< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(31)

 

قوله : (ويجب الجهر بالقراءة في الصبح وأولي العشاءين ، وأقلّه إسماع القريب ولو تقديراً ، والإخفات فيما عداها ، وحدّه إسماع نفسه ولو تقديراً ، ويسقط الجهر عند التقيّة ، وجعل المرتضى وابن الجنيد الجهر والإخفات مستحبّين)[1]

يقع الكلام في ثلاثة أمور :

الأوَّل : وجوب الجهر على الرّجال بالحمد والسّورة في الصّبح ، وفي أولتي المغرب والعشاء ، والإخفات بهما في الظّهرين غير يوم الجمعة .

وأمَّا حكم الرّكعتين الأخيرتين - سواء التسبيح فيهما أم القراءة - فقد تقدَّم الكلام فيهما من حيث وجوب الإخفات أو جواز الجهر ، عند قول المصنّف رحمه الله سابقاً (ووجوب الإخفات فيه) ، وعرفت ما هو الإنصاف ، فلا حاجة للإعادة .

الثاني : ما حكم الجهر والإخفات في صلاة الجمعة وظهرها ؟

الثالث : ما هو مناط الجهر والإخفات ، وما الفرق بينهما ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمشهور بين الأعلام المتقدّمين والمتأخّرين وجوب الجهر على الرّجال بالحمد والسّورة في الصبح ، وفي أولتي المغرب والعشاء والإخفات بهما في الظّهرين غير يوم الجمعة ، بل عن الخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه .

قال الشيخ رحمه الله في الخلاف : (مَنْ جهر في صلاة الإخفات ، أو خافت في صلاة الجهر متعمِّداً ، بطلت صلاته ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، دليلنا إجماع الفرقة ... )[2] .

وفي المقابل حُكي عن ابن الجنيد رحمه الله والسّيد المرتضى رحمه الله الخلاف في المسألة ، ونقل عن ابن الجنيد رحمه الله أنَّه قال : (لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها ، أو خافت فيما يجهر بها ، جاز ذلك ، والاستحباب أن لا يفعله)[3] ، وعن السَّيد المرتضى في المصباح (أنَّ ذلك من السُّنن المؤكّدة) ، ومال ذلك جملة من متأخّري المتأخّرين ، منهم صاحب المدارك رحمه الله ، وفي الكفاية للسبزواري رحمه الله : (أنَّ عدم وجوب الجهر غير بعيد) وفي البحار : (أنَّه لا يخلو من قوَّة)[4] .

واستدلّ للمشهور بعدَّة أدلَّة :

منها : الإجماع المدَّعى من بعض الأعلام .

وفيه : ما عرفته من عدم حجيته ، وإنَّما يصلح للتأييد .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجلٍ جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أي ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري ، فلا شيء عليه ، وقد تمَّت صلاته)[5] .

ومنها : مفهوم صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام (قال : قلتُ له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شيء عليه)[6] .

وأمَّا الإشكال فيهما : بأنَّ لفظ (لا ينبغي) ظاهر في الاستحباب ، وأنَّ (نقض) بالرواية الأُولى هي بالصّاد المهملة ، أي نقص ثوابه ، ويحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب .

ففيه : أنَّ التعبير بلفظ (ينبغي) لا يُوهِن ظهور الصّحيحة في الدّلالة على الوجوب لأنّ ظاهر الصّحيحة أنّ السّائل جاهل لوجوب الجهر في القراءة ، إذ لو كان عالماً بالوجوب لم يحتج إلى الجواب عن صورة العمد بالبطلان ، لوقوع ذلك .

وأمَّا التعبير بالنقص في الصّحيحة الأولى .

ففيه أوَّلاً : أنَّ الموجود في أغلب كتب الأخبار (نقض) بالضاد المعجمة ، لا الصَّاد المهملة .

وثانياً : لو سلمنا كونها بالصّاد المهملة إلّا أنه لا يؤثِّر في الاستدلال بعد الأمر بالإعادة ، فيكون النقص حينئذٍ ظاهراً في البطلان مقابل التمام الظّاهر في الصّحّة ؛ وليس المراد من النقص قلّة الثواب .

ومن هنا تعرف أنّه لا يصحّ حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب ، لأنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى بطلان الصّلاة ، وفسادها ، ولا معنى لاستحباب الفساد .

والخلاصة : أنَّ الاستدلال بالصّحيحتين تامّ ، بل هما العمدة في المقام .

ومنها : ما رواه الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرّضا عليه السلام - في حديث - (أنَّه ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصّلوات دون بعض : أنَّ الصّلوات التي يجهر فيها إنَّما هي في أوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هنا جماعة ، فإن أراد أن يصلّي صلّى أنّه إن لم يرَ جماعة علم ذلك من جهة السُّماع ، والصَّلاتان اللتان (يجهر فيهما خ ل) إنَّما هما بالنَّهار في أوقات مضيئة فيه من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السّماع)[7] .

وفيه أوّلاً : أنَّه ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في إسناد الصّدوق رحمه الله إلى الفضل بن شاذان .

وثانياً : أنَّها لا تدلّ على الوجوب لأنّ العلّة استحبابيّة لا تصلح لإثبات الوجوب ؛ مضافاً إلى أنّها لا تشمل غير الإمام .

ومنها : مارواه أيضاً بإسناده عن محمّد بن عمران - حمران - (أنَّه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال : لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وساير الصّلوات (مثل) الظّهر والعصر أن يجهر فيهما - إلى أن قال : - فقال : لأنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا أسري به إلى السّماء كان أوّل صلاة فرض الله عليه يوم الجمعة ، فأضاف الله عزّوجل إليه الملائكة تصلّي خلفه وأمر نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يجهر بالقرءاة ليتبيّن لهم فضله ، ثمَّ فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحداً من الملائكة ، وأمره أن يخفى القراءة ، لأنَّه لم يكن وراءه أحد ، ثمَّ فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة ، فأمره بالإجهار ، وكذلك العشاء الآخرة فلمّا كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر ، فأمره بالإجهار ليبيّن للنّاس فضله كما بيّن للملائكة ، فلهذه العلّة يجهر فيها ... )[8] ، وهي ضعيفة لجهالة محمد بن عمران ، سواء كان هو الرّاوي أم كانت الرّواية مردّدة بينه وبين محمّد بن حمران المشترك بين النهدي وابن أعين المجهول .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo