< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(42)

 

وأمَّا ما عن العلَّامة الطباطبائي رحمه الله في منظومته - بعد أن اختار القول بالإيماء من أنَّه زيادة في الفريضة لمساواة البدل للمبدل منه - ففي غير محلِّه قطعاً ، لأنَّ مورد الأخبار المتضمنة للزيادة هو السُّجود ، كيف وقد أمر بالبدل فراراً عن حكم مبدله ؟!

وأمَّا القول الرابع : وهو الجمع بين الإيماء والسُّجود بعد الصَّلاة فقد يستدلّ له بقاعدة الاشتغال ، باعتبار أنَّ التكليف مردَّد بين الأمرين فلا يحصل القطع بالفراغ إلَّا بذلك .

وفيه : أنَّ المورد ليس من موارد قاعدة الاشتغال ، إذ مع وجود الأمارة لا مسرح لها ، وهي موجودة هنا ، إمَّا الرّوايات الدّالة على الإيماء كما اخترناه ، وإمّا الرّوايات الآمرة بالسّجود عند قراءة العزيمة ، والله العالم .

ثمَّ إنَّه بعد أن حكمنا بصحَّة الصّلاة هل يكتفي بما أكمله ، أو بإكمال ما بقي من سورة العزيمة ، أم يجب الإتيان بسورة أخرى ؟

ذهب المصنّف رحمه الله في البيان إلى العدول إلى سورة أخرى مع التذكّر قبل الرّكوع وإن كان قد أتمّها ، وكذا غيره من الأعلام الذين وافقوه في ذلك .

وكأنّ الوجه في ذلك أنّ النهي عن قراءة العزيمة هو إرشاد إلى تقيد السّورة المأمور بها بعدم كونها من سور العزائم ، وأنّ هذه ليست جزءاً من الصّلاة ، بل الجُزء سورة أخرى غيرها .

وفيه : أنّ مقتضى تعليل النهي بأنّ السّجود زيادة في المكتوبة أنَّ المنع إرشادي إلى عدم وقوعه في محذور إبطال الصّلاة إذا سجد للتلاوة ، أو محذور العصيان إن لم يسجد ، وإلّا فسورة العزيمة كغيرها من السّور واجدة لملاك الجزئيّة ، فمع عدم تنجّز الحرمة لأجل السّهو والنسيان لا مانع حينئذٍ من التقرّب بها .

والخلاصة : أنَّه لا يحتاج إلى قراءة سورة أخرى ، والله العالم .

الأمر الثالث : ما هو الحكم لو قرأها سهواً على فرض الحرمة والبطلان في القرءاة ، ثمَّ ذكر قبل أن يتجاوز النصف ومحلّ السّجود .

أقول : المعروف بين الأعلام أنّه لا إشكال في صحّة صلاته ، ولكن يعدل إلى سورة أخرى .

وأمَّا احتمال البطلان من جهة القران .

ففيه أوَّلاً : أنَّه لا يحرم القران ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

وثانياً : على فرض القول بحرمته ، وأنَّه موجب للبطلان ، إلَّا أنَّه مختصّ بصورة التعمُّد في الزائد والمزيد عليه ، والفرض أنّه ساهٍ وناسٍ .

وثالثاً : أنَّه يشكّ في صدق القران بين السّورة والبعض .

وممَّا ذكرنا يتضح لك التأمّل فيما ذكره المصنّف رحمه الله في الذكرى ، وإنِ اختار بالنتيجة ما عليه المشهور ، قال فيها : (لو قرأ العزيمة سهواً في الفريضة ففي وجوب الرّجوع عنها ، ما لم يتجاوز النصف ، وجهان مبنيان على أنَّ الدوام كالابتداء أو لا ، والأقرب الأوَّل ... )[1] .

ثمَّ إنه مما ذكرنا يتضح لك أيضاً حال ما لو تجاوز النصف ولم يتجاوز محلّ السّجود فإنَّه يعدل أيضاً للنهي عن العزيمة ، ولوجوب سورة كاملة عليه فتوًى أو احتياطاً ، وهذه الزيادة غير مضرة لكونها سهواً .

وأمَّا ما دلّ على أنّ العدول إنَّما هو إذا لم يتجاوز النصف فهو على تقدير تسليمه لما سيأتي من المناقشة في دليله لا يشمل ما نحن فيه لاختصاصه انصرافاً بما إذا تمكّن من إتمام السّورة ؛ وفي المقام لا يمكنه ذلك للنهي عن العزيمة .

وممَّا ذكرنا يتضح لك التأمُّل فيما ذكره المصنِّف رحمه الله في الذكرى ، وإنِ اختار بالنهاية مقالة المشهور ، قال فيها : ( وإن تجاوز ففي جواز الرّجوع وجهان أيضاً ، من تعارض عمومين ، أحدهما المنع من الرّجوع هنا مطلقاً ؛ والثاني المنع من زيادة سجدة ، وهو أقرب وإن منعناه أومأ بالسّجود ثمَّ يقضيها ، ويحتمل وجوب الرّجوع ما لم يتجاوز السّجدة ، وهو قريب أيضاً ، مع قوة العدول مطلقاً ما دام قائماً) .

 

قوله : (ولا يفوت الوقت بقراءته)[2]

يقع الكلام في أمرين :

الأوَّل : في عدم جواز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته .

الثاني : هل تبطل الصَّلاة بقراءته ، أم لا ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام عدم جواز ذلك ، وفي الجواهر : (بلا خلاف معتدّ به أجده فيه ، وإنِ اختلف التعبير عنه بما في المتن ، أو بالنهي ، أو بالحرمة ... )[3] .

أقول : ويظهر من الأعلام أنَّ المسألة متسالم عليها بينهم ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه .

ومع ذلك قدِ استُدلّ ببعض الأدلّة :

منها : حسنة أبي بكر الحضرمي ( قال : قال أبو عبد الله عليه السلام - في حديث - لا تقرأ في الفجر شيئاً من أل حم)[4] ؛ باعتبار أنَّ النهي لأجل كون قراءة سورة (حم) يفوت بها الوقت .

وذكر بعضهم أنَّ دلالتها وإن كانت بعيدةً إلَّا أنَّها تتمّم برواية عامر بن عبد الله ( سمعتَ أبا عبد الله عليه السلام يقول : مَنْ قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت ) [5] ، وهي ضعيفة لعدم وثاقة عامر بن عبد الله .

والإنصاف : أنَّه لا يصحّ الاستدلال بها بين الرّوايتين فإنَّه -مضافاً لضعف الرّواية الثانية - فإنْ أريد من فوات الوقت بقراءة سورة (حم) هو وقت الإجزاء ، فهو في غير محله أصلاً ، فإنَّ سورة الحواميم - وهي سبعة - لا يفوت الوقت بقراءتها ، لاسيَّما سورة الدُّخان ، فإنَّها لا تحتاج إلى أكثر من دقائق معدودة .

وأطول سور الحواميم هي سورة غافر ، ومع ذلك فإنَّها لا تحتاج إلى أكثر من ثلث ساعة ، وإن أريد من فوات الوقت هو وقت الفضيلة فتكون خارجةً عن محلّ الكلام .

فالإنصاف : أنَّه يرد علمها إلى أهلها ، وهو أدرى بها .

ومنها : أنَّ الأمر بالشَّيء - وهو إيقاع الصَّلاة في وقتها - يقتضي النهي عن ضدّه ، وهو قراءة السّورة الطّوال .

وفيه - ما ذكرناه في علم الأصول - : من أنَّ الأمر بالشّيء لا يقتضي النهي عن ضده ؛ ولو سلِّم ذلك فإنَّ النهي عرضي لم ينشأ عن مفسدة في متعلّقه .

ومن هنا يحتمل قويًّا أنْ يكون مراد الأعلام من التسالم على الحرمة هو الحرمة العرضيّة ، من جهة استلزام قراءة السّورة الطِّوال تفويت الوقت .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo