< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(46)

قوله : (إلَّا في سورتي الضُّحى وألم نشرح ، وسورة الفيل ولإيلاف ، وتجب البسملة بينهما ، ولو جعلناهما سورةً واحدةً لم تجب البسملة على الأشبه)

يقع الكلام في ثلاثة أمور :

الأوَّل : هل الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف ، أم لا ؟

الثاني : بناءً على الاتحاد لا إشكال في عدم جواز إفراد إحداهما عن صاحبتيها في كلّ ركعة ، إذا قلنا : بوجوب قراءة سورة كاملة ، فهل الأمر كذلك بناءً على التعدُّد أم لا ؟

الثالث : هل تجب قراءة البسملة بينهما سواء جعلناهما سورة واحدة أم لا ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمشهور بين المتقدمِين أنَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف قريش ، بل ادَّعى بعض الأعلام الإجماع عليه .

وعن الشَّيخ عليه السَّلام الصَّدوق عليه السَّلام في الأمالي : نسبة الإقرار به إلى دين الإماميَّة ، وعن الانتصار : نسبته إلى آل محمد (صلى الله عليه وآله) ، وعن نهاية الأحكام والتذكرة والمهذَّب البارع وغيرها : أنَّه قول علمائنا ، وعن الشَّيخ عليه السَّلام في الاستبصار : أنَّ الأولين سورة واحدة عند آل محمَّد (صلى الله عليه وآله) .

وبالمقابل فإنَّ المشهور بين المتأخِّرين هو التعدُّد ، منهم المحقِّق عليه السَّلام في المعتبر ، حيث قال : (ولقائل أن يقول : لا نسلِّم أنَّهما سورة واحدة ، بل لِمَ لا يكونان سورتين وإن لزم قرائتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه ، ونطالب بالدَّلالة على كونهما سورة واحدة ، وليس قرائتهما في الركعة الواحدة دالّة على ذلك ... ) .

ومنهم صاحب المدارك عليه السَّلام ، حيث قال : (والذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لإثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السُّور ... ) .

أقول : قد استُدل للمتقدِّمين القائلين بالاتحاد بدليلين :

أحدهما : الإجماع .

وفيه : أنَّه من الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وقد عرفت ما فيه .

ثانيهما الرِّوايات :

منها : مرسلة المحقِّق عليه السَّلام في الشَّرائع ، قال : (روى أصحابنا أنَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف)[1] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : مرسلة مجمع البيان (قال : روى أصحابنا أنَّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا سورة ألم ترَ كيف ، ولإيلاف قريش) [2] ، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً .

ومنها : مرسلته الثانية ، وعن أبي العباس عن أحدهما • (قال : {ألم ترَ كيف فعل ربُّك} ، و{لإيلاف قريش} ، سورة واحدة) [3] .

وهي مضافاً لضعفهما بالإرسال ضعيفة أيضاً بجهالة أبي العباس .

ومنها : مرسلته الثالثة ، قال : (ورُوي أنَّ أُبَي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه) [4] .

وفيه أوَّلاً : أنَّ هذه ليست رواية عن الإمام ’ ، بل هي رواية عن أُبَي بن كعب .

وثانياً : أنَّه لم يثبت ذلك في مصحف أُبَي بن كعب ، إذ لم يذكر طريقه إليه ، فيكون مرسلاً .

وثالثاً : لو فرضنا ثبوت ذلك في مصحفه إلَّا أنَّه اجتهاد منه ، كما لا يخفى .

ومنها : صحيحة الشحَّام (قال : صلَّى بنا أبو عبد الله ’ الفجر فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة) [5] ، وهي وإن كانت صحيحة إلَّا أنَّها لا تدلّ على الاتحاد ، وذلك لأنَّ فعل الإمام مجمل ، فهل قرائتهما في ركعة على نحو الوجوب أم الاستحباب ، والقدر المتيقَّن هو الاستحباب ، بل لو فرضنا أنَّها دالَّة على الوجوب إلَّا أنَّ وجوب قراءتهما أعمّ من الاتحاد .

_______________

(1و2و3و4و5)

ومنها : مرسلة الهداية ، قال الشَّيخ الصَّدوق عليه السَّلام فيها (قال الصَّادق ’ لا تقرن بين سورتين - إلى أن قال : - وموسَّع عليك أيّ سورة قرأت في فرائضك ، إلَّا أربع سور ، وهي : والضحى ، وألم نشرح ، وألم ترَ كيف ، ولإيلاف ، فإنَّ قراءتها كانت قراءة والضحى وألم نشرح في ركعة ، لأنَّهما جميعاً سورة واحدة ، ولإيلاف وألم ترَ كيف في ركعة لأنَّهما جميعاً سورة واحدة ... ) [6] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : ما ذكره أحمد بن محمَّد السياري في كتابه التنزيل والتحريف ، ويعرف أيضاً بكتاب القراءات عن البرقي عن القاسم بن عروة عن أبي العباس عن أبي عبد الله ’ (قال : الضحى وألم نشرح سورة واحدة) [7] .

ومنها : روايته الثانية عن البرقي عن القاسم بن عروة عن شجرة أخي بشير النبال (قال : قال أبو عبد الله ’ ألم ترَ ، ولإيلاف سورة واحدة) [8] ، وهما ضعيفتان بالسياري نفسه ، وبعدم وثاقة القاسم بن عروة ، وبجهالة أبي العباس ، وأمَّا سمرة أخو بشير فهو ثقة .

ونحوه ما رواه عن محمَّد بن عليّ بن محبوب عن أبي جميلة عنه ’ )[9] ، وهي ضعيفة بالسياري ، وبأبي جميلة .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ هذه الرّوايات كلّها ضعيفة السَّند ، وأمَّا القول بالانجبار بعمل المشهور فقد عرفت ما فيه فلا حاجة للإعادة .

وعليه ، فلم يثبتِ القول بالاتحاد .

وأمَّا القول بالتعدُّد فقد يستدلّ له ببعض الرّوايات :

منها : رواية زيد الشحّام (قال : صلّى بنا أبو عبد الله ’ فقرأ في الأُولى الضّحى ، وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك) [10] .

وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بالإرسال وإن كان المرسِل بن أبي عمير .

وثانياً : أنَّه فعل المعصوم ’ ، وهو مجمل غير ظاهر الوجه ، وحملها الشَّيخ عليه السَّلام على النافلة .

وفيه : أنَّ ظاهر الرّواية أنّ الصّلاة كانت جماعةً ، لقوله : ( صلى بنا أبو عبد الله ’) ، ولا جماعة في النافلة .

وعن صاحب الحدائق عليه السَّلام وبعض الأعلام أنَّه يمكن أن يكون التقاء الإمام ’ بقراءة أولاهما في الرّكعة الأولى والثانية في الثانية من باب التبعيض الذي كان يصدر منه ’ أحياناً ببعض الدواعي المقتضية له .

وعليه ، فحال هذه الرّواية كحال غيرها الدّالة على جواز التبعيض ، وقد تقدَّم توجيهها .

أقول : لولا ضعف السَّند وإجمال الفعل لكان هذا الوجه وجيه .

ومثلها روايته الثانية ، وهي صحيحة (قال : صلَّى بنا أبو عبد الله ’ فقرأ بنا الضّحى ، وألم نشرح)[11] ، وهي أشدّ إجمالاً من الأُولى ، حيث لم يظهر أنَّه ’ قرأهما في ركعة أو ركعتين ، مع إجمال الفعل في حدّ ذاته .

ومنها : رواية المفضل بن صالح المتقدِّمة عن أبي عبد الله ’ (قال : سمعتُه يقول : لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة ، إلَّا الضحى وألم نشرح وألم ترَ كيف ولإيلاف قريش)[12] ، باعتبار أنَّ الاستثناء متصل كما هو الظاهر ، فيدلّ على تعدُّد السّورتين .

وأجاب عنها من ذهب إلى الاتحاد بأنَّ الاستثناء منفصل ، ولكنّه خلاف الظاهر .

والذي يهوِّن الخطب : أنَّها ضعيفة بالراوي المفضَّل وبالإرسال ، لأنَّ صاحب مجمع البيان عليه السَّلام الذي روى هذه الوراية لم يذكر طريقه إلى العياشي ، كما أنَّها مرسلة بطريق المحقّق عليه السَّلام ، حيث لم يذكر طريقه إلى جامع البنزنطي .

ومنها : رواية داود الرّقي في الخرائج والجرائح لسعد بن هبة الله الراوندي من أجلّاء الطّائفة ، ,محدّثيها المتوفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة للهجرة ، عن أبي عبد الله ’ في حديث (قال : فلمّا طلع الفجر قام فأذّن وأقام وأقامني عن يمينه ، وقرأ في أوّل ركعة الحمد والضّحى ، وفي الثانية بالحمد وقل هو الله أحد ، ثمَّ قنت ثمَّ سلم ثمَّ جلس ) [13] .

وفيه أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بداود الرقّي وبالإرسال ، حيث لم يذكر الراوندي عليه السَّلام طريقه إلى داود .

وثانياً : أنَّه فعل المعصوم ’ وهو مجمل ، إذ يحتمل أنَّه لم يقتصر الإمام ’ على خصوص والضحى ، بل قرأ معها ألم نشرح ولم يسمها الرّاوي إلّا باسم أوليهما .

ومع النظر عن كلّ هذه الأمور يكون مثلها مثل رواية زيد الشحام الأُولى ، فراجع .

ومن جملة الأدلّة على التعدّد ما ذكره صاحب المدارك عليه السَّلام ، حيث قال : (والذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لإثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السّور ... ) .

وفيه : أنّ كونهما كذلك في المصاحف - أي مع الفصل بالبسملة - لا ينافي الوحدة ، كما في سورة النمل .

وعليه ، فهذا الدليل غير تامّ أيضاً .

والخلاصة : أنّه لا دليل قويّ لا على الاتحاد ولا على التعدّد ، فما في الوظيفة حينئذٍ إذا أراد الصذلاة بهما ؟

أقول : أمّا على القول بكونهما سورة واحدة ووجوب قراءة صورة كاملة فالأمر واضح ، إذ لا بدّ من قراءتهما معها في ركعة .

وأمَّا على القول : بالتعدد مع وجوب قراءة سورة كاملة ، فهل يجب قراءتهما في ركعة ، هذا ما سنبحثه في الأمر الثاني .

الأمر الثاني : يظهر من كلام الأعلام أنه لا بد من الجمع بينهما في ركعة واحدة .

وعن الانتصار : (أنَّ وجوب الجمع بين ألم ترَ ولإيلاف في ركعة واحدة إجماعيّ ، وأنَّه من منفردات الإمامية) .

وعن الأمالي (أنَّ من دينها الإقرار بأنّه لا يجوز التفرقة بينهما في ركعة ... ) .

وغيرها من العبائر الظّاهرة في اتّفاق الأصحاب على الاتّحاد ، أو على وجوب الجمع ، أو على الأمرين معاً .

أقول : يحتمل أن يكون اتّفاقهم على قراءتهما معاً للاعتقاد بكونهما سورة واحدة ، وهذا لا يقيّد القائل بالتعدّد فلا إطلاق لمعقد الإجماع .

وأمَّا الرّوايات الواردة في المقام :

فمنها : صحيحة زيد لاشحام (قال : صلى بنا أبو عبد الله ’ الفجر ، فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة) [14] .

ولكن لا دلالة لها على الوجوب لإجمال الفعل والقدر المتيقن هو الحمل على الاستحباب .

ومنها : رواية المفضل بن صالح[15] ، وقد تقدمت ، وقد عرفت أنّها ضعيفة .

 


[1] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح9و4و6و7و1.
[2] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح9و4و6و7و1.
[3] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح9و4و6و7و1.
[4] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح9و4و6و7و1.
[5] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح9و4و6و7و1.
[6] الهداية أول باب القراءة باب46.
[7] المستدرك باب7 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1و2.
[8] المستدرك باب7 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1و2.
[9] المستدرك باب7 من أبواب القراءة في الصَّلاة ذيل حديث2.
[10] المستدرك باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح3و2.
[11] المستدرك باب10 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح3و2.
[12] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصلاة ح5و10.
[13] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصلاة ح5و10.
[14] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصلاة ح1و5.
[15] الوسائل باب10 من أبواب القراءة في الصلاة ح1و5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo