الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/05/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(26)
الثانية : رواية معاوية بن عمّار ( قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الرّكعتين الأخيرتين ، فقال الإمام : يقرأ بفاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبح ، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما ، وإن شئت فسبّح)[1] .
وقد عبَّر أغلب الأعلام عن هذه الرّواية بالصّحيحة .
ولكن قد يُقال : إنّها ضعيفة ، لأنّ محمّد بن أبي حمزة الموجود في السَّند مشترك بين الثمالي الثقة والتيملي الكوفي المجهول .
والقول باتحادهما : يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود .
ثمَّ إنّ ابن داود رحمه الله وثَّق التيملي الكوفي ، إلَّا أنَّك عرفت أنَّ توثيقات المتأخّرين مبنية على الحدس ، فلا يعتدّ بها .
والإنصاف : أنَّ النفس تطمئنّ بأنَّ محمَّداً الموجود في السَّند هو الثمالي الثقة ، بقرينة من روى عنه محمَّد ، ومن روى عن محمد .
أضف إلى ذلك : أنَّ التيملي لا أصل له ولا كتاب .
وبالتالي فهو غير مشهور ، ولا معروف في الرّوايات .
وعليه ، فالمتبادر من محمّد بن أبي حمزة هو الثمالي ، ولذا تكون الرّواية صحيحة .
الثالثة : رواية جميل بن دراج (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عمَّا يقرأ الإمام في الرّكعتين في آخر الصَّلاة ، فقال : بفاتحة الكتاب ، ولا يقرأ الذين خلفه ، ويقرأ الرّجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب) [2] .
وقد عبَّر عنها جماعة من الأعلام بالصَّحيحة .
ولكنَّ الإنصاف : أنَّها ضعيفة ، لأنَّ عليّ بن السّندي الموجود في السَّند غير موثَّق .
إنْ قلت : إنَّ نصر بن الصّباح قد وثّقه .
قلت : توثيقات ابن الصّباح غير معتبرة ، لأنّ ابن الصّباح نفسه غير موثّق ، فكيف يعتد بتوثيقاته ؟!
ثمَّ إنَّه قد يُقال : إنَّ قوله : (ويقرأ الرّجل فيهما إذا صلَّى وحده) لا يدلّ على استحباب القراءة للمنفرد ، لأنَّ الأمر الواقع بعد النهيّ يدلّ على أصل الجواز والرّخصة ؛ وهنا قد وقع الأمر بعد النهي عن القراءة للمأمومين .
لكنَّ الإنصاف : أنَّ النهي هنا إنّما هو للمأمومين ، فلا يشمل المنفرد .
ثمَّ إنَّ هذه الرّوايات لا يعارضها صحيحة محمَّد بن قيس ورواية رجاء بن أبي الضحاك المتقدّمتين ، لأنَّ فِعل الإمام عليه السلام فيهما مجمل ، فلا يصلح أن يكون معارِضاً للقول .
مع إمكان أنَّ يكون المقصود بصحيحة محمَّد بن قيس حكاية فِعل أمير المؤمنين عليه السلام وقت ما كان يصلّي وحده ، أو مقتدياً بمن كان يقرأ خلفه لا حال إمامته بالنَّاس ، كي ينافي الأخبار المتقدّمة .
وأمّا رواية (رجاء) فهي - مضافاً لضعفها سنداً كما عرفت ، وإجمال الفعل فيها - لا تخلو من شائبة إشكال ، لأنَّه عليه السلام كان يتمّ في السّفر ، ويأتي بالذّكر في الأخيرتين جهراً ، بحيث يسمعه رجاء في جميع صلواته .
ولا يخفى ما في هذين الأمريمن من الإشكال .
إذا عرفت ذلك فنقول : إنَّ الرّوايات المفصّلة بين الإمام وغيره - كصحيحة معاوية بن عمار وصحيحة منصور بن حازم - تكون شاهدة للجمع بين ما دلّ على أفضليّة القراءة مطلقاً ، وبين ما دلّ على أفضليّة التسبيح مطلقاً ، وبين ما دلّ على أنّهما سواء ، كموثقة علي بن حنظلة .
وتكون النتيجة : أنَّ الأفضل للإمام القراءة ، وللمأموم التسبيح بحمل أخبار التسبيح عليه ؛ والتساوي للمنفرد بحمل موثَّقة علي بن حنظلة عليه .
ووجه كون صحيح معاوية شاهدة للجمع المزبور واضح ، حيث قال عليه السلام فيها : (الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبّح ، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما ، وإن شئت فسبح) ؛
هذا هو الإنصاف في المسألة .
ومما ذكرنا يتضح لك ضعف سائر الأقوال المنقولة في المسألة ، والله العالم بحقائق أحكامه .
الأمر الرابع : في كيفيّة التسبيح المذكور ومقداره ، وقد اختلف الأعلام في ذلك على أقوال عديدة :
القول الأوَّل : أنَّه يجب اثنتا عشرة تسبيحة ، صورتها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، يقولها ثلاث مرات .
وظاهر المصنِّف رحمه الله في الذّكرى وجوب هذا المقدار ، كما أنَّه صريح النهاية والاقتصاد ومختصر المصباح والتلخيص والبيان ، وهو أيضاً صريح المحكي عن نسخة الرّسالة عليّ بن بابوية قديمة مصحّحة عليها خطوط العلماء بقراءتها عليهم .
هذا ، وقد اعترف في المدارك بأنَّه (لم يقف لهذا القول على مستند) .
أقول : قد استدلّ له بمارواه ابن إدريس رحمه الله في أوّل السّرائر في كيفيّة الصّلاة نقلاً عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنَّه قال عليه السلام : لا تقرأن في الرّكعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئاً ، إماماً كنت أو غير إمام ، قلت : فما أقول فيهما ؟ قال عليه السلام : إن كنت إماماً فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاث مرات ، ثمَّ تكبّر وتركع ... ) [3] .
وفيه أوّلاً : أنَّ ابن إدريس رحمه الله لم يذكر طريقه إلى كتاب حريز ، فتكون الرّواية مرسلة .
بل المظنون أنَّه وجد أصل حريز في مكان ما ، وأخذ منه الرّواية .
وعليه ، فهو من قسم الوجادة .
وأمَّا دعوى ثبوت جميع ما في السّرائر بطريق التواتر والآحاد المعتبر فهي غير ثابتة .
وما قيل : من أنَّ ابن إدريس رحمه الله لا يعمل بخبر الواحد فلا ينفع ، إذ لعلّه اعتمد على قرينة تفيده القطع ، بحيث لو وصلت إلينا لعلّه لا يحصل لنا الظنّ منها ، فضلاً عن القطع .
ولا ينافي في ما ذكرناه وصف ابن إدريس رحمه الله للأصول التي روى عنها في السّرائر واستطرف منها ما استطرف بأنّها أصول معتبرة ، ضرورة كون المراد أنّها كذلك في الجملة ، هذا أوّلاً .
وثانياً : أنّه أورد هذا الحديث بعينه في المستطرفات بإسقاط التكبير ، وقال السَّيد محمَّد جواد الأمين رحمه الله في مفتاح الكرامة : (أنَّ في نسخة قديمة عتيقة من خطّ عليّ بن محمّد بن أبي الفضل الآبي - أي صاحب كشف الرموز - في سنة سبع وستين وستمائة ، إسقاط التكبير في الموضعين ، كما أنَّ في نسخة أخرى كثيرة الغلط ذكره في الموضعي...)[4] .
ولكن في المحكي عن البحار : (أنّ النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ذلك ، أي على الإثبات في كتاب الصّلاة والإسقاط في المستطرفات . [5]