الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/05/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(27)
ولكن في المحكي عن البحار : (أنّ النسخ المتعدّدة التي رأيناها متّفقة على ذلك ، أي على الإثبات في كتاب الصّلاة والإسقاط في المستطرفات)[1] .
واحتمل أن يكون زرارة رواها على الوجهين ، ورواهما حريز عنه في كتابه ، واستظهر زيادة التكبير من قلمه رحمه الله ، أو من النسّاخ ، لأنَّ سائر المحدّثين رووا هذه الرّواية بدون التكبير .
أقول : أمَّا احتمال أن يكون زيادةً التكبير في باب الصّلاة من سهو قلم الناسخ فهو قريب ، لأُنس ذهنه به ، إذ المعهود في التسبيح في الرّكعتين الأخيرتين أن يكون فيه التكبير .
وأمَّا احتمال أن يكون زرارة سمع هذا الحديث من الإمام عليه السلام مرتين ، وأثبته حريز في مقامين من كتابه ، كما نقل في السَّرائر ، فهو بعيد جدّاً ، بقرينة استفهام زرارة عمّا يقول ، بعد أن نهاه الإمام عليه السلام عن القراءة ، فإنَّه يكشف عن عدم كونه مسبوقاً بمثله ، وإلَّا لم يكن يجهله حتّى يحتاج إلى الاستفهام عنه ثانياً .
والخلاصة : إن قلنا : إنَّها رواية واحدة سمعها زرارة من الإمام عليه السلام مرة واحدة ، فإن حصل لنا اطمئنان بزيادة التكبير فيه ، وإلَّا فيدور الأمر بين الزيادة والنقصان ، وفي مثله يدور الأمر بين الحجّة واللاحجّة ، إذا الصّادر أحدهما فقط ، وبما أنّه غير معلوم فلا يمكن الحكم حينئذٍ بصحّة المشتمل على التكبير ، لعدم الوثوق بصدوره .
وإن قلنا : إنّهما روايتان فالأمر سهل ، إذ يجب حمل الرّواية المشتملة على الاثني عشرة على الاستحباب جمعاً بينها وبين الرّواية الأخرى التي هي صريحة في كفاية التسع .
والذي يهوِّن الخطب : أنَّ الرّوايتين - بناءً على التعدّد - ضعيفتان بالإرسال ، كما عرفت .
وقد يستدلّ لهذا القول بخبر رجاء بن أبي الضحّاك المتقدّم المرويّ في الوسائل عن العيون (أنّه صحب الرّضا عليه السلام من المدينة إلى مرو ، فكان يسبّح في الأخيرتين ، يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاث مرات ، ثمَّ يكبر ويركع)[2] .
وفيه أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بجهالة جميع رجال السَّند ، بل عن روضة المتقين (أنّ رجاء بن أبي الضحّاك هو شرّ خلق الله ، وأنّه السَّاعي في قتل الإمام عليه السلام)[3] .
وثانياً : أنَّه عمل مجمل ، إذ الفعل لا يدلّ على الوجوب .
وثالثاً : أنَّه حكي عن البحار أنَّه قال : (إن الموجود في النسخ القديمة المصحّحة من العيون بدون التكبير ، والظَّاهر أنّ الزّيادة من النسّاخ) .
وعليه ، فهذا القول الأوّل غير تامّ .
نعم ، لا إشكال في الإجزاء لو أتى باثنتي عشرة تسبيحةً ، بل هو الاحتياط الكامل .
لكنَّ الكلام في وجوب هذا المقدار ، وقد عرفت عدمه .
القول الثاني : وجوب تسع تسبيحات بتكرير التسبيحات الأول ثلاث مرات (وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ) ، حُكي ذلك عن حريز والصّدوقين وابن أبي عقيل وأبي الصّلاح (قدس الله أسرارهم جميعاً) .
ومع قطع النّظر عن صحّة النسبة إلى هؤلاء الأعلام فقد يستدلّ لهذا القول برواية حريز المذكورة في مستطرفات السرائر وقد تقدّمت ، وذكرنا أنّها ضعيفة بالإرسال .
وقد تقدَّم أيضاً الاختلاف في متنها من حيث إثبات التكبير وإسقطاه .
واستدلّ له أيضاً بصحيحة زرارة المرويّة في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لا يقرأن في الرِّكعتين الأخيرتين من الأربع الرّكعات المفروضات شيئاً ، إماماً كنت أو غير إمام ، قال : قلت : فما أقول فيهما ؟ قال : إذا كنتَ إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثلاث مرات ، تكملة تسع تسبيحات ، ثمّ تكبّر وتركع) [4] ، وهي صحيحة السّند تامّة الدلالة .
وعليه ، فإن ثبت جواز الاكتفاء بما دون التسع فبه ، وإلّا فلا بدّ من القول بوجوب التسع .
قال العلَّامة المجلسيّ رحمه الله - بعد أن اختار القول بمطلق الذِّكر - : ثمَّ الأفضل اختيار التّسع ، لأنَّه أكثر وأصحّ أخباراً ، وهو مختار قدماء المحدّثين الآنسين بالأخبار ، المطلعين على الأسرار ، كحريز بن عبد الله والصّدوق ... )[5] .
القول الثالث : وجوب عشر تسبيحات بإثبات التكبير في التسبيحة الثالثة ، وإسقاطها في الأوليين .
نسب ذلك إلى الشّيخ رحمه الله في مبسوطه وجمله ومصباحه ، وعمل يوم وليلة ، وأبي المكارم رحمه الله في الغنية ، والصدوق رحمه الله في المحكي من هدايته ، والسّيد المرتضى رحمه الله في المحكي من جملة ومصباحه ، وسلّار الكندي رحمه الله.
ومهما يكن ، فلا يوجد لهذا القول دليل يعتدّ به ، وإن كان ظاهر الشّهيد الثاني رحمه الله في الرّوضة وجود نصّ صحيح فيه ، فإنّه بعد أن نقل قول الشَّهيد رحمه الله بالتخيير بين الحمد والتسبيح أربعاً أو تسعاً أو عشراً أو اثنتي عشرة ، قال : (ووجه الاجتزاء بالجميع ورود النصّ الصّحيحة بها ... )[6] .
ولكن ذكر بعض الأعلام الأجلّاء أنّ الكتب الأربعة وغيرها من أصول الأصحاب خالية عن النصّ على ذلك ، فضلاً عن كونه صحيحا .
وبالجملة ، فما ذكره الشهيد الثاني من وجود النص الصحيح حجة عليه .
وأما بالنسبة إلينا فهو مرسل مجهول الأصل .
نعم ، قد يعلل أصل الحكم ودعوى ورود النص به بما تقدم من صحيحة زرارة المستدل بها للقول الثاني (فعل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات ، ثمَّ تكبر وتركع )[7] على أن يكون المراد ضم التكبير في قوله : (ثمَّ تكبر وتركع ) إلى سابقه ليكمل به العشر .
ولكن لا يخفى عليك وهنه ، فإن ظاهره إرادة تكبير الركوع ولا أقل من عدم ظهوره في إرادة تكبير آخر غيره .
وبالجملة ، فإن هذا القول ليس بتام .
القول الرابع : أنه يجزئ أربع تسبيحات (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) مرة واحدة .
حكي ذلك عن جماعة من القدماء كالكليني والشيخين وعن كثير من المتأخرين ومتأخريهم ، بل في المحكي عن المقاصد العلية أنه أشهر الأقوال ، بل عن المصابيح الطباطبائية : (أن شهرة القول به من عصر الفاضلين إلى زماننا ظاهرة لا تدفع ، بل الظاهر الإجماع عليه في بعض الطبقات)[8] .
قال صاحب الجواهر رحمه الله : (وهو كذلك على الظاهر ، بل قد صرح به فيما يقرب من خمسين كتابا على ما حكي عن جملة منها ... ) [9] ، وحكي عن المعتبر القطع بجواز الأربع ، واحتمال الاكتفاء بما دونه .