< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(44)

 

ومنها : موثّقة زرارة (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجل يقرن بين السّورتين في الركعة ، فقال : إنَّ لكلِّ سورة حقّاً ، فأعطها حقَّها من الرّكوع والسّجود ، قلتُ : فيقطع السُّورة ؟ فقال : لا بأس)[1] .

ومثلها رواية عمر بن يزيد ( قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : أقرأ سورتين في ركعة ؟ قال : نعم ، قلتُ : أليس يُقال : أعطِ كلّ سورة حقَّها من الرّكوع السّجود ؟! فقال : ذاك في الفريضة ، فأمَّا النافلة فليس به بأس) [2] ، وهي ضعيفة بالقروي ، فإنَّه مهمل .

ومثلها أيضاً ما في الخِصال بسنده عن عليّ عليه السلام - في حديث الأربعمائة - (قال : أعطوا كلّ سورة حقَّها من الرّكوع والسّجود إذا كنتم في الصّلاة) [3] ، وهي ضعيفة بالقاسم بن يحيى ، وجدّه الحسن بن راشد ، فإنَّهما غير موثّقين .

ومعنى حقّ السُّورة من الركوع والسجود : هو أنْ يأتي بهما بعد السّورة بلا فصل ، فإذا قرن بين سورتين فقد ترك حقَّ الأُولى ، لأنَّ حقَّها الاستقلال .

ومنها : موثَّقة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لا بأس أن تجمع في النافلة من السّورة ما شئت)[4] .

والاستدلال بها مبني على ثبوت المفهوم للوصف ، وقد ذكرنا في علم الأصول أنّه لا مفهوم له .

ومنها : موثَّقة عبيد بن زرارة (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن ذكر السّورة من الكتاب يدعو بها في الصّلاة ، مثل {قل هو الله أحد } ، قال : إذا كنت تدعو بها فلا بأس) [5] .

وفيه : أنَّها ظاهرة في كون السّورة في القنوت ، والقِران - بناءً على حرمته أو كراهته - إنّما هو في محلّ القراءة ، دون باقي أفعال الصَّلاة .

وعليه ، فيحتمل إرادة اعتبار الدّعاء فيها لتحصيل وظيفة القنوت الموضوع لذلك ، لا لقراءة القرآن دون مخافة القران ، قال صاحب الجواهر رحمه الله : (والمراد من الدّعاء إمّا الدّعاء المعروف الذي دعا به إبراهيم عليه السلام يوم أُلقي في النّار ، وهو على ما في بالي : يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا مِنْ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ... ) .

وأمَّا مَنْ ذهب إلى الجواز فقدِ استُدل بجملة من الرّوايات :

منها : صحيحة عليّ يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن القِران بين السّورتين في المكتوبة والنافلة ، قال : لا بأس ... ) [6] .

ومنها : موثقة زرارة ©قال : قال أبو جعفر ’ : إنما يكره أن يجمع بين لاسورتين في الفريضة فأما النافلة فلا بأس®[7] .

ومنها : ما في آخر السّرائر نقلاً من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لَا تَقْرِنَنَّ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الْفَرِيضَةِ فِي رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ) [8] ، والنهي محمول على الكراهة ، بقرينة قوله عليه السلام (فإنَّه أفضل) ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال لِعدم ذِكْر ابن إدريس رحمه الله طريقه إلى كتاب حريز .

 

ومنها : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن رجلٍ قرأ سورتين في ركعة ، قال : إذا كانت نافلةً فلا بأس ، وأمَّا الفريضة فلا يصلح) [9] ، فإنّه (لا يصلح) ظاهر في الكراهة ، ولكنّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن فإنّه مهمل .

ومقتضى الجمع بين الأخبار حمل الأخبار الأُوَل على الكراهة ، بمعنى أقليَّة الثواب ؛ وهذا هو الإنصاف .

لا يُقال : إنَّ مشهور المتقدّمِين أعرض عن الرّوايات المجوِّزة ، وإعراضهم يوجب الوهن .

فإنَّه يُقال : أوَّلاً : أنّ إعراضهم لا يوجب الوهن ، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة .

وثانياً : أنَّ الصغرى غير ثابتة ، إذ يحتمل أن يكون ذلك ترجيحاً لنصوص المنع ، فلم يحرز إعراضهم عنها ، أو يحتمل عدم اجتماع تمام الأصول عند كلّ واحد منهم ، وعدم تأليف ما يتعلّق بكل باب منها على حدة ، فربما خفي على كلّ واحد منهم كثير من النصوص ، فيفتي بما عنده من غير علم بالباقي .

هذا ، وقد حمل صاحب الحدائق رحمه الله الرّوايات الدّالة على الجواز التقيّة .

وفيه أوّلاً : أنَّ الحمل على التقيّة إنّما يكون إذا لم يمكن الجمع العرفي بين الأخبار ، بحيث استقرّ التعارض ، وأمّا إذا أمكن ذلك - كما في مقامنا حيث تحمل الرّوايات الناهية على الكراهة - فلا موقع حينئذٍ للحمل على التقيّة .

وثانياً - مع قطع النظر عن ذلك - : فإن احتمال مراعاة التقيّة هنا ضعيف لأنَّه إنّما نقل جواز القِران عن الشّافعي منهم ، محتجّاً بفعل ابن عَمْرو الذي يتقي منه غالباً في مثل تلك الأزمنة أبو حينفة ، باعتبار كون مذهبه مذهب السلطان وأتباعه .

على أنّ الرّوايات الواردة بالجواز قد تضمنت الكراهة والتفصيل بين النافلة والفريضة ، ونحو ذلك ، ممّا لا ينقل عن الشّافعي .

ثمَّ إنّه ينبغي التنبيه على ثلاثة أمور :

الأوَّل : أنَّ المراد من القِران بحسب ظاهر الرّوايات هو الجمع بين سورتين ، لا الأكثر من سورة مطلقاً حتّى بتكرار السّورة أو بعض الكلمات منها أو الفاتحة ، كما هو مختار الشّهيد الثاني رحمه الله ، حيث قال : (وبتحقيق القِران بقراءة أزيد من سورة وإن لم يكمل الثانية ، بل بتكرار السّورة الواحدة أو بعضها ، ومثله تكرار الحمد) .

وفيه : أنّ المنصرف من روايات القِران هو ما كان عبارةً عن قراءة سورة ثانية تامّة .

وأمّا صحيحة منصور بن حازم فيمكن إرادة السّورة التامّة من كلمة الأكثر الواردة في الصّحيحة .

أضف إلى ذلك : أنَّه لا خلاف في جواز العدول إذا لم يبلغ النصف ، مع أنَّه لا إشكال في حصول الزّيادة على السّورة ، ومع ذلك لا قائل بالتحريم .

 


[1] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح3.
[2] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح5.
[3] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح10.
[4] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح7.
[5] الوسائل باب9 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1.
[6] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح9.
[7] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح2.
[8] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح11.
[9] الوسائل باب8 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح13.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo