الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/06/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(33)
والخلاصة : أنَّه لا يصحّ الاستدلال بهذه الصّحيحة ، لا سيَّما مع إعراض المشهور عنها ، وموافقتها للعامَّة .
وعليه ، فما ذهب إليه المشهور من الأعلام قديماً وحديثاً هو الصَّحيح .
لكن غاية ما يستفاد من الأخبار أنَّه يجب الإجهار في الجهريَّة والإخفات في الإخفاتيَّة ؛ وأمَّا أنَّ ما يجب أن يراعي فيه الوصفان هل هو مجموع الأقوال المعتبرة في الصَّلاة ، أو خصوص القراءة مطلقاً ، أو خصوص الأوليين ، وكذا بالنسبة لتعيين الصَّلاة التي يجهر فيها هل هي الصّبح والمغرب والعشاء ، فالرّوايات المستدلّ بها لا تدلّ على ذلك .
أقول : أمَّا بالنسبة للذي يراعي فيه الوصفان فليس هو مجموع الأقوال ، بل خصوص القراءة في الأوليين ، لا لرواية محمَّد بن عمران ويحيى بن أكثم المتقدِّمتين ، لأنَّهما ضعيفتان ، كما عرفت ، بل لصحيحة زرارة الثانية ، وصحيحة عليّ بن جعفر المتقدِّمتين .
وكذا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه قال : إذا صلّيت خلف إمامٍ تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لا تسمع ، إلَّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ )[1] .
وصحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن الأوّل عن الرّجل يصلّي خلف إمامٍ يقتدى به في صلاةٍ يُجْهر فيها بالقراءة ... ) [2] .
وأيضاً عُلِم ذلك من سيرة المسلمين ، وإجماع العلماء ، أنَّه لا يجب ذلك ، فيما عدا القراءة في الأوليين ، بل المكلَّف مخيَّر بين الجهر والإخفات في الأذكار المعتبرة في الركوع والسّجود والتشهّد والقنوت ، وكذا التسليم والتكبيرات .
ويشهد للتخيير أيضاً صحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الرّجل ، هل يصلح له أن يجهر بالتشهّد ، والقول في الرّكوع والسّجود والقنوت ؟ فقال : إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر) [3] ، ومثلها صحيحة عليّ بن جعفر[4] .
وذكر هذه الأمور في الصّحيحتين إنّما هو على وجه التمثيل ، فيشمل حينئذٍ التسليم والتكبيرات .
وأمَّا بالنسبة لتعيين الصّلاة التي يجهر بقراءتها فيفهم ذلك من سيرة المسلمين ، حيث جرت سيرتهم على الجهر في الصّبح وفي الأولتين من المغرب والعشاء .
الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ الجهر في صلاة الجمعة يوم الجمعة ، وفي الجواهر : (إجماعاً في القواعد والذكرى والبيان والمدارك والمحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام وجامع المقاصد والرّوضة في بحث الكسوف والغربة وإرشاد الجعفريَّة والمقاصد العليَّة والفوائد المسليَّة والمفاتيح والحدائق ، فهو كالمتواتر ، بل في المعتبر لا يختلف فيه أهل العلم ، لكن ظنِّي أنَّ المراد منه مطلق الرجحان ، مقابل وجوب الإخفات في الظّهر في غير يوم الجمعة ، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف على وجهٍ يكون به إجماعاً ... )[5] .
أقول : قدِ استُدلّ للاستحباب بجملةٍ من الأخبار :
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث - (في الجمعة ، قال : والقراءة فيها بالجهر) [6] .
ومنها : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (قال : لِيَقْعد قِعْدة بين الخطبتين ، ويجهر بالقراءة) [7] .
ومنها : صحيحة عبد الرّحمان العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا أدركت الإمام يوم الجمعة ، وقد سبقك بركعة ، فأضف إليها ركعةً أخرى ، واجهر فيها ... ) [8] .
وهذه الصِّحاح وإن كان ظاهرها الوجوب إلَّا أنَّ الأصحاب حملوها على الاستحباب بقرينة الإجماع المدّعى ، بل نَقْله كاد أن يكون متواتراً .
ولكنَّك عرفت عبارة صاحب الجواهر رحمه الله سابقاً ، حيث استشكل بعد نقله الإجماع ، بقوله : (لكن ظنِّي أنَّ المراد منه مطلق الرجحان ، مقابل وجوب الإخفات في الظُّهر في غير يوم الجمعة ، لعدم التصريح بالندب قبل المصنِّف على وجهٍ يكون به إجماعاً ... )[9] .
وحاصل الإشكال أنَّه لم يعلم أنَّ مرادهم من الإجماع هو الإجماع على الاستحباب ، بل أجمعوا على أنَّ الجهر راجح ، فيُحتمل أن يكون مرادهم من الرجحان هو الوجوب .
وعليه ، فلا قرينة على الاستحباب ، بل يبقى الأمر في الرّوايات ظاهراً في الوجوب ، كما يظهر ذلك من السَّيد الحكيم رحمه الله في المستمسك .
وأمَّا السَّيد الخوئي رحمه الله فقد ذكر أنَّ الوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنَّه أحوط .
أقول : مع كون هذه الصّحاح بمرأى من الأصحاب ومسمع في جميع الأعصار والأمصار ، ومع ذلك لم أرَ من صرح بالوجوب من جميع المتقدّمين والمتأخّرين ، وهذه قرينة على عدم الأخذ بظاهر الأمر من الوجوب .
فالإنصاف : أنَّ مقتضى الصناعة العلميَّة هو استحباب الجهر في صلاة الجمعة يوم الجمعة ، لكنَّ الاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم ؛ هذه كلّه بالنسبة لصلاة الجمعة .
وأمَّا الجهر في صلاة الظُّهر يوم الجمعة فالمعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ الجهر في الأوليين من ظهره .
ويدلّ عليه عدّة من الرّوايات :
منها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال لنا : صلّوا في السَّفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة ، واجهروا بالقراءة ، فقلتُ : إنَّه ينكر علينا الجهر بها في السَّفر ، فقال : اجهروا بها) [10] .
بناءً على إرادة الظُّهر قصراً من الجمعة فيه ، كما يوضّحه خبر محمَّد بن مروان (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الظُّهر يوم الجمعة ، كيف نصليها في السَّفر ؟ فقال : يصلّيها في السَّفر ركعتين ، والقراءة فيها جهراً) [11] ، ولكنَّه ضعيف بجهلة محمَّد بن مروان ، فإنَّه مشترك بين عدَّة أشخاص أغلبهم مجهول الحال ، وبجهالة الحسين بن عبد الله الأرجاني .
ومنها : صحيحة عمران الحلبي (قال : سُئِل أبو عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يصلّي الجمعة أربع ركعات ، أيجهر فيها بالقراءة ؟ قال : نعم ، والقنوت في الثانية) [12] .
ومنها : حسنة الحلبي (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صلّيتُ وحدي أربعاً أَجْهر بالقراءة ؟ فقال : نعم) [13] ، وظاهر صحيحة محمَّد بن مسلم ، وكذا خبر ابن مروان ، هو وجوب الجهر .