< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/06/31

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(50)

 

ثمَّ إنّ وجه الاستدلال بهذه الصّحيحة : هو دخول سورة الجحد في ذلك غير المأمور بقطعه ، فتكون النسبة بينها وبين ما دلّ على عدم جواز العدول عن الجحد نسبة العموم من وجه ، لأنّ صحيحة عليّ بن جعفر مطلقة من حيث الجحد وغيرها ، ولكنَّها مختصّة بيوم الجمعة ، وبما إذا كان المعدول إليه خصوص الجمعة والمنافقين .

وأمَّا غيرها من الرّوايات الدّالة على المنع من العدول من الجحد إلى غيرها ، فموردها سورة الجحد ، وهي مطلقة من حيث يوم الجمعة ، ومن حيث كون المعدول إليه خصوص سورتي الجمعة المنافقين .

وبعد التعارض في مورد الاجتماع والتساقط نرجع إلى العموم الفواقاني الدال على الجواز ، كموثّقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السَّلام (في الرّجل يريد أن يقرأ السّورة فيقرأ غيرها ، قال له : أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها)[1] .

ثمَّ إنه لو فرض عدم وجود عموم فوقاني فإنَّه بعد التساقط يرجع إلى الأصل العملي ، وهو يقتضي جواز الرّجوع .

والإنصاف : أنَّ هذا الاستدلال متين .

وذكر بعضهم أنَّ بين صحيحة عليّ بن جعفر وبين غيرها ممّا دلّ على عدم جواز العدول عن الجحد إلى غيرها ، وإن كان هو العموم من وجه ، إلَّا أنّ إطلاق صحيحة عليّ بن جعفر أقوى ، فلا تصل النوبة إلى التساقط ، ويؤخذ حينئذٍ بإطلاقها الشّامل لسورة الجحد .

ووجه أقوائية : إطلاق صحيحة عليّ بن جعفر هو قوله : (وإن كان {قل هو الله أحد}) ، حيث ظاهره كون سورة التوحيد أَولى بالإتمام من غيرها ، فإذا جاز العدول عنها جاز عن غيرها - التي منها سورة الجحد - بطريق أَولى .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ ما ذكر ليس دليلاً على أقوائيَّة إطلاق صحيحة عليّ بن جعفر ، بل هو وجه استحساني .

الأمر الثالث : هل يختص الحكم بصلاة الجمعة ، كما عن صاحب الحدائق رحمه الله ، أو بإضافة الظّهر من يومها ، كما عليه المشهور ، أو مع العصر أيضاً كما عن جامع المقاصد ، أو مطلق صلاة يوم الجمعة حتّى الصّبح ، كما احتمله صاحب الجواهر رحمه الله .

ولكنّه اعترف بأنّه لا يوجد قائل به ، وحكي عن الجعفي أنّ محل العدول هو صلاة الجمعة وصبحها والعشاء ليلتها ، قال رحمه الله على ما نقله عنه المصنّف رحمه الله في الذكرى (وإن أخذت في سورة بدا لك في غيرها فاقطعها ، ما لم تقرأ نصفها إلا {قل هو الله أحد} ، و{قل يا أيّها الكافرون} ، فإن كنت في صلاة الجمعة والصّبح يومئذٍ ، والعشاء الآخرة ليلة الجمعة ، فاقطعهها وخذ في سورة الجمعة ، و{إذا جاءك المنافقون} ... )[2] .

ثمَّ إنّ ظاهر المحكي عن الصدوق رحمه الله والشّيخ رحمه الله وابن إدريس رحمه الله ويحيى ابن سعيد رحمه الله ، وغيرهم ، أنَّ محلّ ذلك ظهر يوم الجمعة .

ولعلّ مرادهم الأعمّ منها ومن صلاة الجمعة ، فيكون المحلّ عندهم حينئذٍ الظّهر وصلاة الجمعة ، بل عن العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار أنَّه لا خلاف في عدم الفرق بين الظّهر والجمعة .

أقول : أما القول الأوَّل - الذي ذهب إليه صاحب الحدائق والذي لم يوافقه عليه أحد - فدليله أنَّ أغلب النصوص الواردة في المقام موردها الجمعة .

وما في بعضها من الإطلاق لصحيحة الحلبي (إلّا أن يكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة ... ) ، فيجب حمله على صلاة الجمعة حملاً للمطلق على المقيَّد .

وفيه : أنَّه لا موجب لهذا التقييد ، إذ لا تنافي بين المطلق والمقيَّد ، إذ كلّ منهما مثبت ، وقد ذكرنا في علم الأصول أنَّ حمل المطلق على المقيّد إنّما يكون فيما كان متنافيين ، كما في قولك : أكرم العالم ، ولا تكرم العالم الفاسق ، أو كانا مثبتين ، ولكن كان المطلوب على نحو صرف الوجود ، كما في قولك : أعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة ، وفي غير هاتين الصّورتين لا موجب لحمل المطلق على المقيّد .

ثمَّ إنَّه قد يُقال : إنَّ الظّهر هي القدر المتيقّن من صحيحة الحلبي لأنّ الظاهر أنّ الحلبي ، وكذا غيره من أصحاب الأئمة عليهم السَّلام ، ما كانوا يؤمون الناس في صلاة الجمعة كي يحسن أن يوجه إليه الخطاب قوله عليه السَّلام :(إذا افتتحت صلاتك بــ{قل هو الله} ... ) لأنَّ صلاة الجمعة في ذاك الوقت كانت للمخالفين ، وكان الغالب هو ابتلاء أصحاب الأئمة عليهم السَّلام بالائتمام فيها معهم ، فوظيفتهم صلاة الظّهر فكانوا يقرؤون في أنفسهم ، ولو مثل حديث النفس .

ومن هنا يتضح لك أن دعوى انصراف لفظ الجمعة إلى خصوص صلاة الجمعة ليس بتامّ ، بل الشّايع في الأخبار إنّما هو إطلاق الجمعة على الصّلاة من يومها أعمّ من كونها جمعة أو ظهراً .

فالإنصاف : هو جواز العدول عنهما إلى الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وفي ظهر يومها أيضاً .

وأمَّا العصر : فقد ذكر جماعة من الأعلام أنّ صحيحة الحلبي منصرفة عن صلاة العصر ، كما أنّها منصرفة عن صلاة الغداة .

ولكن الإنصاف : أنَّ دعوى انصرافها عن صلاة العصر لا تخلو من مجازفة ، بل لولا الاستيحاش من الانفراد بالقول بجواز العدول حتّى في صلاة الغداة لقلنا : إنَّ قوله عليه السَّلام في صحيحة ( إلا أن يكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين ... ) يشمل صلاة الغداة أيضاً .

فالإنصاف : هو جواز العدول منهما إلى الصّورتين في صلاة الجمعة ظهرها وعصرها .

وأمَّا صلاة الغداة فالأحوط وجوباً عدم العدول فيها ، والله العالم .

وأمَّا ما ذكره السّيد محسن الحكيم رحمه الله في المستمسك من أنَّه (لا مجال للأخذ بإطلاق قوله عليه السَّلام في صحيحة الحلبي : في يوم الجمعة ، بالإضافة إلى الصّبح لعدم توظيف الجمعة والمنافقين فيها ، وتوظيفهما في خصوص الظّهرين والجمعة الموجب ذلك للانصراف إليها لا غير ... )[3] .

فيرد عليه : أنَّه ورد في عدة أخبار استحباب قراءة الجمعة والمنافقين في صبح يوم الجمعة :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام - في حديث طويل - ( اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين ، فإن قرائتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة والظّهر والعصر ، ولا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظّهر ، يعني يوم الجمعة إماماً كنت أو غير إمام )[4] .

وعليه ، فالصّحيح هو ما ذكرناه .

وأمّا ما حكاه المصنّف رحمه الله في الذكرى عن الجعفي فلا يوجد له ما يدل على خصوص الجمع مع نفي غيره ، لا سيّما العشاء ليلة الجمعة ، فإنّه لا يصدق يوم الجمعة على ليلتها ، والله العالم .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo