< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(54)

 

وفي الجواهر - عند قول المحقِّق في الشَّرائع : لا يجوز قول آمين في آخر الحمد - : (عند المشهور بين الأصحاب القدماء والمتأخِّرين شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً ، كما اعترف به جامع المقاصد ، بل في المنتهى وعن كشف الالتباس نسبته إلى علمائنا مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، بل في الغنية والتحرير والمحكي عن الانتصار والخلاف ونهاية الأحكام والتذكرة الإجماع عليه ، بل في المعتبر عن المفيد دعواه أيضاً ، بل عن الآمالي أنَّ من دين الإماميَّة الإقرار به ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ... ) .[1]

وبالمقابل نقل عن ابن الجنيد رحمه الله أنَّه جوَّز التأمين عقيب الحمد وغيرها ، ومال إليه المحقِّق رحمه الله في المعتبر والمحقِّق الأردبيلي ، كما أنَّ صاحب المدارك فصَّل بين الحرمة والبطلان ، فذهب إلى حرمته دون الإبطال به .

ويظهر من السَّيد محسن الحكيم رحمه الله في المستمسك ، وكذا السيد أبو القاسم رحمه الله ، عدم الحرمة وعدم البطلان به إذا لم يقصد من الإتيان به الجزئيَّة ، وكان إتيانه بقصد الدُّعاء .

إذا عرفت ذلك فقدِ استُدلّ للمشهور القائل بالحرمة والبطلان به بعدَّة أدلَّة نقتصر على المهمّ منها ، وهي ثلاثة :

الأوَّل : الإجماع المدَّعى من جماعة من الأعلام ، والظَّاهر أنَّ نقله مستفيض .

وفيه أوَّلاً : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد وإن استفاض نقله ليس بحجَّة في المقام ، إذ لا تشمله أدلَّة حجيَّة خبر الواحد .

وثانياً : أنَّه إجماع مدركيّ ، أو يحتمل المدركيَّة ، لذكرهم الرّوايات الدّالة على المنع ، وأنّه من كلام الآدميين ، فيحتمل أن يكون مدركهم في الحرمة والإبطال هي هذه الأدلة ، فلا يكون إجماعاً تعبديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام .

الدليل الثاني لهم : هو أنَّ لفظ (آمين) من كلام الآدميين ، وعن التحرير وجامع المقاصد ونهاية الأحكام وكشف الرموز والمهذب البارع والروض أنَّه ليس قرآناً ولا دعاءً ، بل اسم للدُّعاء والاسم غير المسمَّى .

بل في التنقيح : (اتَّفق الكلّ على أنَّها ليست قرآناً وإنَّما هي اسم للدُّعاء ، والاسم غير المسمَّى) ، وعن الغنية : ( أنَّ العامَّة متّفقون على أنّها ليست قرآناً ولا دعاءً ولا تسبيحاً) ، وعن الانتصار : ( لا خلاف في أنَّها ليست قرآناً ولا دعاءً مستقلّاً) وعن الكشاف : ( أنّها صوت سمِّي به الفعل الذي هو استجب) ، وعن حاشية المدارك ( تارةً أنَّ آمين عند فقهائنا من كلام الآدميين ، وأخرى أنَّها اسم للفظ الفعل بإجماع أهل العربيَّة ، بل هو بديهي عندهم) .[2]

أقول : مقتضى الإنصاف أنَّ كونها اسماً للفعل لا يخرجه عن كونها دعاءً لأنَّ أسماء الأفعال حاكية عن نفس الأفعال بما هي حاكية عن معانيها ، فقولنا : (صه) - الذي هو اسم فعل - حاكٍ عن معنى اسكت حكاية لفظ اسكت عنه .

غاية الأمر أنَّ حكايته عن معنى (اسكت) بتوسُّط حكايته عن لفظ (اسكت) .

وعليه ، فـ (آمين) إذا كان اسماً لاستجب كان دعاءً مثله ، ولا يكون بذلك من كلام الآدميين .

وقد صرَّح بذلك المحقِّق نجم الأئمة الرضي - رضي الله عنه - فقال : ( وليس ما قال بعضهم : أنَّ صه مثلاً اسم للفظ اسكت الذي هو دالّ على معنى الفعل ، فهو عَلَم للفظ الفعل لا لمعناه بشيء ، لأنّ العربي القُحّ ربما يقول : صه ، مع أنّه ربّما لا يخطر في باله لفظ اسكت ، وربما لم يسمعه أصلاً ؛ ولو قلت : إنّه اسم لاصمت أو امتنع أو كفّ عن الكلام ، أو غير ذلك ، ممَّا يؤدّي هذا المعنى لصحّ ، فعلمنا منه أنّ المقصود المعنى لا اللفظ) .[3]

إن قلت : إنّ التأمين يستدعي سبق دعاء ، ولا يتحقّق الدّعاء إلّا مع قصده ، فعلى تقدير عدم قصده يخرج التأمين عن حقيقته ، فيكون لغواً .

قلت : لو قرأ شخص الفاتحة أو سمعها من آخر والتفت إلى ما تضمنته من طلب الهداية - في قوله تعالى : {اهدنا الصراط المستقيم } - فتكلّم بكلمة آمين قاصداً بها سؤال إجابة ذلك الدّعاء من الله تعالى ، وإن لم تكن الدعائيّة مقصودةً لمن قرأها فقد استعمل هذه الكلمة في محلّه ، وصدق عليها اسم الدعاء عرفاً .

ثمَّ لو سلّمنا عدم صدق اسم الدّعاء عليها ، بل كون استعماله في مثل هذا المكان لحناً ، ولكنّها لا تخرج بذلك عن كونها مناجاةً مع الربّ ولو بكلمة ملحونة ، فتندرج في موضوع صحيحة عليّ بن مَهْزيار قال : (سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن الرّجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي به ربه ، قال : نعم)[4] .

الدليل الثالث لهم : الرّوايات الواردة في المقام :

فمنها : حسنة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إذا كنتَ خَلْف إمامٍ ، فقرأ الحمد وفرغ عن قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله رب العالمين ، ولا تقل : آمين [5] .

ومنها : حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ( قال : ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك : آمين ، فإنْ شئت قلت : الحمد لله رب العالمين) [6] .

وقد عرفت أنَّ محمّد بن علي بن ماجيلويه الواقع في السّند من المعاريف الكاشف عن وثاقته .

ومنها : رواية محمّد الحلبي ( قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام أقولُ إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين ؟ قال : لا) [7] ، وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان .

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب ( قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : أقول : آمين ، إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ؟ قال : هم اليهود والنصارى ، ولم يجب في هذا) [8] .

وجه الاستدلال بها : هو أنَّ ترك الجواب عن السّؤال والتعرض لأمر آخر غير مسؤول عنه ظاهر في الخوف في الجواب ، ولا خوف في الجواب بالرخصة لأنهّا مذهب العامّة .

وقد يتوهَّم أنَّ قوله عليه السلام : (هم اليهود والنصارى) جواب ، أي هم القائلون آمين ، كما حكي عن الصدوق رحمه الله في الفقيه من نسبته ذلك إلى اليهود والنصارى .

وفي الجواهر :(أنَّ المراد به التشنيع على المخالفين بأنَّ القائلين ذلك هم اليهود والنصارى) .[9]

والإنصاف في الجواب عن هذه الرّوايات : أنّها لا تدلّ على حرمة قول : آمين ، في الصَّلاة ، ولا على بطلان الصَّلاة بها ، لأنَّ هذه الرّوايات ظاهرة في نفي مشروعيّة قول : (آمين) في الصَّلاة ، وأنَّها ليست جزءاً فيها ، ولا هي مستحبة كما يفعله العامَّة ، فالنهي عنها نظير النهي عن التكتُّف في الصَّلاة ، إذ المراد نفي المشروعيَّة ، وليس النهي هنا إرشاداً إلى المانعيَّة حتّى يكون في الإتيان بها في الصلّاة مفسِداً لها ، نظيره قوله عليه السلام : (لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه) ، بل المراد ما ذكرناه .

وعليه ، فلو أتى بها لا بقصد الجزئيَّة ولا بقصد الاستحباب ، بل يقصد الدّعاء فلا محذور حينئذٍ ولا موجب لبطلان الصَّلاة .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo