكعة الأُولى ، فتبطل دون ما عداه من بقيَّة الرّكعات ، قال ابن الجنيد رحمه الله : (ولو صحَّت له الأُولى وسها في الثانية سهواً لم يمكنه استداركه ، كأن أيقن وهو ساجد أنَّه لم يركع ، فأراد البناء على الرّكعة الأُولى التي صحّت له ، رجوت أن يجزئه ذلك ، ولو أعاد إن كان في الأولتين وكان الوقت متسعاً كان أحبّ إليَّ ، وفي الثانتين ذلك يجزئه) .[9]

وقال عليّ بن بابويه رحمه الله : (وإن نسيتَ الرُّكوع بعدما سجدت في الرّكعة الأُولى فأعد صلاتك لأنَّه إذا لم يثبت لك الأُولى لم يثبت صلاتك ، وإن كان الرُّكوع من الرِّكعة الثانية أو الثالثة فاحذف السَّجدتين ، واجعل الثلاثة ثانية والرابعة ثالثة) .[10]

إذا عرفت ذلك ، فنقول : قدِ استُدلّ للقول الأوَّل - والذي هو المشهور بين الأعلام - بعدَّة روايات :

منها : صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن رجلٍ ينسى أن يركع حتَّى يسجد ويقوم ، قال : يستقبل)[11] .

وقد عبَّر عنها الأعلام بالصَّحيح عن رفاعة ، ممَّا يوهم أنَّها صحيحة إلى رفاعة .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّه داخل لأنَّ المراد من رفاعة هو رفاعة بن موسى النخَّاس الثقة .

ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا أيقن الرَّجل أنَّه ترك ركعةً من الصَّلاة وقد سجد سجدتين ، وترك الرُّكوع استأنف الصَّلاة) [12] .

ومنها : خبره الآخر (قال : سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ نسى أن يركع ، قال : عليه الإعادة) [13] ، ولكنَّه ضعيف بمحمَّد بن سنان .

ومنها : موثَّقة إسحاق بن عمار (قال : سألتُ أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى أن يركع ، قال : يستقبل حتَّى يضع كلّ شيء من ذلك موضعه) [14] ؛ والمراد بالاستقبال في هذه الموثَّقة وفي صحيحة رفاعة هو الاستئناف .

وأمَّا القول الثاني الذي ذهب إليه الشَّيخ رحمه الله في المبسوط من التفصيل فقدِ استُدل له برواية محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجلٍ شكّ بعدما سجد أنَّه لم يركع ، قال : فإنِ استيقن فليلقِ السَّجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلَّا بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصلِّ ركعةً وسجدتين ولا شيء عليه) [15] ، وهذه الرِّواية وإن كانت ضعيفةً بالحكم بن مسكين بطريق الشَّيخ ، إلَّا أن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله رواها بإسناده عن العلاء عن محمَّد بن مسلم ، وإسناده إلى علاء بن رزين صحيح .

وعليه ، فتكون الرِّواية صحيحة مع كونها بطريق الصَّدوق رحمه الله أوضع متناً ( قال : في رجل شكّ بعدما سجد أنَّه لم يركع ، فقال : يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنَّه لم يركع ، فإن استيقن أنَّه لم يركع فليلقِ السَّجدتين اللتين لا ركوع لهما ، ويبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلَّا بعدما فرغ وانصرف فليقم وليصلِّ ركعة وسجدتين ، ولا شيء عليه) [16] [17] .

 


[16] الفقيه، شیخ الصدوق، ح1، ص228.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo