الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/05/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(30)
وفيه : أنّ الصّحيحة لا تخلو من إجمال من حيث المتعلَّق ، إذ لم يبيّن فيها ما هو الذي ينبغي الإجهار فيه ، والذي ينبغي الإخفاء فيه .
والقدر المتيقّن من الذي ينبغي الإجهار فيه هو القراءة في العشائين والصّبح ، والقدر المتيقّن من الذي ينبغي الإخفاء فيه هو القراءة في الرّكعتين الأولتين في الظّهر والعصر .
ويؤيِّد ذلك : صحيحته الثانية عن أبي جعفر عليه السلام (قال : قلتُ له : رجلٌ جهرَ بالقراءةِ فيما لا ينبغي الجهرُ فيه ... )[1] .
والخلاصة : أنَّها لا تدلّ على حكم التسبيح في الرّكعتين الأخيرتين .
ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرّكعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أيقرأُ فيهما بالحمد - وهو إمام يقتدى به - ؟ فقال : إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس) [2] ، بناءً على أنّ المراد الرّكعتان الأخيرتان ، كما اعترف به صاحب الحدائق رحمه الله ، لا أولتا الظّهر مثلاً .
وبناءً على أنَّ المراد من الصمت هو الإخفات ، وحينئذٍ وصفهما بذلك يدلّ على كون الإخفات في الأخيرتين لديهم من الأمور المسلّمة المفروغ عنها .
ولكن الإنصاف : أنّ المراد بالرّكعتين الأولتان ، بدليل أنّ الجواب هو تخيير المأموم بين القراءة والسّكوت ، إذ لا سكوت في الأخيرتين .
وعليه ، فالصّحيحة ناظرة إلى حكم الأولتين من الصّلوات الإخفاتيّة ، والله العالم .
وأمَّا ما ذكره العلّامة المجلسيّ رحمه الله في البحار - من أنَّ بعض الأخبار دالّة ظاهراً على رجحان الجهر - فقد ذكرنا أنّه لعلّه أشار بذلك إلى خبر رجاء الضحّاك المتقدِّم أنه (صحب الرّضا عليه السلام من المدينة إلى مرو ، فكان يسبِّح في الأخراوين ، يقول ... ) [3] .
ضرورة ظهوره في أنَّه حكاية ما كان يسمعه منه حال الصّلاة ، ولا يتمّ إلّا مع الجهر الذي أدناه إسماع غيره ، وأنّ الإخفات ليس إلّا إسماع النّفس خاصّة .
وفيه أوَّلاً : أنّه ضعيف بجهالة جميع رجاله .
وثانياً : أنَّ الفعل مجمل لم يتضح المراد منه .
والنتيجة في نهاية المقام : أنَّ مقتضى الصناعة العلميّة هو التخيير بين الإخفات والجهر في الرّكعتين الأخيرتين .
ولكنّ الأحوط وجوباً هو الإخفات ، سواء اختار القراءة أم التسبيح .
قوله : (والترتيب)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى (هل يجب الترتيب فيه ، كما صوَّره في رواية زرارة ، الظّاهر نعم ، أخذاً بالمتيقّن ، ونفاه في المعتبر للأصل مع اختلاف الرّواية)[4] .
وفي المدارك : (استقرب المصنِّف رحمه الله في المعتبر عدم ترتيب الذّكر ، لاختلاف الرّواية في تعيينه ، وهو غير بعيد ، وإن كان الأحوط اتّباع ما ورد به النقل بخصوصه)[5] .
وقال في الذخيرة : (الأقرب عدم اشتراط الترتيب في التسبيحات ، وفاقاً للمحقّق في المعتبر لاختلاف الرّوايات ، وهو أقوى دليل على ذلك ، وخالف فيه المصنّف والشّهيد)[6] .
والإنصاف : هو وجوب الترتيب ، كما ذهب إليه أكثر الأعلام ، وذلك لظهور الأمر بقوله عليه السلام فيه (فقل : سبحان الله والحمد لله ... ) ، ووقوع (الواو) بين التسبيح والتحميد وبين التحميد والتهليل مثلاً ، وإن كانت للعطف غير الموجب للترتيب فيها ، لكنّها من كلام الإمام عليه السلام في بيان الكيفيّة ، فهي جزء من أجزاء الكيفيّة المنقولة تختلّ باختلالها ، وليست من القول حتى يلزم جواز تقديم بعض المعطوفات على بعض الموجب لعدم الترتيب .
نعم ، قد يقال - بناءً على التخيير بين ما تضمنته النصوص التي منها صحيح الحلبي : فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر[7] الظّاهر في فوات الترتيب في بعض الفصول - يتّجه عدمه في خصوص ذلك .
ولكنّ الإنصاف : هو ما عرفته ، والله العالم .
قوله : (وتجب الموالاة ، والعربيَّة ، إلَّا مع العجز)[8]
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى ( وعاشرها : أنَّه يجب فيه الموالاة الواجبة في القراءة ، ومراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي ، فلا تجزئ ترجمته ؛ نعم لو اضطرّ إليه ، ولم يمكنه العربيّة ، فالأقرب جوازه لِمَا سبق في التكبير والأذكار في الأوليين)[9] .
أقول : أمَّا بالنسبة لمراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي فالحقّ هو ما ذكره المصنّف رحمه الله في الذكرى ، ولا يخفى وجهه .
وأمَّا بالنسبة للموالاة فإذا أدَّى الإخلال بها لمحو صورة الصّلاة أو التسبيح أو القراءة بدلاً عنه فلا بدّ من اعتبارها حينئذٍ .
وبالجملة ، فالمهمّ أن لا يكون اللفظ الأجنبي بين أجزاء التسبيح أو السّكوت الطويل مخلّاً بالهيئة الكلاميَّة المعتبرة في صحّة في كونه كلاماً ، والله العالم .