< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(29)

 

وفيه : أنَّ هذه الصّحيحة ليست دالّة على المطلوب ، إذ لا يوجد فيها ما يدلّ على مطلق الذّكر ، وإنّما فيها أمور خاصّة ، وهي التسبيح والتحميد والاستغفار .

ولا يخفى أيضاً أنّ الأمر بالاستغفار فيها محمول على الاستحباب .

وذلك أوَّلاً : لخلوّ سائر الرّوايات عنه .

وثانياً : لا يوجد قائل بالوجوب .

ومنها : حسنة زرارة المتقدّمة ، حيث ورد في ذيلها (فزاد النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في الصّلاة سبع ركعات هي سنّة ، ليس فيهنّ قراءة ، إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء ، فالوهم إنَّما هو فيهنّ ... )[1] .

وجه الاستدلال بها : هو حمل (الواو) فيها للتنويع ، أي جعل الواو بمعنى (أو) ؛ ويصبح المعنى هكذا : إنَّما تسبيح أو تهليل أو تكبير أو دعاء ... ، فيستفاد منها مطلق الذِّكر .

وفيه : أنَّ جعل (الواو) بمعنى (أو) خلاف الظّاهر جدّاً ، فيجتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة .

وهناك بعض الأقوال أيضاً ، مثل التخيير بين جميع ما ورد في الرّوايات ، ومثل التخيير بين الأربع والتسع والعشر والإثنتي عشرة ، ومثل التخيير بين ما ورد في خصوص الصحاح ؛ وكأنَّ المنشأ لهذه الأقوال هو الجمع بين الأخبار .

والإنصاف في المسألة : هو تعيّن القول الثاني لصحّته ، وبطلان بقية الأقوال .

وعليه ، فمقتضى الصّناعة العلمية هو عدم الاجتزاء بأقلّ من تسع تسبيحات .

ولكنّ الأحوط وجوباً التسبيح في الأخيرتين باثنتي عشرة تسبيحة ، بأن يكرّر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات ، لأنّ هذا مجزئ عند الجميع ، والله العالم .

بقي شيء في المقام ، قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (المشهور أنّه لا يستحبّ الزّيادة على اثنتي عشرة ، وقال ابن أبي عقيل : يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، سبعاً أو خمساً ، وأدناه ثلاث في كلّ ركعةٍ ، ولا بأس باتّباع هذا الشّيخ العظيم الشّأن في استحباب تكرار ذكر الله تعالى)[2] .

أقول : هذا منه مبنيّ على التسامح في أدلّة السّنن ، بحيث تشمل قاعدة التسامح مثل فتوى الفقيه ، ولا تختصّ بالخبر الضّعيف بالقائم على الاستحباب شيء .

ولكن ذكرنا في علم الأصول أنّ أخبار (من بلغ) وإن كان بعضها صحيح السّند ، كصحيحة هشام بن سالم ، إلَّا أنّها لا تدلّ على لا إلغاء شرائط حجيّة الخبر في الخبر الضّعيف القائم على الاستحباب ، وإنّما هي إرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد ، فراجع ما ذكرناه .

 

قوله : (ووجوب الإخفات فيه)

في الحدائق : (المشهور بين الأصحاب وجوب الإخفات في تسبيح الأخيرتين ، بل ربّما ادّعى عليه الإجماع ... )[3] .

أقول : الذي يظهر من كلام الأعلام أنّ معقد الإجماع على وجوب الإخفات في القراءة التي هي بدل التسبيح في الرّكعتين الأخيرتين .

 

نعم ، نسب كثير من الأعلام إلى المشهور وجوب الإخفات في التسبيح ، وربما شمله معقد الإجماع .

هذا ، وعن جماعة من الأعلام التخيير بين الجهر والإخفات في التسبيح في الرّكعتين الأخيرتين ، منهم العلّامة رحمه الله في التذكرة وصاحب الحدائق رحمه الله وصريح السرائر رحمه الله ، وظاهر بحار الأنوار والكفاية والذّخيرة والمدارك ، وظاهر التنقيح حيث قال : (والأَولى الإخفات فيه ، لأنَّه أشدّ يقيناً للبراءة) ، بل في البحار - بعد الحكم بأنّ التخيير أقوى - (وتدلّ بعض الأخبار ظاهراً على رجحان الجّهر ، ولم أرَ به قائلاً)[4] ؛ ولعلّه يشير إلى خبر رجاء الضحَّاك - الذي تقدّم ونذكره أيضاً إن شاء الله تعالى - .

وفي مفتاح الكرامة : (وجدتُ في هامش رسالة تلميذ ابن فهد أنّ بعض الأصحاب ذهب إلى استحباب الجهر)[5] ، وفي الجواهر : (فليس من العدل حينئذٍ شدَّة الإنكار على القول بجواز الجهر فيه ... )[6] .

أقول : قدِ استُدل لوجوب الإخفات في الرّكعتين الأخيرتين - سواء قرأ المكلَّف فيهما أم سبَّح - بعدَّة أدلَّة :

منها : الإجماع المتقدِّم ؛ وقد عرفت أنَّ معقده خصوص القراءة ، وربما شمل التسبيح .

وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد يصلح للتأييد لا الاستدلال .

ومنها : مداومة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم السلام وجميع الصحابة على الإخفات ، فلو كان مستحبّاً لأخلُّوا به في بعض الأحيان .

وفيه : أنَّ السِّيرة المستمرة على الإخفات لا تدلّ على الوجوب ، لأنّها أعمّ من ذلك ، إذ هي فعل مجمل ، والقدر المتيقَّن منه هو الرجحان والاستحباب .

ومنها : ما ذكره بعض الأعلام ، كالمصنّف رحمه الله في الذّكرى ، حيث قال : (وهل يجب الإخفات فيه ، الأقرب : نعم ، تسويةً بينه وبين البدل ، ونفاه ابن إدريس للأصل ، وعدم النص ؛ قلنا : عموم الإخفات في الفريضة كالنصّ مع اعتضاده بالاحتياط) .

وفيه أوّلاً : أنَّ دعوى كون التسبيح بدلاً عن القراءة ، وهي إخفاتيَّة ، فيجب الإخفات في البدل أيضاً في غير محلّه ، لما عرفت أنَّ العكس هو الصحيح ، أي إنّ الأصل هو التسبيح في الأخيرتين ، والقراءة بدل عنه .

وثانياً : أنَّه مع تسليم البدلية فوجوب التساوي بينه وبين المبدل منه في جميع الأحكام غير ثابت .

وثالثاً : أنَّ وجوب الإخفات في المبدل منه - وهو القراءة على الفرض - أوَّل الكلام .

وأمَّا ما ذكره المصنِّف رحمه الله من أنَّ عموم الإخفات في الفريضة كالنصّ .

فيرد عليه : أنَّ المتبادر من الأخبار الدَّالة على الإخفات إنَّما هو بالنسبة إلى القراءة لا ما يشمل التسبيح ، بل القراءة في خصوص الأولتين أيضاً لا الأخيرتين .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أي ذلك فعل متعمّداً فقد نقّص صلاته ، وعليه الإعادة ، فإنّ فعل ذلك ناسياً ، أو ساهياً ، أو لا يدري ، فلا شيء عليه ، وقد تمَّت صلاته)[7] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo