الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/07/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(55)
ثمَّ إنَّه بناءً على صحَّة الاستدلال بتلك الرّوايات على بطلان الصَّلاة بقول : آمين ، فقد يعارضها صحيحة جميل بن دراج ( قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن قولِ النَّاسِ في الصَّلاةِ جماعةً حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين ، قال : ما أحسنها ، واخفض الصوت بها)[1] ، بناءً على قراءة (ما أحسنها) بصيغة التعجّب .
لكن قد يُقال : إنَّه لا يتعيَّن كونها للتعجب حتّى يتحقّق التنافي بينها وبين الرّوايات المتقدّمة ، إذ يحتمل أن تكون بصيغة المتكلّم ، وكلمة ما نافية ، أي ما أعلمها حسنة ، أو بصيغة الماضي وكلمة (ما) للاستفهام الانكاري ، فكأنَّه عليه السلام قال : أي شيء جعلها حسنة .
كما يحتمل أن يكون (واخفض الصوت بها) بصيغة الماضي من كلام السّائل ، يعني أنَّه عليه السلام تكلَّم بهذه الكلمة سرًّا .
وتوهُّم أنَّ مثل هذه الاحتمالات مخالفة للظَّاهر فلا ينبغي الالتفات إليها .
مدفوع : لأنَّ التشابه إنَّما هو في الخطِّ ، ولا ظهور للكتابة في شيءٍ من هذه الأمور ؛ وأمَّا في مقام التعبير فلا يشتبه شيء منها بالآخر .
ولكنَّ الإنصاف : أنَّ احتمال كونها بصيغة الماضي ، وكلمة (ما) للاستفهام بعيد جدًّا بقرينة الأمر بالذَّيل بخفض الصَّوت بها .
واحتمال كونه من كلام الرّاوي - أي إنَّ الرواي قال : خفَّض الإمام صوته حين قال (ما أحسنها) لئلّا يسمعه أحد - بعيد جدّاً ، لأنَّ خفض الصوت ثلاثي مجرد ، ولم يعهد استعماله من باب الإفعال .[2]
فلا يقال : أخفض صوته ، بل خفَّض صوته ، وبما أنَّ الموجود في الرواية رباعي فيتعيَّن كونه من كلام الإمام عليه السلام .
وعليه ، فالأقوى أنَّ كون (ما أحسنها) للتعجب ، ولكن مع ذلك لا بدَّ من حمله على التقيَّة ، بل قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (والحقّ أنّ هذه الرّواية تنادي على نفسها بالتقيّة لأنّ الأخبار مصرّحة بالنهي عنها ، ولو حملت على هذه على استحبابها كان تناقضاً ظاهراً فلم يبقَ إلَّا التقيَّة) .[3]
وحاصله : أنَّ بقاء هذه الصّحيحة على ظاهرها من التعجّب تكون مخالفةً للتسالم بين الأعلام ، ومناقضةً لسائر الرّوايات المتقدّمة ، فإنّ أقلّ مراتب الاستحسان الاستحباب ، وهذا ممَّا لم يقل به أحد من الأعلام فيتعيَّن حملها على التقيَّة .
ثمَّ إنَّه بناءً على حرمة قول : آمين ، وإبطالها للصَّلاة إنَّما هو في غير حال التقيَّة .
وأمَّا مع التقيَّة فلا إشكال في جوازه ، بل وجوبه عند وجوبها إذا توقّف الاتقاء عليه ، كما أنَّه لا إشكال في صحّة الصّلاة تقيّة وإن كانت فاقدةً لبعض الأجزاء أو الشَّرائط ، أو واجدةً لبعض الموانع إذا اقتضت التقيّة ذلك ، وقد ذكرنا في باب الطّهارة في مبحث الوضوء الرّوايات الدّالة على جواز الصّلاة معهم ، وبيّنا ذلك بشكل مفصَّل ، والله العالم .
قوله : (درس 41
سنن القراءة : الاستعاذة في أوَّل ركعة لا غير سرّاً ، ورُوي : الجهر به ، وأوجبها ولد الشَّيخ)
المعروف بين الأعلام استحباب الاستعاذة قبل القراءة في الرّكعة الأُولى من كلّ صلاة ، قال المصنِّف في الذكرى : ( وللشَّيخ أبي عليّ بن الشّيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوّذ للأمر به ، وهو غريب لأنَّ الأمر هنا للندب بالاتّفاق ، وقد نقل فيه والده في الخِلاف الإجماع منَّا .... ) .[4]
وقال أمين الإسلام في كتاب مجمع البيان (والاستعاذة عند التلاوة مستحبَّة غير واجبة ، بلا خلاف في الصَّلاة وخارج الصَّلاة ... ) .[5]
أقول : هاك تسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار على استحباب الاستعاذة قبل القراءة في الرّكعة الأُولى خاصَّة .
ويدلّ عليه - مضافاً لذلك - قوله تعالى : ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم﴾ [6] ، والآية الشَّريفة عامَّة تشمل مطلق القراءة ، سواء في الصَّلاة أم لا .
ويدلّ عليه أيضاً : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ، وذكر دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام ، ثمَّ قال : (ثمَّ تعوَّذ من الشّيطان الرجيم ، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب) [7] .
والنبوي المذكور في الذكرى عن أبي بصير سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) (أنه كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)[8] ، وهي ضعيفة جدّاً ، كما لا يخفى .
ثمَّ إنَّك قد عرفت أنَّ الأمر محمول على الاستحباب ، للتسالم بين الأعلام الذي هو فوق الإجماع .
وقد استُدلّ أيضاً لعدم الوجوب بروايتَيْن :
الأُولى : رواية فرات بن أحنف عن أبي جعفر عليه السلام (قال : سمعته يقول - في حديث - فإذا قرأت بسم الله الرحمان الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ) [9] ، وهي ضعيفة بفرات بن أحنف وعَمْرو بن مصعب ، فإنَّه مهمل .
الثانية : مرسلة الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتمّ النّاس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر ، بسم الله الرّحمان الرّحيم)[10] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
لا يقال : إنَّه لمَّا كان (صلى الله عليه وآله) ليس للشَّيطان عليه سبيل فلا يثبت الحكم المذكور بتركه الاستعاذة .
فإنَّه يقال : إنَّ الأئمة عليه السلام كذلك ، مع أنَّ الأخبار دلَّت على وقوع الاستعاذة منهم في الصَّلاة .[11]
والحكمة منها بالنسبة إليهم عليهم السلام إنَّما هو تعليم الشِّيعة إقامةَ السُّنة .
ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام استحباب الإسرار بها ، قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى ( ويستحبّ الإسرار بها ولو في الجهريَّة ، قاله الأكثر ، ونقل الشَّيخ فيه الإجماع منَّا ، وروى حنان بن سلَّار ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه السلام فتعوَّذ بإجهار ، ثمَّ جهر بسم الله الرّحمان الرّحيم[12] ، ويحمل على الجواز) ، وهذه الرّواية ضعيفة بجهالة عبد الصّمد بن محمّد .
والإنصاف : أنّ هناك تسالماً على استحباب الإسرار بها ، وفي التذكرة وغيرها : أنَّ عليه عمل الأئمة عليه السلام .