< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(40)

 

ولكن الإنصاف : أنَّ مسألة القيء والجنابة في الصّوم تختلف عن مسألتنا هذه ، لأنّ للصّلاة وللسّجود وجودَيْن مستقلِّين في الخارج ، لأنَّ الصّلاة عبارة عن الأفعال الخاصَّة المشروطة بترك سجود التلاوة ، وسجود التلاوة شيء آخر مباين للصّلاة .

وعليه ، عندنا أمر بالسّجود عند قراءة العزيمة ، وأمر بالمضي - أي إتمام الصَّلاة - ويوجد في متعلّق كلّ منهما مصلحة ملزمة ، وتدخل المسألة حينئذٍ في باب التزاحم لعدم قدرته على امتثال كلٍّ منهما معاً .

فلو فرضنا أنّ الأمر بالسّجود أهم من الأمر بالمضي فيمكن تصحيح الصّلاة بالأمر بالمضي عند عصيان الأمر بالأهمّ - السّجود - من باب الترتُّب ، فيُؤمر أوَّلاً بالسّجود للتلاوة ، وعلى تقدير العصيان يُؤمر بإتمام الصّلاة .

وأمّا مسألة القيء والجنابة في الصّوم فليس الأمر فيهما كذلك ، إذ لا وجود مستقلّ للصّوم غير ترك القيء والجنابة ، بل الصّوم هو ترك القيء والجنابة .

وعليه ، فهو وجود واحد لا وجودان في الخارج حتّى يكون في كلٍّ منهما ملاك يزاحم الملاك الآخر ، بل هما من باب التزاحم بين الجهات في الشّيء الواحد بلحاظ الوجود والعدم ، ويكون بينهما كسر وانكسار في مرحلة الجعل ، فإذا كان في ترك الجنابة والقيء مصلحة غالبة خرج الصّوم عن كونه راجحاً وانتفى ملاكه ، فلا يكون تشريعاً للصّوم ، فيمتنع التقرب به ، إذ لا ملاك ولا أمر به .

ومن هنا لا يصحّ التقرُّب بشرب الخمر بلحاظ أنّ فيه مصلحة في الجملة ، كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} .

والسرّ فيه : أنّ المفسدة الغالبة فيه مانعة من تحقّق الميل إليه ، وتحقُّق ملاك الأمر به ، لأنَّه بعد الكسر والانكسار في مقام الجعل يكون التشريع للملاك الغالب ، وهي المفسدة في الخمر .

وعليه ، فلا مصلحة غالبة ، ولا أمر في الخمر حتّى يتقرب به .

وقد يستدلّ أيضاً : بأنّ قراءة السّورة معرض للوقوع في أحد محذورين ، فتحرم السّورة حينئذٍ ، ومع حرمتها تبطل لأنّ حرمة العبارة تقتضي الفساد . وأمّا المحذوران فهما السّجود للتلاوة الذي يلزمه إبطال الصّلاة ، وإن لم يسجد فيكون قد عصى لتركه السّجود الذي هو واجب فوري .

وفيه أوَّلاً : ما عرفته من أنّ سجود التلاوة لا يبطل الصّلاة .

وثانياً : أنّه لا دليل قويّ على حرمة إبطال الصّلاة .

وأقوى دليل عندهم هو الإجماع المحكي عن بعض الأعلام ، وقد عرفت أنّه غير حجّة .

وثالثاً : على تقدير بطلان السُّورة للنهي عنها فغايته بطلانها لا بطلان الصَّلاة ، فله العدول إلى سورة أخرى .

والخلاصة إلى هنا : أنَّه لا يحرم قراءة إحدى العزائم في الفرائض ولا تبطل الصَّلاة بها ، سواء سجد لها أم لم يسجد .

نعم ، الأحوط الأولى ترك ذلك ، والله العالم بحقائق أحكامه .

الأمر الثاني : ما هو الحكم لو قرأها سهواً ونسياناً - على فرض الحرمة والبطلان في القراءة عمداً - ثمَّ ذكر بعد قراءة آية السّجود ، أو بعد الإتمام ؟

والمعروف بين الأعلام قاطبة أنَّ صلاته صحيحة ، ولكن وقع الخلاف بينهم على أقوال أربعة :

الأول : وهو ما ذهب إليه كاشف الغطاء رحمه الله من أنَّه يسجد في الأثناء ، ولا تبطل صلاته .

الثاني : أنَّه يؤخِّر السّجود إلى ما بعد الفراغ ، ذهب إليه جماعة من الأعلام ، منهم السَّيد الخوئي رحمه الله .

الثالث : أنَّه يُومئ بدل السّجود ، كما ذهب إليه جماعة من الأعلام ، منهم المحقق الهمداني رحمه الله ، وهو الأقوى عندنا .

الرابع : أنَّه يجمع بين الإيماء في الأثناء والسَّجدة بعد الفراغ ، كما حكي ذلك عن بعض الأعلام .

ثمَّ إنَّه قبل الشّروع في بيان هذه الأقوال يبنغي الإشارة إلى أنَّه على ما اخترناه سابقاً من صحَّة الصّلاة وعدم الحرمة حتّى في صورة العمد ، فالحكم حينئذٍ في المسألة والمسألة الآتية يكون واضحاً .

وعليه ، فالكلام مبنيّ على القول بالحرمة ، والبطلان في صورة العمد .

إذا عرفت ذلك فنقول :

أمَّا القول الأوَّل : فالوجه في عدم البطلان أنَّه لا تصدق الزّيادة بسجود التلاوة ، لأنَّ الزّيادة الحقيقيّة يشترط فيها قصد الجزئيّة ، وهو منتفٍ هنا لأنَّه يسجد للتلاوة .

ويرد عليه : أنَّ الكلام في المقام بعد البناء على كون السّجود مبطلاً لها ، وأنّه زيادة في الصلاة ، كما في النص حيث ورد فيه بأنَّ السّجود زيادة في المكتوبة ، لا سيَّما مع دعوى جماعة من الأعلام بطلان الفريضة بالسّجود للتلاوة .

وأمَّا القول الثاني : فقد يستدلّ له بأنَّ دليل فوريَّة السّجود معارَض بما دلّ على النهي عن إبطال الفريضة ، مع ترجيح الثاني .

وعلى القول بالتساوي ، وتساقط كل منهم للتعارض ، يكون المرجع هو استصحاب وجوب المضي في الصَّلاة ، واستصحاب حرمة قطعها .

وفيه أوَّلاً : أنَّه لا ترجيح للنهي عن إبطال الفريضة على ما دلَّ على فوريَّة السّجود إن لم يكن هذا أرجح منه .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo